إيران وأميركا في العراق خارطة طريق جديدة لاحتواء الأزمة

تاريخ النشر: 04/07/14 | 15:39

يبدو أنه زمن التحولات الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، أو أنه زمن إعادة رسم تحالفات جديدة وأدوار جديدة ستظھر انعكاساتھا قريباً. طھران فرضت نفسھا الطرف الأول في المعادلة الدولية لمنطقة الشرق الأوسط، وأصبحت الدولة الأكثر أھمية بالنسبة لأميركا في مواجھة الإرھاب. وسيتعزز ذلك في المرحلة المقبلة كلما تبيّن أن الإرھاب بات في حاجة الى تعاون دولي إقليمي أكبر. ويعتبر الانقلاب الاستراتيجي في طبيعة العلاقة بين إيران والولايات المتحدة حيال أزمة العراق بمثابة الزلزال الذي ستكون له آثار كبرى على كثير من السياسات والتحالفات في المنطقة. البلدان لا ينكران فرص التعاون التي يقولان إنھا يمكن أن تقوم بينھما في مواجھة التقدم الذي أحرزه تنظيم “داعش” في العراق على حساب حكومة نوري المالكي. وبعد أن كانت واشنطن وطھران تؤكدان أن المحادثات الجارية بينھما في الوقت الحاضر تقتصر على الملف النووي الإيراني وحده، يمكن أن يشمل الحوار أيضاً إمكان التعاون لتسوية الوضع العراقي، وربما لمواجھة أزمات أخرى في المنطقة تعتبر إيران طرفاً فيھا.
لقد نجحت إيران في جر باراك أوباما إلى موقع الشريك في الأزمة العراقية، وقبلھا في الأزمة السورية بسبب عجز الرئيس الأميركي وشلله في مواجھة الحرب في سوريا. ووجدت طھران في أزمة العراق الفرصة الذھبية من أجل استدراج واشنطن إلى تعاون مشترك معھا يصل إلى مستوى التحالف الموضوعي بوجه “داعش”، وقدمت نفسھا على أنھا شريك وحيد لواشنطن في حربھا على الإرھاب، مع الاستعداد لتقديم كل التسھيلات في حال قررت واشنطن التحرك الأمني أو العسكري، واستغلت فرصة وجود فريقھا النووي المفاوض في جنيف، من أجل طرح الملف العراقي على طاولة المباحثات، وراھنت على القلق الأميركي من توسع ھذه الجماعات وتھديدھا للأمن والاستقرار العالميين، ما يعطي طھران حصرية الإمساك بورقة التفاھم معھا على العراق، ويضمن لھا عدم دخول لاعبين إقليميين يمكن لھم التأثير على مجريات الأحداث، ويصبحون مع الوقت شركاء في حل الأزمة العراقية…
ما يجري في العراق من تطورات سريعة ومفاجئة، يوسع أفق الحوار ويعمّ ق أطر التنسيق بين إيران والولايات المتحدة. ھذا يحدث للمرة الأولى منذ ٣٥ سنة من القطيعة الرسمية بين الطرفين، وفي عھود أربعة رؤساء دولة في إيران وستة في أميركا. ھذا لا يعني بالضرورة أن ثمة علاقات حميمة مماثلة كالتي كانت قائمة بين الولايات المتحدة وإيران الشاه تنسج الآن بين البلدين، ولكن يسمح الظن بذلك، لا سيما أن ثمة مصالح حيوية ھي العامل الرئيس لصوغ علاقات أفضل بين الجانبين. والآن ھناك مصالح حيوية واضحة تقرب بين طھران وواشنطن بوتيرة سريعة.
ويبدو من توجھات السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة أن واشنطن باتت مقتنعة بأن إيران قادرة على أن تلعب دوراً وازناً في المنطقة، أمام المد السنّي المتطرف الذي يھدد مناطق واسعة في سوريا والعراق، إضافة إلى ذلك ھناك مصالح مشتركة بين الولايات المتحدة وإيران بالنسبة إلى مستويات إنتاج النفط في المنطقة. والعراق ھو ثالث أكبر مصدّر للنفط بعد السعودية وروسيا، وتعرّضه لأزمات يعني دائماً اضطراب الأسعار. وواضح أن أي اتفاق بين واشنطن وطھران في شأن الملف النووي سيضيف كميات كبيرة من النفط الإيراني إلى السوق بعد رفع الحظر عن إيران.
ويبدي الأميركيون انفتاحا على تحرك مع الإيرانيين في مواجھة التھديد الذي يشكله “داعش” على العراق، وقد أبدى الرئيس باراك أوباما استعداداً لتدخل عسكري محدود مشترطا أن تقوم حكومة تمثل جميع الأطراف من دون استثناء. لكن للتفاھمات حدوداً، ومن السابق لأوانه الحديث عن علاقة طبيعية، ذلك أن الأمر سيقتصر في المرحلة الحالية على تعاون معلوماتي – أمني لمواجھة عدو مشترك. والنقاش الذي قطع الطريق على تطور محتمل في ھذه المرحلة للعلاقة بين الطرفين يتعلق بالتفاھم على الحل السياسي في العراق، إذ ترى واشنطن أن مفتاح الحل يبدأ بخروج المالكي من السلطة وتأليف حكومة جديدة تضم الجميع، وبمعنى آخر يتقاسم فيھا النفوذ كل من إيران والسعودية في رعاية أميركية، على أساس أن السعودية والجزء السني من العراق يرفضان رفضاً قاطعاً استمرار المالكي “رجل إيران” في رئاسة الحكومة العراقية.
لكن طھران ترفض في الوقت الحاضر الحديث عن أي تغيير في السلطة العراقية وخصوصا المالكي، والتخلي عنه في ھذه المرحلة يعني من وجھة نظر إيرانية منح المجموعات الإرھابية جائزة تقدير لأعمالھا بدل محاربتھا. ومن جھة أخرى، ترى طھران أن تغيير السلطة تحت الضغط سيؤدي ليس فقط الى تقاسم النفوذ مع السعودية في العراق، بل الى خسارات متتالية لھذا النفوذ في مستقبل بلاد الرافدين. لذلك قد لا تكون طھران مستعدة اليوم تحت ضغط الأحداث للتنازل عن المالكي الذي أعاد حشد القوى الشيعية السياسية والدينية خلف دعوته إلى مواجھة الخطر المحدق ببغداد ومدن الجنوب.
إن الشروط الأميركية على طھران قد تكون اختبارا لحسن نواياھا، وإمكانية تغيير سلوكھا في العراق ومنه إلى أغلب ملفات المنطقة، ورغم إرسال واشنطن تعزيزات عسكرية إلى مياه الخليج العربي، فإنھا لم تتحرك باتجاه القيام بضربة لتجمعات “داعش” في العراق، وربطت تحركھا العسكري الفاعل بعدم مشاركة إيران عسكريا تحت أي شكل من الأشكال، بينما كان شرطھا التعجيزي ھو ربطھا أي تحرك عسكري بحل سياسي يقوم أساسا على تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيھا مختلف أطياف الشعب العراقي، ما يعني احتمالا قويا باستبعاد نوري المالكي عن رئاستھا، وھذا مطلب عراقي شيعي سني وعربي إقليمي ترفضه طھران.
إن الطرفين في حاجة الى تبادل المعلومات ولكليھما مصلحة في وقف تمدد المجموعات الإرھابية، لكن الخلاف السياسي على طبيعة السلطة في العراق يبقى عائقا أمام تطور العلاقة بين واشنطن وطھران ومن المؤكد أن يكون له انعكاس على النقاش النووي. فالارتباك السياسي الداخلي والإقليمي واضح على القيادات الإيرانية، لا سيما أمام اقتراب موعد ٢٠ تموز في المفاوضات النووية. قد تكون مفاجأة الزلزال العراقي أسوأ تطور بالنسبة إلى إيران، لأنھا كانت تفاوض نووياً من موقع القوة، وباتت بعد زلزال العراق تفاوض وھي مرتبكة ومن موقع ھش.
الولايات المتحدة ستستفيد من إيران أضعف في العراق وسوريا لتحصل على ما تريده في مفاوضات الملف النووي. وإيران تفصل الاتفاق النووي عن سائر ملفات المنطقة ولكنھا تتطلع بعد التوصل الى اتفاق نھائي قبل ٢٠ تموز المقبل الانتقال منه الى التفاوض على ملفات المنطقة، أي التفاوض على “دور إيران الإقليمي”.
أما في العراق، فالولايات المتحدة لن تتمكن من التحالف مع إيران في مواجھة “داعش” و “القاعدة” إلا على أساس سياسي، لأن القضاء عليھما لن يأتي سوى من طريق “صحوات” سنيّة وليس من طريق استفزاز السنّة وتھميشھم.
فإذا قرر تيار “الحرس الثوري” أن ھذه معركته، فلن تتخلى إيران عن المالكي ولن تتراجع أمام الانتفاضة السنّية. أما إذا انتصر تيار حسن روحاني واتخذت إيران قرار استبدال المالكي إنقاذاً للمفاوضات النووية، التي تؤدي إلى رفع العقوبات تدريجاً عن إيران وترسم مساراً تھادنياً رسمياً مع الولايات المتحدة، عندئذ قد تبرز خريطة طريق جديدة للعراق أساسھا الأقاليم وليس التقسيم.
كل شيء وارد في ھذه الحقبة من مسيرة التغيير في المنطقة العربية وفي الجمھورية الإسلامية الإيرانية. الأرجح ألا تتعطل المفاوضات النووية. فقد اتخذ قرار إيراني بإنجاحھا لأن إيران قررت الخروج من عصر العزلة والعقوبات، ولأنھا لن تجد أفضل من أوباما رئيسا أميركيا للاتفاق معه. كما تم اتخاذ قرار أميركي بإنجاح تلك المفاوضات لأن باراك أوباما يريد للاتفاق أن يتوّج مسيرته التاريخية، ولأنه سيكون محاصرا بانتخابات الكونغرس النصفية بعد أشھر. الغامض يدخل في خانة الطموحات الإيرانية الإقليمية وموقف باراك أوباما منھا.
وبهذا المختصر من الحديث لا نرى ان حرب هذه الجماعات مذهبية او عرقية كما يسوق لها الاعلام ستقدم للعالم خريطة اسلامية هدفها التكفير والقتل والتدمير بل منظومة استعمارية مدعمة من السياسات الغربية والصهيو- امريكية هدفها غسل العقول والاموال بخطابات ثورية وتعميق الانقسام في المنطقة جغرافيا وسياسيا وتعميق حالة الخلاف تحت عنوان مذهبي وعرقي واستنزاف الطاقات البشرية والفكرية والاقتصادية لتلك الشعوب

بشير حسن بدور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة