متنفَّس عبرَ القضبان (126)

حسن عبادي| حيفا

تاريخ النشر: 08/07/25 | 13:31

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
أصدرت كتاباً بعنوان “زهرات في قلب الجحيم” (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع) وتناولت تجربتي مع الأسيرات حتى أواخر شهر آذار 2024، حين تمّ منعي من الزيارات، وتم لاحقاً إبطال المنع بعد اللجوء إلى القضاء.
ونشرت في حينه خاطرة بعنوان “صفّرنا الدامون”… وخاب أملي.
عُدت لزيارة الدامون لمواكبة وضع حرائرنا كي لا تستفرد بهن سلطة السجون؛
وجدت الوضع مأساوياً تقشعر له الأبدان، ونحن صامتون صمت أهل القبور.
عقّبت الأسيرة المحرّرة شروق شرف: “الله يفرج عن إباء وعن كل الأسيرات والأسرى يا رب … الكيكة قصة لحالها كنا نجمع حصة الغرفة من المربى ونخلطها باللبن ونشرّب الخبز بالشاي أو نحل شوية مربى ونسقي الخبز وبعدها ندهن اللبن والمربى فوقها ونعمل طبقات … بالمقابل عشان ناكل هاي التحلاية لازم نضحي بوجبة الفطور … الله يفرجها يا رب … في صبايا تفننوا عملوا كيكة من الخبز واللبن وزينوها بالجبنة الصفراء والزيتون هاد بس يوم سبت … للأمانة تخيلتها كيكة الكريمة والفستق الحلبي … الأسيرات الحمد لله إرادتهن قوية … ربنا يفرج عنهم يا الله … ويعطيك العافية يا أستاذ ويجزيك الخير”
وعقّبت الشاعرة مريم الصيفي: “فرج الله كرب الأسيرات والأسرى وردهم لأهلهم سالمين غانمين ..وبارك الله في جهودك أخي حسن عبادي وجزاك الله خيرا عن مساعيك الطيبة مع الأسيرات والأسرى ..وعسى أن يكون الفرج قريبا بإذن الله …”
وعقّب محمد (زوج الأسيرة إيمان الشوامرة): ” أكيد يوسف أهم شي بالكون وربنا يفك أسرهن عن قريب جميعهن وبوركت جهودك أستاذنا العزيز”
وعقّبت الصديقة زهرة من الشتات: “الحرية لها ولكل الفارسات والفوارس الأشراف …عنوان قضية مقدسة، لا ولن تموت …. يا رب”
“بنتكم قويّة وجدعة…تقلقوش ”
زرت ظهر الثلاثاء 03 حزيران 2025 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب والتقيتُ بالأسيرة إباء عمار معروف أغبر (مواليد 28.05.2002)، من رفيديا/ نابلس.
حين أخبرتني بتاريخ ميلادها سألتها عن الاحتفال داخل السجن فأخبرتني بلهفة معجونة بحسرة عن كعكة العيد؛ خبز + لبن + تطلي (فراولة).
حدّثتني بدايةً عن زميلات الزنزانة رقم 11 (ميسّر هديبات/ يطا/الخليل)، إيمان شوامرة/ الخليل/غيت، لين مِسك (الخليل)، رماء بلوي (كفر لبد/ طولكرم)، 40 أسيرة (يشمل 4 موظّفات شركة مصرف الخليج).

حدّثتني بتفاصيل الاعتقال؛ ليلة 16.03.2025، الساعة ثلاثة ونص الفجر، داهم الجنود، برفقة مجنّدة، البيت، وبعد تفتيش دقيق اقتادوها مكلبشة وضمّادة على عينيها، إلى حوارة أو أريئيل، مسبّات وكبّ ميّة كل الوقت، ومنه إلى سجن هشارون البغيض، وقاموا بتفتيش مُهين، ومنه إلى سجن الدامون.
الوضع في سجن الدامون سيئ للغاية، وصفت لي قمعة 13 أيار المشؤومة، الأكل سيئ للغاية، ووضع الحوامل زهراء ورماء صعب، صار فورتين، كل فورة ساعة، وممنوع الحكي خلال الفورة، واللي بتحكي بعزلوها.
مشتاقة للجامعة (طالبة دكتوراه صيدلة، سنة خامسة، وراحت عليها تدريب سنة ثانية).
طلبت إيصال رسائل مؤثّرة جداً للعائلة، فرداً فرداً، وخصّت بالذكر والداها، وإخوتها، وعمتها وخالاتها، أعمامها وأخوالها، والتيتا رجاء/ أم شادي وطبخاتها.
كثير مشتاقة للكل “وكنت أتمنى العيد معهم، وبدّي ينبسطوا بالعيد، ويشربوا النيس كافيه اللي قطعوا من يوم الحبسة”.
طلبت إيصال رسائل لأهل لين مِسك ولأهل رماء وصديقاتها شيماء وتالا ونور.
حين افترقنا قالت فجأة: “وحياتك أستاذ، خبّر أهلي: بنتكم قويّة وجدعة…تقلقوش”.

“أكيد يوسف “!
مباشرة بعد لقائي بإباء، التقيت بالأسيرة إيمان إبراهيم عبد الله الشوامرة (مواليد 01.03.1979)، من قرية جيت/ محافظة قلقيلية.
بدأت اللقاء بسؤالها: إحزري مين بسلّم عليك؟ أخذت تبكي لدقيقتين وقالت: أكيد يوسف! ابنها الذي يشتاق إليها ويناجيها كلّ الوقت.
حدّثتني عن زميلات الزنزانة رقم 11 وباقي الأسيرات.
حدّثتني بتفاصيل الاعتقال؛ ليلة 04.05.2025، الساعة الثالثة وجه الصبح، “ما شفتهم ولّا هم فوق راسي، 8 جنود وترافقهم مجنّدة، كلبشوني وغمّضوا عينيّ”، درب الآلام من البيت إلى حوّارة، ومنها إلى أريئيل، إلى سجن هشارون، سرحت فجأة، تنهّدت وقالت: “الله لا يورجي حتّى لعدوّ”، ومنها إلى الدامون.
كلّها ع شان صور ع الفيس. ولا كلمة!
الوضع في سجن الدامون صعب للغاية، كل اليوم مطارقة بواب وأعصاب، الله يعين الحوامل (رماء بلوي وزهراء كوازبة)، صراخ ومسبّات كلّ الوقت.

وصفت لي وضع الأمهات المعتقلات وحنينهن لأبنائهن، وخاصّة في هذه الفترة “موجهين على عيد”، وخلّي يوسف يطلع يلعب مع أولاد الحارة برّا، ما يحبسه بالدار. العيد بعيد عن لمّة العيلة حديث الساعة في الدامون.
قلقة بالنسبة للمحكمة، الجلسة الجاي يوم 06 تموز.
طلبت إيصال رسائل ومعايدات للعائلة، فرداً فرداً، وخصّت بالذكر والديها وأقاربها الخلايلة، حماها وسلفاتها كلّهن.
وأهم شغلة؛ خلّي محمد يجيب ليوسف كل شي بدّو إيّاه، يرتّبه ويزبطه يوم العيد.
حين افترقنا قالت: “سلّم على جوزي كثير وقلّه يا ريت ردّيت عليك”.
لكن عزيزتيّ إباء وإيمان أحلى التحيّات، والحريّة لكن ولجميع أسرى الحريّة.
حيفا حزيران 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة