مدرستي… منارةُ القلبِ والعقل

بقلم: رانية مرجية

تاريخ النشر: 07/07/25 | 14:18

(خريجة مدرسة تيراسنطا – الرملة، من الصف الرابع حتى الثامن)

في حضنِ “تيراسنطا” ابتدأ المشوارُ
نورٌ تفتّق في الصباحِ ونارُ
يا مدرستي، يا من غرستِ بدايتي
فيكِ انتشى حلمي، وعانقَ دارُ

من رابعةِ الحلمِ حتى الثامنِ ارتحلتُ
طفلةً على كفِّ الحروفِ تُدارُ
أهدهدُ الأقلامَ بين دفاتري
وفيكِ ينبتُ للندى أشجارُ

يا تيراسنطا، لستِ جدرانًا فقط
بل روحُ حبٍّ، في المدى تختارُ
أنتِ الطفولةُ في بهاءِ حضورِها
وأنتِ للحرفِ الجميلِ منارُ

كلُّ زاويةٍ بكِ تحملُ قصةً
كلُّ درجٍ، صوتٌ، وكلُّ جدارُ
هذي الساحةُ كم بها من ضحكةٍ
طارتْ كطيرٍ لا يُطالُ قرارُ

وهنا المعلمةُ التي كانت لنا
أمًّا، ودفءَ الروحِ حينَ نُحارُ
تمنحُنا صبرًا، ودفقةَ حكمةٍ
وتُريكَ كيفَ يغوصُ فيكَ نهارُ

وهنا المعلّمُ، ذلك المصباحُ
يمشي بعينِ الفكرِ وهو منارُ
ما كان ييأسُ، كان يؤمنُ أننا
نحنُ الغدُ الآتي، ونحنُ فخارُ

فلكلِّ معلمٍ مررتُ بظلّه
شكري، وإن ضاقت به الأشعارُ
لمن علّمني حبَّ الوطنِ، وقيمَهُ
ولمن أراني كيفَ يُبنى الدارُ

يا مدرستي…
يا ضحكةَ الرفاقِ في الحصصِ
يا جرسًا، كانَ في القلبِ انتصارُ
كنتِ لنا البيتَ الذي لا ينتهي
وملاذَنا إن ضاقَ فينا المسارُ

كم مرّ عامٌ، وقلبي فيكِ ساكنٌ
كأنني لم أبتعد، لم أغادرْ، ما صارُ؟
ففيكِ نبضُ العمرِ، ذكراكِ أنشودةٌ
أرددُها، ما دامَ في القلبِ نارُ

لكِ المجدُ يا تيراسنطا الرملةُ
أنتِ الزمانُ، وعطرُهُ، والأثرُ
مدرستي، يا وردةً لا تذبلُ
أنتِ البدايةُ، والبقاءُ، والسفرُ

من القلب… إلى من غرسوا بذور النور
في مدرسة “تيراسنطا” – الرملة، لم أكن مجرّد طالبةٍ تتلقى العلم، بل كنتُ زهرةً صغيرة سقوها بالمحبّة، وثقةٍ، وعناية لا تُنسى. بين الصف الرابع والثامن، تعلّمتُ هناك أن المعرفة ليست فقط في الكتب، بل في السلوك، في الحوار، في احترام الآخر، في الإيمان بالقدرة على الحلم.

كلّ معلمٍ ومعلمةٍ مرّوا في دربي، كانوا أكثر من ناقلين للعلم… كانوا رُسل نور، حملوا رسالتهم بأمانةٍ، وصبرٍ، ومحبةٍ نادرة. كم تركوا في داخلي أثرًا لا يُمحى، وكم كنتُ محظوظة أنني نشأتُ في مدرسةٍ تحترم الإنسان قبل الامتحان، وتقدّر القيم قبل الدرجات.

تيراسنطا لم تكن مجرد مؤسسة تعليمية، بل كانت البيت الثاني، والملجأ الذي احتوانا حين كانت الحياة لا تزال في أول أسئلتها. أذكر كل لحظةٍ هناك كما لو كانت البارحة – صوت الجرس، خطواتي على الأدراج القديمة، دفء الزملاء، وابتسامة المعلمات في الممرات.

واليوم، حين أنظر إلى الوراء، أُدرك كم كانت تلك السنوات جوهرية في تكويني، وكم من قلبي بقي هناك… في “تيراسنطا” الرملة، حيث ولدت فيّ الحروف، وتفتّحت أولى نوافذ الفكر، وبدأت أؤمن أن المستقبل يبدأ من كلمة، ومن يدٍ تزرع دون أن تنتظر المقابل.

شكرًا لكم… فردًا فردًا، وجهًا وجهًا، روحًا روحًا.
بقيتِ في القلب يا مدرستي، ودام عطاؤكِ شمسًا لا تغيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة