الانتخابات الإسرائيلية: إما جبهة ضد الفاشية والاحتلال وإما قائمة عربية مشتركة
جواد بولس
تاريخ النشر: 13/06/25 | 13:18
نجح بنيامين نتنياهو بتخطي أزمة حجب الثقة عن حكومته، بعد أن كان اسقاطها في الأيام الأخيرة متوقعا بسبب احتدام الخلاف داخل الائتلاف مع نواب الحزبين المتدينين “أغودات هتواره” و “شاس” . نشب الخلاف الحالي بعد مطالبة جهات عديدة، قضائية وعسكرية وسياسية وبضمنهم من داخل حزب الليكود الحاكم، بتجنيد الشباب المتدينين من أتباع هذين الحزبين، أسوة بباقي فئات المواطنين الملزمين بتأدية الخدمة العسكرية الاجبارية.
لن يراهن أحد على مصير حكومة نتنياهو ولا متى ولماذا قد تسقط؛ فالأوضاع والتداعيات السياسية تتطور بتسارع شديد والنقاشات داخل المجتمع اليهودي تشهد حالات من المد والجزر وتتحكم فيها عدة عوامل داخلية وخارجية. تبقى جميع الاحتمالات واردة وبضمنها امكانية أن تكون وريثة هذه الحكومة، إن سقطت، حكومة أسوأ وأخطر بكثير.
لا ندري كيف ستتعامل الحكومة ولا الكنيست مع حق المواطنين العرب في المشاركة بالانتخابات العامة؛ لا سيما بعد الخلل، بسبب هجمة حماس في السابع من اكتوبر، الذي زعزع معادلة المواطنة وتأطيرها المفروض للعلاقات السليمة المتبادلة بين الدولة ومواطنيها العرب.
ولا نستطيع أن نبعد من حساباتنا امكانية أن تقدم الحكومة على عرقلة مشاركة الأحزاب العربية، التي تعتبرها مشاغبة أو متطرفة سياسيا، في العملية الانتخابية؛ وهي جميع الأحزاب الموجودة اليوم باستثناء “القائمة العربية الموحدة”، التي قد تنجو بسبب طروحاتها السياسية التي يصفها قادتها بالبرغماتية أو بالذرائعية.
قد لا تجرؤ الحكومة الحالية على اتخاذ مثل هذه الخطوة الخطيرة وذلك لعدم اختمار الظروف الكافية لتبريرها ؛ لكنها لن تتردد في مواصلة تحركاتها الزاحفة بهدف تحقيق ما تخطط له وهو: نزع الشرعية عن الأحزاب العربية وعن قياداتها وعن المؤسسات الرئيسية القائمة بين المواطنين العرب، وفي طليعتها “لجنة المتابعة العليا” و “لجنة رؤساء السلطات المحلية”، وتحجيم دور مؤسسات المجتمع المدني وشل أو تحريم عمل معظمها، وكذلك محاربة العمل السياسي الفردي والتضييق على حق المواطنين في التعبير عن الرأي والتظاهر والانتظام الحزبي والاحتجاج الشعبي.
لقد أعدت هذه الحكومة وسابقاتها العدة لتدجين مواطنيها العرب وقمعهم؛ وكي لا نخطىء في حساباتنا، من الجدير أن نتذكر قائمة القوانين العنصرية الفاشية التي صادقت عليها الكنيست في العقدين الأخيرين، أو على الأقل منذ عام 2018 حين دخل “قانون القومية” حيز التنفيذ وقضى بفوقية اليهود على غيرهم وبكون إسرائيل دولة قومية لهم وحدهم. لقد شرعن هذا القانون بشكل علني ورسمي جميع سياسات الاضطهاد العنصري وملاحقة جميع قطاعات وشرائح المواطنين بوتائر لم نشهدها من قبل، حتى أمسى مجتمعنا كله، بنظر الحكومة، مجرما يخضع لرقابة سجانه. يقف المواطنون العرب داخل إسرائيل أمام حالة غير مسبوقة في خطورتها وامكانية تفجرها القريب؛ ولذا على “أولي الأمر” أن يعرفوا، قبل إكتمال الكارثة، كيف سيتصرفون لو كانت الانتخابات ستجري اليوم، وما هي سبل تنظيم المجتمع وتمكينه من استعادة ثقته بقدراته الجمعية، وكيف يمكن اخراجه من حالتي عجزه وخوفه كي يأمن مستقبل وسلامة أبنائه ويكون قادرا على مواجهة مخططات اقصائه وتفتيته وتهجيره المحتمل؟
لم يمر يوم في السنوات الأخيرة دون أن نسمع عن تلك الملاحقات والتضييقات، أو عن هدم بيت عربي هنا وحي كامل هناك. ولن تتسع هذه العجالة لتسجيل حصاد صيدهم في الآونة الأخيرة؛ لكنني سأتطرق لحالتين اثنتين لفتتا انتباهي بسبب ما تعكساه من خطورة جماعية.
نددت عدة جهات سياسية وقانونية قبل أسبوعين بقرار الحكومة الاسرائيلية البدء بتنفيذ إجراءات سحب الجنسية وترحيل المواطنين الفلسطينيين بموجب تعليمات “قانون المواطنة وقانون دخول اسرائيل” الذي جرى تعديله في شهر فبراير عام 2023 . وأتاح تعديل القانون، الذي أقر بأغلبية 95 عضو كنيست مقابل 10 أعضاء عارضوه، لوزارة الداخلية الاسرائيلية سحب الجنسية أو الإقامة الدائمة من كل شخص أدين بموجب قانون “مكافحة الارهاب” أو بمخالفات أمنية أخرى. لقد فاخر بعض الوزراء الاسرائيليين بوجود أربع حالات وصلت متابعتها إجرائيا الى مراحل متقدمة من الترحيل، وعن حالات مئات الفلسطينيين المستهدفين بموجب هذا القانون . تعتبر عقوبات هذا القانون وتعريفاته عنصرية ومستهجنة وخطيرة خاصة بعد أن حظيت بدعم 95 نائب من أصل 120، وصارت أداة “قانونية” تجيز تنفيذ تهجير المواطنين الفلسطينيين في ظروف لا أسهل فيها أن تنطبق عليهم معايير القانون .
والحالة الثانية، تتعلق بشروع الكنيست الاسرائيلي قبل عشرة أيام باجراءات إقصاء النائب أيمن عودة ، رئيس قائمة “الجبهة والعربية للتغيير”، من عضويته فيها، بعد أن وصل عدد الموقعين على العريضة المطالبة بابعاده الى 70 نائبا. جاء هذا التحرك عقب تصريحات أطلقها عودة في مظاهرة ضد الحرب على غزة حملت عنوان “مشاركة السلام”، قال فيها “بأن غزة ستنتصر على سياسة الحرب والدمار”. وفي تعقيبه على هذه الخطوة كتب عودة على صفحته: “هم يريدون استغلال الحرب لاعادتنا الى نفسية الحكم العسكري، الخوف، عدم التعبير عن الرأي. سنواجههم بأخلاقنا وقيمنا، وأدعوكم أن نقف كلنا معا بانتماء وشجاعة”. كلام صحيح بحاجة الى متابعة .
يواجه نواب القوائم العربية، ومعهم النائب اليهودي عن قائمة الجبهة عوفر كسيف، حالة من الاستعداء اليومي الفاشي التي تعرضهم للخطر داخل الكنيست وخارجها طبعا. لكن ما يعكسه الشروع باقصاء النائب عودة عن عضوية الكنيست هو أبعد من خطوة لاقصاء نائب “عاص” واحد وحسب، انها خطوة تشي بما يخططون له حين تختمر الظروف تماما، وتدل على نيتهم باقصاء جميع الأحزاب العربية “العاصية” والرافضة للتدجين، وهو ما قلته في البداية.
فما العمل اذن؟
لا أعتقد أن مجتمعنا وقياداته جاهزون للتعاطي مع مسألة حرمانهم من المشاركة في الانتخابات من خلال أحزاب عربية غير مذدنبة للسلطة. ولا أعتقد أن لديهم تصورات جدية حول البدائل السياسية الحقيقية الممكنة التي تتعدى مواقف بعض المطالبين بمقاطعة الانتخابات ويلجأ بعضهم لرفع شعارات المقاومة وبعضهم للدعاء والصلوات.
لقد سمعنا عن لقاءات أولية بين قيادات الأحزاب التقليدية الموجودة على الخارطة السياسية الحالية وهي: الجبهة الديمقراطية والتجمع الديمقراطي والعربية للتغيير والقائمة الموحدة؛ واعتقد أنها مجرد بدايات لجس النبض وحسب. لا أعرف عن مبادرات سياسية حزبية جدية جديدة، ولا أعرف كيف سيتقبل المواطنون العرب عودة أحزابهم “المتكلسة”، بمؤسساتها وبشخوصها القديمة وببرامجها نافدة المعنى وغير الموائمة لمستجدات الحالة السياسية الراهنة. قد يسعف حالاتهم وينقذها شعور المواطنين بأن الظرف العام لا يحتمل التقاعس ويفرض على كل فرد أن يتحمل مسؤوليته ويساهم بدوره في بناء “القلعة” ، التي هي قلعته؛ لكن هذا وحده لا يكفي، فكل يوم يمر بدون أي حراك سياسي جدي ومسؤول سيؤدي الى تدهور الحال وسيستفيد من ذلك الأحزاب الصهيونية وعملاؤها وأقمارها.
لو كنت مكان صاحب القرار، في الجبهة الديمقراطية مثلا، التي أدعمها، لسعيت من قبل وبحثت عن امكانية بناء جبهة عريضة ضد الفاشية وضد الاحتلال وتضم جميع القوى السياسية والأحزاب العربية وجهات يهودية، إن وجدت، تناهض الفاشية وتؤيد وقف الحرب على غزة وانهاء الاحتلال الاسرائيلي لها وللضفة الغربية، وتدعم تثبيت مبدأ المساواة الكاملة، الفردية والقومية، لجميع مواطني الدولة. أما اذا تعذر التوصل لبناء مثل هذه الجبهة، كما أقدر ، لبدأت العمل على توحيد الأحزاب العربية الثلاثة : الجبهة والتجمع والعربية للتغيير ولضممت اليها عددا من الشخصيات الاعتبارية الوازنة ولمنحتهم حق التمثيل في القائمة المشتركة التي يجب أن تقوم على أساس برنامح سياسي واقعي واضح ومتميّز عن طروحات الحركات الاسلامية وحلفائها، وقادر على توحيد المواطنين وراء شعارات تعالج همومهم ومخاوفهم وتجندهم عند ساعة الصفر .