رثاء في ذكرى الأربعين لوالدي الحبيب، الحاج الاستاذ يوسف ابو عقل من عرعرة
بقلم ابنتك المشتاقة : المعلمة عبير يوسف ابو عقل
تاريخ النشر: 09/05/25 | 17:03
أربعون يوماً مرّت يا أبي… وكل يوم منها كأربعين عامًا من الفقد، ثقيلة هي الأيام بعدك، باهتة، بلا ملامح، كأن الوقت توقف حين رحلت، وكأن الحزن استوطن قلوبنا لا يغادرها.
رحمك الله يا أبي،
يا من ختمت عمرك بعد شهر الصيام،
وفي يوم عيدٍ لم يكتمل…
كأنك كنت على موعد مع الرحيل في لحظة صفاء،
فرُفع ذكرك كما كانت سيرتك مرفوعة.
رحلت فجأة… دون وداع،
في ثاني أيام عيد الفطر،
وكأنك أبيت إلا أن يكون رحيلك في يوم فرحٍ،
ليظل الحزن مخيماً علينا ما حيينا،
وكأنك أردت أن تُخلّد لحظة الغياب،
أن تترك لنا ذكرى لا تُنسى
رحلت بلا مقدمات، بلا وداع،
سافرت في صمتٍ مباغت،
وتركت قلوبنا ترتجف من وقع الصدمة،
وترتعش من قسوة الفقد.
يختلط في يومنا الفرح بالحزن،
والنور بالغياب،
والضحكة بالدمعة،
لتبقى لحظة رحيلك محفورة في القلب،
تُتلى كل يوم مع الدعاء، وتُسترجع مع كل تنهيدة شوق.
يا أبي، يا أستاذ يوسف الغالي،
يا من كنت لنا الأب والمعلّم،
والقدوة التي نقتدي بها، والنور الذي نهتدي به،
رحلت فجأة… ولكنك لم تغب،
فكل من عرفك يذكرك بكل خير،
يروي عنك حكايات العطاء،
ويتحدث عنك بمحبة لا توصف.
كنت منارة علم وتربية،
ربّيت أجيالاً وزرعت فيهم الأخلاق،
أحبّك الجميع… صغارًا وكبارًا،
عرفوك معلمًا لا يكل، ومربياً لا يمل،
ورجلاً من رجالات المنطقة…
رجلاً ندر مثله في هذا الزمان.
علمت لأكثر من ثلاثة عقود في مدرسة المتنبي الابتدائية
في بلدك الثاني ام الفحم
وكم كنتَ فخورًا بمنهجك القوي وعطائك اللامحدود
وبمدير مدرستك ومعلمك الاول
الاستاذ الراحل محمد طه اغبارية رحمه الله
وزملاءك واصدقاءك جميعا
وبفضلك انا أكمل مسيرتك في التربية،
سائرةً على دربك، وأنت في القلب والعقل نبراسًا يهديني.
رحمك الله يا ابي
آزرت امي السيدة الاصيلة وساندتها
في تربية عائلة كريمة،
أبناء ناجحين يحبون العلم مثلك،
الطبيب الماهر، والممرضة الرؤوفة،
والأستاذ والمعلمة المميزين
وها نحن الآن نواصل مسيرتك في نشر العلم،
ونذكرك في كل إنجاز يتحقق،
ونفخر بك في كل خطوة نخطوها.
كنت لنا السد المنيع أمام كل عاصفة، ترتطم الدنيا بنا بما فيها من هموم، لكن وجودك كان يمنحنا القوة، ويحمينا من غدر الأيام، ويعطينا الأمل في مستقبل أفضل. كنت الدرع الذي يحمي عائلتك من كل خطر، واليد التي تمسك بنا في لحظات الضياع، ولا يقدر أحد على اختراق صمودك وصلابتك. لم يكن في حياتنا مكانٌ للضعف طالما كنت موجودًا، كنت السند الذي نرتكز عليه في كل مرحلة، ورحيلك ترك لنا فراغًا لا يمكن ملؤه.
أربعون يوماً مرّت… ولا زلنا نسمع صوتك في أروقة البيت، نشتمّ عبيرك في تفاصيل الحياة، ونراك في وجوه اصدقاءك، وفي كلمات من تتلمذوا على يديك، وفي دعوات من حملوا ذكراك في قلوبهم . فأنت باقٍ فيهم، حيٌّ في ما قدّمت، خالدٌ في أثرك الطيب.
أرجو منك أن تحمل سلامي إلى من فارقونا،
اخي الغالي محمد وجدي الطيب جودات ابو غازي رحمهما الله وادخلهما فسيح جنانه،
وتؤكد لهم أننا نشتاق إليهم،
ونحن ننتظر لقاءنا في جنة الخلد،
حيث لا ألم، لا فراق، ولا حزن.
نم قرير العين يا والدي، وسيبقى الدعاء لك عامراً، والذكر طيّباً، وسنبقى أوفياء لما كنت، فخرًا بك، وامتداداً لرسالتك.
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، ووسع مدخله، واجعل فيه نورًا، واغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وارزقه الفردوس الأعلى بغير حساب، اللهم اجعل أعماله الصالحة شاهدة له لا عليه، وأسكنه فسيح جناتك، واجعلنا من أهل الدعاء له، آمين يا أرحم الراحمين.
رحمك الله يا ابي وجعل الجنة دارك، والنور مهادك، والرضوان ثوبك، وأنزل على قلوبنا السكينة حتى نلقاكم