غزّة أرضيّة (12)

علي هيبي

تاريخ النشر: 18/03/24 | 11:04

صوَرٌ وبعد

هلْ هذا
عمودٌ خشبيٌّ محروقْ
أمْ هذا طفلٌ
على عودٍ مشنوقْ
هلْ هذا
رأسُ طفلةٍ
أمْ مسكبُ دمٍ مشقوقْ
هلْ هذا وجهُ امرأةٍ
أم بركةُ وحلْ
يا أنظمةً عربيّةً
ذاتَ نظامٍ مسروقْ
لا تعطي شيئًا
ولا تزرعُ
إلّا حقولَ القحلْ
لا تنتجُ شيئًا
ولا نحصدُ منها
إلّا محاصيلَ المحلْ
يا قطعانَ المعزى
فيكُمْ تيسٌ
ولكنَّهُ تيسٌ
يخلو منْ فحلْ
يا نهرًا كذّابًا
ماتَ فيهِ الخيرُ
ونضبَ الماءُ
لأنَّهُ أصلًا ضحلْ

ثالثةُ الأثافيّ

لنْ تدخلوا رفَحْ
وحقِّ ما نزفَ من آلامِنا
وسالَ منْ دموعِنا
ومنْ دمائِنا انسفَحْ
لنْ تدخلوا رفَحْ
والكيلِ إذا طفَحْ
وجرحِنا الّذي انفتَحْ
ودمدمَ عليْكُمُ
صرصرٌ منَ الرّصاصِ
لنْ تدخلوا رفَحْ
أوْ سيقعدُ الدّستُ
على هزيمةٍ نكراءَ
كما في حانونِ الشّمالِ
كما في الوسطِ المحالِ
في ديرِ البلَحْ
كذلكَ في الجنوبِ في رفَحْ

مستشفًى عسكريّ

جاءَ العسكرُ
فمالَ كلُّ صفاءِ الألوانِ
إلى رمادِ دُكنة
وصارَتْ كلُّ مشافي غزّةَ
أسرّةً سوداءَ
ينامُ فيها الأطفالُ البيضُ
بينَ براثنِ ثُكنة
فأيُّ منامٍ في هذا اللّيلِ القارصِ
وما هيَ هذي السّكنى
هلْ أكتبُ شعرا
أمْ أعقدُ فوقَ لساني
ثقلًا أوْ أكبسَهُ
بينَ عقدةٍ ولُكنة
هلْ أسمعُ شعرا
هلْ أسمعُ نغمًا
أمْ أجعلُ في أذني وقرا
أمْ آخذُ لي من زاوية
عُزِلَتْ عنْ هذا العالمِ ركنا

الحقيقة

تخيّل ما طابَ لكَ الواقعُ
بعدَ الصّورةِ
أنْ تتخيّلْ
وتصوّرْ ما شاءَ لكَ الممكنُ
بعدَ الرّؤيةِ
أنّ تتصوّرْ
غزّةُ صارَتْ روحًا تنبضُ
وتصمدُ أمامَ جنونِ العسكرِ
عقلًا وكفاحًا
ومقاومةً
في قلبِ المحورْ

تخمةُ الجوع

الأطفالُ فوقَ التّرابْ
ينتظرونَ برغلًا
قدْ غابْ
ولفَّهُ الضّبابْ
والنّساءُ يعِدْنَ قبلَ النّومِ
واللَيلُ طويلٌ طويلْ
يطبخْنَ الماءَ الجائعَ للحبِّ
بخرافةِ الطّعامِ والشّرابْ
وصلدِ حقيقةِ الحصى
فمنْ أينَ يأتي الطّحينُ
وعمرُ بنُ الخطّابْ
أمنْ خليجِ العربِ الهادرِ
أمْ منْ محيطِهِمِ الثّائرِ
أمْ منْ مسيلمةَ الكذّابْ

حلمٌ مأساويٌّ جميل

طفلةٌ حالمةٌ صامدة
تحبُّ الحياةَ
ما استطاعَتْ إليْها سبيلا
وتحبُّ أنْ تعيشَ طويلا
وإنْ قُتلَتْ حتّى بصاروخٍ
لا تحبُّ البكاءَ عليْها
ولا تريدُ عويلا
هذهِ الطّفلةُ
على الأنقاضِ والرّكامِ قاعدة
لها أمنيةٌ كبيرةٌ
هذهِ الحالمةُ الصّامدة
أنْ تُقتَلَ كمؤودةٍ
ليسَ إرَبًا كإرَبِ الرّكامِ
وأنْ تموتَ قطعةً واحدة

النّومُ الوطنيّ

هدمْتَ منَ البيوتِ الكثيرْ
وشوّهْتَ برائحةِ الفوسفورِ
شذا النّسيمِ العليلِ
ودنّسْتَ بالبارودِ ريحَ العبيرِ
ونعومةَ ذبذباتِ الأثيرْ
حرمْتَ أطفالَ غزّةَ الأمانَ
وأهلَها فتاتَ الطّعامِ
ونغبةً منْ شرابٍ
ودفءَ المنامِ وطيبَ السّريرْ
ولكنَّ غزّةَ رغمَ أنفِ عدوانِكَ
في النّهايةِ
في غدِها المشرقِ العزيزِ المثيرْ
سوفَ تتربّعُ فوقَ عرشِها
بدثارِ حقِّها المبينِ المنيرْ
سوفَ تنامُ في مهدِها الحرِّ
وترفلُ بكرامةِ النّصرِ
في حريرِ حرّيّتِها الوطنيِّ الوثيرْ

خيبةُ الظّنّ

كانَتْ قاسيةً بيتُ حانونْ
قلبًا كانَتْ أقسى منْ صخرْ
ظنّوا أنَّ زيتونَ غزّةَ
كأيِّ زيتونْ
سهلًا للعصرْ
فكانَ عجمَ رصاصٍ
والشّجاعيّةُ بالقوّةِ والصّبرْ
كانَتْ أشجعَ ممّا ظنّوا
والرّضوانُ كالشّيخِ الآملِ
لكنّه قنصَ القرشَ
وغلبَ البحرْ
ظنّوا خانَ يونسَ خانًا
لكنَّها تمرّدَتْ
ولمْ تكنْ مربطًا لدباباتِهِمْ
وبعدَ الدّقةِ والتّكتيكْ
لم يصحُ ولمْ يصحْ
إلّا ديوكُ غزّةَ في جُحرِ الدّيكْ

التّحذير

في آخرِ تحليلٍ
منْ أخطرِ تقريرْ
سيكونُ وبالًا
سيكونُ خرابا
فإنَّ الميناءَ البحريَّ
المشبعَ بالخبزِ الجائعِ
ليسَ خيالًا
سيكونُ سرابا
ذرَّ رمادٍ في الأعينِ
ذرَّ فتاتٍ والأفواهِ
سيكونُ مثالًا حيًّا للتّجويعْ
وسيكونُ سرابَ غذاءٍ وأمانٍ
ووفقًا لأبسطِ فهمٍ للتّقريرْ
سيكونُ تمهيدَ طريقٍ
ملتفٍّ للتّهجيرْ

المستقبلُ الواعد

الحارسُ المجنونْ
يقصفُ بأعلى ما في مدافعِهِ
منْ أصواتْ
اقتلوا الأطفالَ
انبشوا قبورَ الأمواتْ
اهدموا المدارسْ
يصيحُ المجنونْ
الحارسْ
دمّروا ألعَابَ المعجونْ
وأعدّوا ما استطعْتُمْ
منْ قمراتٍ وأروقةٍ وسجونْ
ومنْ أعوادِ مشانقْ
وموانئَ مصطنعةً وزوارقْ
يقولُ الرّبّانُ المجنونْ

منَ الفجرِ إلى الفجرِ صيام

ما أجملَ في هذي الأيّامْ
أنْ يأتي صيامُ النّصرانيّةِ
على موعدِ عشقٍ
معَ صومِ الإسلامْ
في غزّةَ رغمَ البؤسِ
يأتي رمضانُ بطويلِ صيامْ
لكنَّ العربَ بما فيهِمْ
منْ جوعٍ وطنيٍّ ظلّوا نيامْ
وطالَ ما كفروا وطالَ منامْ
وفي غزّةَ كلُّ الأوقاتِ
بلا أذانٍ بلا إفطارٍ
إمساكٌ وصيامْ
يلقونَ عليْهم يا ولداهْ
طحينًا أسودَ يقتلُهُمْ
وفوسفورًا أبيضَ آهٍ آهْ
وجوعًا وأكفانًا وخيامْ
لكنَّ الأطفالَ في غزّة أبَوْا
رغمَ سوادٍ ودمارٍ وظلامْ
إلّا أنْ يشتعلوا قناديلْ
في اللّيل الدّامسْ
وأنْ ينتشروا عطرَ مناديلْ
ويغنّوا كعصافيرَ
بصوتٍ هامسْ
ويُرسَلوا كطيرِ أبابيلْ
ترمي أبرهةَ الفيلْ
وكيدَ التّجويعِ
وكيدَ التّضليلْ
في ذاكَ العامْ
ويعودُ في العامِ القادمِ
بعدَ الجوعِ وبعدَ الخوفِ
وبعدَ النّصرِ الرّمضانيِّ
منْ آلامِ النّصرانيّةِ
وآلامِ الإسلامْ
سيعودُ صيامٌ وسحورٌ
وفطورٌ وصيامْ

خلاصةٌ غزّيّةٌ أخيرة

أجملُ مدنِ العالمِ غزّةُ
رغمَ دمارِ الوحشْ
أبسلُ رجالٍ في العالمِ رجالُها
رغمَ الهمجيّةِ والخذلانِ
نساؤُها أرقُّ نساءٍ في العالمِ
رغمَ ظروفٍ قاسيةٍ
أطفالُها أرجلُ منْ كلِّ رجالِ العالمِ
رغمَ الجوعِ ورغمَ البؤسْ
أحياؤها أقوى ما في العالمِ منْ أحياءْ
رغمَ الهدمِ المتواصلِ
أنفاقُها الأشدُّ وضوحًا في السّلمِ
والأنفعُ في الحربْ
شوارعُها رغمَ الجرفِ
أنقى شوارعَ في العالمِ
مدارسُها الثّوريّةُ بعدَ الهدمِ
الأكثرُ تعليمًا منْ كلِّ مدارسِ العالمِ
طلّابُها الأكثرُ تحصيلًا علميًّا وحياتيًّا
منْ كلِّ طلّابِ العالمِ
سيكونُ قبيحًا هذا العالمُ بلا غزّة
بلا غزّةَ ما قيمةُ هذا العالمِ
ما هوَ هذا العالمُ بلا غزّةَ
أغابةٌ أمْ وكرُ ذئابْ
أمْ مزبلةٌ وبناءُ خرابْ
كيْ يحفظَ هذا العالمُ نفسَهُ
كيْ يبقى بكرامتِهِ
كيْ يحيا نساؤُهُ ورجالُهْ
كيْ ينموَ برخاءٍ أطفالُهْ
كيْ ينتشرَ صفاؤُهُ وجمالُهْ
كيْ يبقى عزيزًا بوافرِ كلِّ العزّة
لنْ يأتيَ ذلكَ إلّا منْ غزّة
ولذلكَ يجبُ كيْ لا يفنى
هذا الرّاحلُ غيرُ المغفورِ لهُ
هذا العالمُ عنْ إنسانيّتِهِ
لا بدَّ منْ أنْ تخلدَ غزّة
ليسَتْ غزّةُ عاصمةَ العالمِ
العالمُ سيتباهى كثيرًا
إنْ كانَ بعد فنائِهِ ونشورِهِ
يبغي أنِ يعتزّا
وأنْ يصبحَ عاصمةً
إذا قبلَتْ غزّة

تعليق واحد

  1. سلم قلمك أستاذ علي وسلم حسك الوطني
    من أجمل ما قرأت عن غزّة الأبية
    لكل فجر أوان
    باذن الله كالعنقاء تقوم البلاد من الثرى
    يعطيك العافية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة