إسرائيل والسعودية واحتمالات تطبيع في دوامة الحرب الباردة

جمال زحالقة

تاريخ النشر: 10/08/23 | 9:45

في مقابلة تلفزيونية، مطلع الأسبوع الحالي، أعرب بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن ثقته في تحسن في العلاقات مع السعودية، حتى لو لم يجر اتفاق تطبيع رسمي، مضيفا بأنه متفائل بإمكانية عقد صلح وسلام مع السعودية. وتناقلت وسائل الإعلام أخبارا، ليس واضحا بعد مدى صحتها ودقتها، بأن الولايات المتحدة والسعودية اتفقتا على الخطوط العريضة لاتفاق مستقبلي من شأنه أن يشمل التطبيع مع إسرائيل مقابل «تنازلات» إسرائيلية كبيرة للفلسطينيين، دون أي إشارة إلى موقف إسرائيل من هذا الكلام.
لكن، وبالرغم من نغمة التفاؤل الأمريكية والإسرائيلية، لم يصدر عن المملكة أي تصريح أو تسريب يشي بأن التطبيع وشيك، بل أن ولي العهد السعودي قد صرح بأنه لا يهرول للتطبيع مع إسرائيل، خاصة في ظل الحكومة المتطرفة. الموقف الرسمي السعودي المعلن ما زال يؤكد على الحقوق الفلسطينية وعلى استحالة السلام مع إسرائيل قبل تلبيتها. وكذلك طفت على السطح معارضة في إسرائيل وفي الولايات المتحدة لبنود الاتفاق المتوقعة، كما جرى نشرها مؤخرا، ما يزيد من تعقيد المسألة ويجعل مسألة التطبيع مستبعدة في هذه المرحلة، خاصة وأن السعودية تبدو حتى الآن متحفظة وليست على عجلة من أمرها.
وتشير أكثر التقديرات «تفاؤلا» بأن إمكانية عقد صفقة ثلاثية أمريكية سعودية إسرائيلية تحتاج الى أكثر من سنة من المفاوضات، وتخيم فوق هذه التنبؤات علامات استفهام كبيرة، خاصة وأن الحديث، إذا صح أصلا، يجري عن تفاهمات أولية بين السعودية والولايات المتحدة، قد تبقى أولية، على ما هي عليه، تبعا للسياسات الداخلية في الولايات المتحدة وإسرائيل.

الموقف الرسمي السعودي المعلن ما زال يؤكد على الحقوق الفلسطينية وعلى استحالة السلام مع إسرائيل قبل تلبيتها

الشروط السعودية

تتعامل السعودية مع الموضوع على أنه اتفاق شامل أمني واقتصادي وسياسي بينها وبين الولايات المتحدة، وعلى هامشه تبدي استعدادا للتطبيع مع إسرائيل، إذا حصلت على كل ما تريده من الأمريكان. القيادة السعودية وضعت شروطا من الوزن الثقيل وتفاوض عليها بشراسة، وأوضحت بأنها صفقة كاملة ومترابطة، إذا سقط أحد بنودها سقطت كلها. ويبدو من التسريبات الصادرة عن لقاءات أمريكية سعودية، أن السعودية ليست مستعدة لقبول المطالب الأمريكية بشأن تقليص العلاقة بالصين وخفض سعر النفط والتطبيع مع إسرائيل، سوى في إطار صفقة واسعة تضمن أمنها ومكانتها ومصالحها الاستراتيجية، كما تراها قيادة المملكة. وتتضمن الشروط السعودية:
1- عقد معاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، تضمن أمن المملكة في حال تعرضت لاعتداء، على غرار الالتزامات في حلف الناتو. ولم تعقد أمريكا مثل هذه المعاهدة (خارج الناتو) سوى مع اليابان عام 1960، ومع كوريا الجنوبية عام 1953. ويحتاج مثل هذا الاتفاق إلى مصادقة مجلسي الشيوخ والنواب، وهذا غير متوفر حاليا، وتعول إدارة بايدن على عون إسرائيلي، تبعا للتطبيع، لإقناع الجمهوريين بدعمه إذا جرى التوصل إليه. ومن العوائق الأخرى أمام هذا المطلب أن دولا كثيرة ستطلب مثله ومنها إسرائيل والإمارات. ويبدو أن إسرائيل تدعم هذا المطلب السعودي تحديدا، حيث نشر وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، هذا الأسبوع، مقالا في صحيفة «وول ستريت جورنال»، دعا فيه الولايات المتحدة إلى الأخذ بالنموذج الكوري وبسط الحماية الدفاعية على دول الخليج كلها، مضيفا أن السعودية عندها لن تكون بحاجة إلى «النووي»، كما أن كوريا الجنوبية لا تسعى لتطوير أسلحة نووية ردا على كوريا الشمالية، لأنها تحظى بحماية أمريكية ملزمة.
2- السعودية تريد موافقة أمريكية على إنشاء مفاعلات نووية لأغراض سلمية، يتم فيها تخصيب المواد المشعة. وتخشى إسرائيل والولايات المتحدة أن يؤدي ذلك إلى تسريع السباق النووي في المنطقة ليشمل مصر وتركيا والإمارات وربما غيرها. كما تخشى إسرائيل أن يدفع ذلك إيران الى الإسراع في إنتاج سلاح نووي، ما قد يدفع السعودية الى الرد بمشروع سلاح نووي من عندها، خاصة وأن ولي العهد محمد بن سلمان صرح سابقا بأن السعودية ستمتلك سلاحا نوويا إذا قامت إيران بتصنيعه. كما جرى الحديث، في إسرائيل والولايات المتحدة، عن خطر ربط مستقبلي بين المشروع النووي السلمي السعودي والمشروع النووي العسكري الباكستاني. ويلقى مقترح مفاعل نووي سعودي لتخصيب اليورانيوم معارضة شديدة في بعض أوساط المؤسسة العسكرية والأمنية في إسرائيل. ودعا بعضهم الى التنازل عن التطبيع مع السعودية إذا كان الثمن «نوويا سعوديا». ولكن أوساطا أمنية إسرائيلية أخرى، تطرح حلولا مبتكرة مثل إنشاء شركة أمريكية – سعودية، تقوم بمشروع نووي على أرض السعودية بشراكة ورقابة كاملة وقريبة من الولايات المتحدة.
3- تشترط السعودية قبولها للمطالب الأمريكية بشأن الصين وإسرائيل والنفط، بأن تزودها الولايات المتحدة بأسلحة قتالية حديثة ومتطورة، بالأخص في مجال مضادات الصواريخ والمقاتلات الجوية مثل طائرة الشبح إ.ف. 35. وتعكف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، هذه الأيام، على إعداد موقف تفصيلي من هذه المسألة، يشمل ما أسمته مخاطر حصول السعودية على سلاح أكثر تطورا. وقد دعا عدد من الخبراء العسكريين، إلى تجهيز قائمة مطالب من الولايات المتحدة، في مقدمتها أن تحصل إسرائيل على مرتبة بريطانيا في مجال الحصول على أسلحة متطورة جدا، وكذلك ضمان التفوق الإسرائيلي عبر «تعويض» الجيش الإسرائيلي بتزويده بكميات كبيرة من الأسلحة والمعدات، لتجاوز التسلح السعودي.
4- يستدل من تصريحات رسمية لمسؤولين سعوديين أن المملكة تتمسك بمبادرة السلام العربية، التي بادرت هي إليها. ولكن وسائل الإعلام تناقلت تسريبات بأن المطالب السعودية بهذا الشأن هي أقل من ذلك وتشمل وقف الاستيطان والالتزام مبدئيا بإقامة دولة فلسطينية وتقديم تسهيلات وازنة للفلسطينيين. وفي تصريحات، مجهولة السبب والدافع، سخر نتنياهو من جدية السعودية بشأن القضية الفلسطينية وقال في تصريح، مطلع هذا الأسبوع، لوكالة «بلومبيرغ» بأن السعوديين ليسوا قلقين بما سيحصل عليه الفلسطينيون من الاتفاق المحتمل، وأضاف: «اعتقد أنه يتم طرح المسألة الفلسطينية كنوع من خانة الاختيار وعليك أن تضع علامة لتقول إنك تفعل ذلك»، أي مجرد رفع عتب على حد تعبيره. وأمعن نتنياهو في وقاحته تجاه القيادة السعودية قائلا بأن ما يحدث في الاجتماعات المغلقة (في الشأن الفلسطيني) أقل بكثير مما ينشر في الملأ. للأسف لم نسمع حتى الآن ردا سعوديا على صلف واستفزاز رأس هرم السلطة في إسرائيل. ربما لأن السعودية غير معنية أصلا بالدخول في نقاش حول شروطها «الفلسطينية»، قبل أن تحصل على بقية مطالبها، لأن الموضوع غير مطروح أصلا، إلا بعد تلبية هذه المطالب.

الموقف الأمريكي

حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية هي محاصرة التمدد الصيني، والحد من قدرة العملاق الآسيوي على منافسة الولايات المتحدة. وقد جنون الولايات المتحدة، بعد قيام القيادة السعودية بالابتعاد عنها أكثر فأكثر والاقتراب من الصين بخطوات متسارعة. وقال الخبير الصيني «بان غوانغ» لصحيفة «ساوث تشاينا مورننغ بوست»، الأربعاء 9.8، بأن «علاقات السعودية مع الصين آخذه في الارتفاع والعلاقات مع الولايات المتحدة في تراجع». وتعتبر الإدارة الأمريكية ما يحدث على خط بكين – الرياض، ليس مجرد ارتفاع، بل انفلات خطير يضر بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية. وعليه جاء التحرك الأمريكي الأخير والزيارات المتكررة لوزير الخارجية، انتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي، جاك ساليفان، ومسؤولين أمريكيين آخرين للسعودية، كمحاولة لإعادة الدفء لمحور واشنطن – الرياض، ولضمان بقاء العلاقات الصينية – السعودية ضمن الحدود التي «تسمح» بها الولايات المتحدة. هذا هو الاعتبار الأمريكي المركزي، أما الاعتبار الثانوي فهو رغبة الرئيس الأمريكي، جو بايدين، بتحقيق إنجاز ما في السياسة الخارجية.
الحسابات الأمريكية أصبحت واضحة، فالرئيس لن يستطيع تمرير اتفاق مع السعودية في الكونغرس بلا دعم الجمهوريين، وهؤلاء قد يقنعهم نتنياهو، ومن هذا الشق تحديدا أصبح التطبيع مركبا مهما في الصفقة مع السعودية. كما أن التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي متحفظ جدا من الحكومة السعودية بسبب ملفات حقوق الإنسان، ويعتقد بايدن بأنه بالإمكان إقناعهم بتغيير موقفهم إذا شملت الصفقة وقف الاستيطان وتجميد التغييرات على جهاز القضاء في إسرائيل، كما تطلب الإدارة من نتنياهو. كل هذا يضاف، طبعا، إلى أن بايدن صهيوني حتى النخاع ويرغب في تسجيل إنجاز وفي إنقاذ إسرائيل من نفسها.
المبدأ الناظم للسياسة الأمريكية الكونية هو الحرب الباردة مع الصين، التي بدأت تسخن أكثر فأكثر. ومنها تشتق بقية التوجهات، بما فيها حتى العلاقات الاستراتيجية بحلفائها في المنطقة. وبما أن الصين تضع على الطاولة قدراتها الاقتصادية الضخمة، تلجأ الولايات المتحدة إلى طرح قوتها العسكرية لضمان المحافظة على نفوذها، ولديها قواعد عسكرية كبيرة في المنطقة، وهي المزود الأول بالأسلحة الثقيلة، ولا أحد غيرها (سوى روسيا في سوريا) لديه حضور عسكري وازن. هناك من يعتقد بأن الحرب الباردة الصينية الأمريكية هي لعنة على المنطقة، وهناك من يرى فيها فرصة يمكن استغلالها. وبين هذا وذاك، فإن المحصلة تتعلق بالذات العربية الفاعلة، فإن هي بقيت على تقاعسها خسرت، وإن هي تحركت بحكمة وشجاعة كسبت.
كاتب وباحث فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة