صبحي سرحان: قراءة في رواية الكاتبة صباح بشير “رحلة الى ذات امرأة”
تاريخ النشر: 10/06/23 | 10:36 أحداث الرواية:
الرواية تحكي قصة امرأة جار عليها الزمن واسمها(حنان)، وهي بطلة الرواية التي سكنت في القدس في وادي الجوز، والدها انسان مثقف، واعٍ، ومنفتح، أما والدتها فهي امرأة تقليدية محافظة، ترعى تقاليد المجتمع المحافظ الذي ورث التقاليد والعادات والافكار اباً عن جد، عاشت أحداث الانتفاضة الأولى التي وقفت حاجزا امام استكمال دراستها الجامعية، أحبت (خالد) الذي لم تسعفه الأيام طويلا لتنمو علاقة الحب بينهما حيث اغتالته يد المنون واستشهد في الانتفاضة.
ولسوء حظ (حنان) انها ارتبطت مع (عمر) الانسان الرجعي البسيط الذي يسمع لكلام امه مطيعا بلا تفكير ولا حول له ولا قوة، وعندما وقفت حنان على ذلك حاولت فسخ الخطبة ولم تنجح بسبب ضغوطات امها التي حالت دون ذلك (طبعا احتراما للأعراف والتقاليد) فتزوجته مرغمة، وكم كانت صدمتها قوية في الليلة الاولى التي جمعتها به، فقد كان كالوحش الكاسر المفترس لا يراعي شعور فتاة تنكشف عليه لأول مرة.
وبعد ولادة ابنتها (شروق) ومعاناتها في بيت زوجها قررت الطلاق رغبةََ منها، وقد لاحقتها مراقبة الناس والكلام الذي يجري على لسان الناس في مثل هذا المجتمع على المرأة المطلقة.
وقد قاست الامرين بعد الطلاق وشعرت بالوحدة والغربة فتشت عن عالم آخر ربما تجد الراحة فيه، فسافرت الى باريس والتقت مع صديقتها العزيزة والامينة (ماري) المسيحية، وهناك عملت في الصحافة، حيث تعرفت على صحافي أنيق احبته وأحبها وتزوجها بعد موافقة اهلها والعائلة، ولكن هذه السعادة التي ملأت قلبها بهذا الزواج الناجح، نسبة لزواجها من (عمر) لم يطل عمره فقد اكتشفت ان زوجها ( نادر) خسر كل ثرواته في لعب الميسر والقمار، والذي اخفاه عنها، وحيث أنه دخل هذا المجال فقد وصلته يد الغدر من رجال العصابات فقتلته، فلم يبق أمام (حنان) الا الرجوع الى بيت والديها مكسورة الجناح..
إنها رواية اجتماعية كتبت بلغة سهلة جذابة تأسر القارئ للاستمرار في القراءة بسبب عنصر التشويق وحب الاستطلاع.
الشخصيات في الرواية:
– حنان بطلة الرواية، إنسانة جميلة، تأسر القلوب.
– غادة أخت حنان، وهي أصغر منها لكنها سمينة وغير جذابة، فتغار من حنان غيرة عمياء لدرجة الكراهية فتحيك الحيل للإيقاع بها.
– ماري جارة حنان وصديقتها الحميمة حافظة لسرها وهي مسيحية، والمقصود هنا اظهار التآخي المسلم المسيحي في الديار الفلسطينية.
– عمر زوج حنان الاول، شاب رجعي جاهل تقليدي، قراراته بيد أمه، يستعمل العنف والضرب مع زوجته، وليس له حول ولا قوة امام والدته.
– نادر زوج حنان الثاني، رجل أعمال انيق، ولكنه مدمن للعب القمار الذي زجه في الافلاس وطورد من عصابات القمار وقتل..
– أم عمر واخته، نساء رجعيات كل همهن نشر الاكاذيب عن حنان واشاعة التهم بأخلاقها وأنها خائنة لزوجها..
– شروق ابنة حنان، الوحيدة التي هاجرت الى اميركا وتعلمت وتزوجت هناك..
– خالد، الشاب الأنيق الذي أحبته حنان، لكنه استشهد قبل نمو هذا الحب.
– أسماء المطلقة التي كانت حديث الحارة، فقام والدها بحرقها حفاظاً على شرف العائلة. (موجع، محبط، مؤلم، ومؤسف).
الزمان والمكان:
المكان وادي الجوز في القدس الشريف، والزمان زمن الانتفاضة الاولى.
هذه الرواية أقرب الى السيرة الذاتية، ولكنها ليست سيرة ذاتية على الرغم من كتابتها بضمير المتكلم (الأنا).
المواضيع التي تعالجها الرواية:
– الذكورية المقيتة التي تفرض على المرأة الطاعة والخنوع وخنق الحريات. (عمر زوج حنان)
– الغيرة والكراهية بين الاخوة كما شاهدنا من تصرفات (غادة).
– التآخي الفلسطيني بين الإسلام والمسيحية، أبناء الوجع الواحد والوطن الواحد (حنان، ماري).
– الخوف من العنوسة وستر العرض فتزويج البنت في جيل مبكر هو الحل (عقربتين في الحيط ولا بنتين في البيت).
– الزواج التقليدي، فالأم هي من تختار العروس وتفرض رأيها على ولدها (أم عمر).
– الخوف من العادات والتقاليد الاجتماعية ومراعاتها (أم حنان رفضت فسخ الخطبة خوفا من كلام الناس ).
– الصراع بين الجهل والعلم، فالجاهل يكره المتعلمين ويعاديهم (عمر يحتقر المتعلمين ويمزق كتب حنان زوجته).
– تفضيل الذكور على الاناث، فالزوجة التي تلد الإناث لا تستحق الاحترام (شجرة بلا ثمرة قطعها حلال).
– المطلقة في نظر المجتمع إنسانة فاشلة، تحاك حولها الدعايات والاكاذيب، ويرمونها بعرضها وشرفها وسمعتها (أسماء التي راحت ضحية المجتمع وحرقها والدها).
– في الزواج التقليدي تعطي والدها القرار (حنان تقول لوالدها لك الرأي).
الرمزية في الرواية:
– الانسان الفلسطيني الذي يشعر بالغربة حتى في وطنه، وعودة الجريح للوطن مهما طال الغياب (حنان تعود الى بيت والديها من الغربة).
– الكاتبة صباح بشير كاتبة جريئة عملت في الصحافة داخل الوطن وخارجه، متمردة على التقاليد والعادات المقيتة البالية والتي لا زالت تنخر في عظام امتنا حتى يومنا هذا على الرغم من محاولة التحرر، ولكن هذا سيأخذ منا وقتا طويلا. ”
– “ايها الفلسطيني، تعال وانزع غربتك الملطخة بأوجاع الحياة، تأكد من نبضات مدينتك ولا تغادرها، فهي تتألم بصمت، وتشعر بفقدان ابنائها كلما طال غيابهم عنها”(ص٢٧٠).
– الجهل المغلف بالقداسة والذكورية والعادات السيئة البائسة هو أقسى أنواع العقاب، فلا أسوأ من جاهل يجهل انه جاهل.
وبعد.. جمعت الرواية كل العناصر الروائية، من شخصيات الرواية، موضوع الرواية، الزمان والمكان، الحبكة او العقدة، والحوار، وهي رواية اجتماعية تحاكي الواقع.