الوطن والمرأة في كتاب ” رسائل من القدس وإليها”
سهيل عيساوي
تاريخ النشر: 27/04/23 | 12:27صدر عام 2022 عن مكتبة كل شيء في حيفا كتاب “رسائل من القدس وإليها” للكاتبين جميل السلحوت وصباح بشير، ويقع في 182 صفحة من الحجم المتوسط، وصمم الغلاف شربل إلياس.
أدب الرسائل ، من أجمل أنواع الأدب، بسبب اعتماده على العفوية والصدق، والفعل والرد الفعل، كما انه يعرض لنا الكاتب بلا رتوش وبلا أقنعة، يكشف قناعات وثقافة الكاتب، وموقفه الشخصي كإنسان وكاتب من عدة قضايا انسانية وإجتماعية، واقتصادية وسياسية.
من خلال هذه الجولة في عتبات الرسائل نطلع على موقف الكاتبين من المرأة
والوطن. كتب الكاتب جميل السلحوت ص 7 ” فنساء بلدتي كثيرات وفاضلات ومن مختلف الأعمار، لكن ما أثلج صدري أن تنبغ كاتبة أديبة من بلدتنا، فهذا شرف لأسرتك ….فزوجتي حليمة جوهر قد سبقتك إلى عالم الأدب والثقافة ” كانت زوجة الكاتب تنشر تحت أسماء مستعارة، لكن عندما تزوجها عام 1981 شجعها أن تنشر باسمها الحقيقي. أمّا الكاتبة صباح بشير فتشير أنها ” أنشطُ في الدفاع عن حقوق المرأة، وكتاباتي تناقش االقضايا الاجتماعية والانسانية . تهدف المؤسسة التي أعمل فيها الى تفعيل دور المرأة ” ص 11 كما أنها تؤكد أنها لم تكتب باسم مستعار ” لكني لم أنشر باسم مستعار فوالدي شجعني على الكتابة حينها ” ص 11 . في نفس الرسالة والصفحة تسأل “، هل كتبت يوما للمرأة أو لها ” فالكاتبة صباح بشير لم تكن قد قرأت للكاتب جميل السلحوت ولا تعرف طبيعة أفكاره ونظرته المرأة، فكان بالنسبة لها من المهم التأكد من موقفه من المرأة وهي في الرسائل الأولى أي قبل أن تسترسل في العلاقة الأدبية معه، وفي نفس الصفحة تشكو له من موقف الصحافة والمجتمع من المرأة “، من خلال المجلة التي أكتب فيها أحاول التغيير في طريقة تمثيل المرأة في الإعلام، أجتهد في محاربة تلك الصورة النمطية للمرأة في إعلامنا الذي يفتقر إلى تغطية مشاركة المرأة في المجال الفكري الثقافي والإبداعي ويتجاهل قضاياها الهامة، مثل تدني الأجور وحقوقها الاقتصادية، واستبعادها من عملية صنع القرار، كما يتجاهل مناقشة القوانين التمييزية ضدها، قضايا التحرش في العمل وجرائم القتل على خلفية ما يسمى “شرف العائلة” ص11-12هنا في هذه الرسالة من عام 2010، نلاحظ أن الكاتبة صباح بلورت موقفها من الغبن والظلم التي تتعرض له المرأة العربية في عدة قضايا، وتعاتب وسائل الإعلام التي تتجاهل قضايا النساء وظلمهن. وهي بحكم عملها في جمعيات ومؤسسات تعنى بقضايا المرأة. أمّا الكاتب جميل السلحوت ، فقد التقط سؤالها حول كتاباته حول المرأة ” فقد انتبهت لذكورية مجتمعاتنا العربية وأنا في سن مبكرة، وأتعاطف بشكل جارف مع قضايا وحقوق المرأة، فلا تستغربي ذلك فأنا ابن امرأة وزوج امرأة وشقيق تسع نساء، ووالد بنتين، وخالاتي خمسة ولا عمّات لي ” ص 14، ثم يشرح لنا الظلم الذي تعرضت له والدته وبنات جيلها، وخاصة الزواج المبكر وعدم ابداء الفتاة رأيها في زواجها، يشرح رد والده على الجاهة التي طلبت أخذ رأي الفتاة فرد والده ” لا رأي لزوجتي وابنتي في هكذا أمر! اذا رفضت بنتي من أرتضيه زوجا لها سأشيل رأسها عن جسدها بالسيف ” ص14. إشارة الى الظلم وعدم احترام رأي الفتاة في أهم قرار في حياتها. بينما الكاتب يختلف عن والده وعن الجيل السابق فقد شجع زوجته على اتمام تعليمها الجامعي، رغم معارضة أخيها ووالده، كذلك علم بناته أيضا، وكتب عام 1978 كتاب “شيء من الصراع الطبقي في الحكاية الفلسطينية”، عن الحكايات الشعبية التي تشيطن المرأة، كذلك في رواية ” ظلام النهار ” 2010، تمحورت حول المرأة، التخلف والجهل، لكنه يعد في روايته القادمة أن ينصف المرأة دون تصنع، ثم كانه يخرج عن النص ويكتب ” لاحظت أن المرأة تعادي المرأة أي تعادي نفسها، فعدا أنها تميز بين أبنائها الذكور وبناتها الإناث، وتغرس في أبنائها التربية الذكورية … المرأة تكيد الدسائس لبنات جنسها، ونسبة كبيرة من النساء المتعلمات والمثقفات لسن بريئات من هذه التهمة “ ص16 وهو يتفق مع الكاتبة صباح أن أجور النساء متدنية، وهذا ظلم، وهنا يتفق مع طرح الكاتبة صباح في رسالة سابقة، نلاحظ ان الكاتب جميل يحمل المرأة جزءا من الظلم التي تتعرض له من خلال تربيتها لأبنائها الذكور، كما انه لم يتطرق لموضوع ” القتل على خلفية شرف العائلة”. الكاتبة الكاتبة صباح بشير سرّت جدا من موقف الكاتب من قضايا المرأة وتحرره من النظام الأبوي البائد ص18. وعبرت عن
نفورها من الزمن البائد الذي ظلم المرأة” أحمد الله أنني لم أخلق ولم أعش في ذلك الزمن الغابر الذي تحدثت عنه ” ص 18. الكاتبة صباح بشير لا تريد أن تلقي جزءا من اللوم على المرأة بل على الرجل ” بسبب تلك الثقافة الذكورية البالية، تتأخر المرأة وتمنع من تسجيل تفوقها على لوحة الأنجازات، فالمرأة الأمّ التي تربي إبنتها على الطاعة العمياء لذكور الأسرة والعائلة، وخدمتهم هي ذات المرأة التي تقول لابنها ” جدع سبع خليك رجل ” فكيف تتوقع منها ان تشجع وتفرح لنبوغ إمرأة أخرى قيادية ناجحة ” ص22، ثم يخلص الكاتب جميل السلحوت ” على النساء أن يعلمن أن الحرية تؤخذ ولا تعطى، ولا يفهم أن الحرية مطلقة مع الانتباه للفوارق الثقافية بين الشعوب والأمم … مع التنبيه الى وجود من يضطهدون المرأة متلفعين بعباءة الدين ” ص 25، ص 33 رسالة من اواخر سنة 2010، تعلمنا الكاتبة صباح بشير عن نيتها في الهجرة الى دولة الإمارات العربية، لا تكشف لنا صراحة عن الأسباب الحقيقية وراء هذا التحول، لكنها كتبت بعض الرموز ” فالظروف في الوطن لا تساعد الفرد على تحقيق ذاته، بل تدفع به ليغطس في يأس وانشطار بين أهله وذويه ” ص 33. لكن الجميل هنا رغم هجرة الكاتبة صباح بشير الى دولة الإمارات، تاركة القدس خلفها، لكن رابضة في قلبها، حافظت على أدب الرسائل مع الكاتب جميل السلحوت، كذلك هو بالرغم من سفره الطويل والمتكرر الى دول العالم العربية والأجنبية حافظ أيضا على التواصل مع الكاتبة، وطرح العديد من القصايا الأدبية والانسانية والسياسية بشفافية ووضوح.
في الرسائل المتقدمة تخف حدة موضوع حقوق النساء، تتحدث الرسائل أكثر عن رحلات الكاتبين هي للإمارات وهو للولايات المتحدة، ويتبادلان المعلومات والمواقف والمشاعر ولحظات السعادة والانطباعات من الزيارات، لكن الكاتب جميل السلحوت يذكر لنا انه اصدر عام2017، رواية عذارى في وجه العاصفة، ” هي رواية تتحدث عن المآسي التي لحقت بآلاف النساء الفلسطينيات في النكبة عام 1948، ولم ينتبه لهن أحد، فجزء منهن لجأن إلى قطر عربي مجاور في حين بقي خطّابهن في الوطن، أو العكس ، فتزوج الخطّاب من غيرهن في حين بقيت المخطوبات ينتظرن العودة، وأفنين أعمارهن عوانس ” ص66. الكاتب جميل السلحوت هنا أثار أحد المواضيع الإنسانية الهامة والمؤلمة على هامش النكبة.
الكاتبة صباح بشير تعترف أن الوطن يسكنها وتسكنه رغم الانغماس في العمل في غربتها ” بعد أن غادرت الوطن تركت فيه جزءا من روحي، العائلة والأحبة هذا البعد يبث في نفسي الشوق والحزن، فالانسان يظل ناقصا دون الوطن منتظرا عودته اليه، أفتراش أرضه والتحف سماءه ليزهر قلبه، ليزهر قلبه من جديد ويرتوي من فيض نوره، ولتعلم يا صديقي فأنا أعتز بما تكتبه لي، فرسائلك تحمل بين سطورها عبق الوطن وحكايات صادقة ” ص 68. أمّا الكاتب السلحوت فهو يعتبر الاستعمار الفرنسي والانجليزي سببا في الكوارث التي حلت وتحل بالعالم العربي، بسبب تقسيم الأمة العربية الى دويلات ص73، ص 149 يقول الكاتب جميل السلحوت:” أنا من المؤمنين بقداسة قدسنا وقداسة أكنافها التي تطول بلاد الشام كاملة ،بلادنا كما تعلمين ويعلم الجميع مهد الديانات السماوية وموقعها يتوسط العالم، وفيها خيرات كثيرة تتوزع على فصول السنة ” ص149، ثم يتحدث عن التآخي الإسلامي والمسيحي، ” فبلادنا بلاد التعددية الثقافية، إذن فقدسنا كما بقية مدننا تتجاور فيها المساجد والكنائس وينطلق فيه الأذان من المآذن وتقرع فيها أجراس أبراج الكنائس، وهذا التآخي، بين أتباع الديانات من أبناء الشعب الواحد شهادة على حضارة هذا الشعب، الذي هو جزء أصيل من الأمة العربية “ص 150، أمّا الكاتبة صباح فقد كتبت ” ببساطة القول في كل مرة أزورها اكتشف أني مازلت أقيم فيها ولم أغادر، فحين التقيتها يكاد قلبي يترجل من صدري ويقفز؛ ليدوس ترابها، وروحي ترفرف من حولي مسرعة لتعانق فضاءها؛ تأخذني الرهبة أمام هيبتها وتلامس حواسي رائحتها، وأمام أسوارها العتيقة تلك القابعة الثابتة في قلب التاريخ، وتهدأ روحي وأسكن كطفل غفا في حضن أمّه ص153.
نلاحظ ان الكاتبة صباح بشير تطلق العنان لقلمها وقلبها لحب القدس بأسلوب شعري رائع، يشار الى ان الكاتب جميل السلحوت قد قال لها بأن لا مثيل للقدس بين كل المدن ومن الصعب عليها الابتعاد عنها، وحتما انها سوف تعود اليكم فيها وفعلا عادت الكاتبة ثانية الى القدس بعد ترحال وهجرة طويلة .
خلاصة من خلال هذه القراءة لكتاب رسائل من القدس وإليها، قمت باستعراض موقف كل من الكاتب جميل السلحوت والكاتبة صباح بشير، من قضايا المرأة، حيث اتفق الكاتبان منذ بداية الرسائل على ان المرأة العربية تعرضت وتتعرض للظلم من قبل المجتمع، وحاول الكاتبان معالجة هذا الملف الشائك من خلال العمل والقلم. حاول الكاتب جميل السلحوت من خلال رواياته وان يكون نموذجا شخصيا لدعم زوجته وبناته ومن خلال رواياته المدافعة عن المرأة، أمّا الكاتبة صباح بشير فقد حاولت من خلال من خلال عملها في مؤسسات داعمة للمرأة ووسائل اعلام وصحافة، وأخيرا من خلال روايتها الجديدة الصادرة حديثا، اعتقد من خلال موقف الكاتب جميل السلحوت اتجاه المرأة، أطال عمر الرسائل وعمل على بناء لبنة الصادقة الدائمة بين الكاتبين، أمّا موضوع الوطن ايضا فقد اتفق الكاتبان على حب الوطن عامة والقدس خاصة، وان كان الوطن عند صباح بشير اختصر بالقدس وحبها وقدسيتها والشوق اليها، وهي كما كتبت تتجنب الخوض بالسياسة وتقتصر كتاباتها عن مواضيع أدبية واجتماعية ، لكنها استجمعت قوتها وكتبت عن الوطن وحبها للقدس، أما الكاتب جميل السلحوت فيعتبر الوطن كل الوطن العربي، يحبه ويغار عليه من الطامعين الأجانب ومن أبناء الوطن ، يحب فلسطين والقدس والشام وتونس، رغم انه زار اوروبا والولايات المتحدة لكنه ينتقد العالم الغربي ويحمله وزر التخلف والحروب في العالم العربي، وخاصة الاستعمار الفرنسي والانجليزي واتفاقية سايس بيكو، التي قطعت وقسمت الأمة العربية. يمكن اعتبار كتاب رسائل من القدس وإليها ، كتابا ناجحا ضمن أدب الرسائل. بسب امتداده لأكثر من 11سنة وما تضمنه من صراحة، وطرح قضايا جدية مثل المرأة والسياسة والابداع، والوطن ، الثقافة ، الرحلات ، القدس ، وعبر كل كاتب عن قناعته وثقافته ، وتطلعاته وانطباعاته بأسلوب جميل ابداعي ينم عن ثقافته الابداعية خلال هذه الرسائل الهامة. فقد توقع الكاتب جميل السلحوت للكاتبة صباح بشير النجاح في عالم الكتابة والابداع، وخاصة الرواية وهذا ما حدث بعد عام واحد فقد حلقت بعيدا في عالم الأدب والنقد والرواية واصدرت روايتها ” رحلة إلى ذات امرأة.”
لا بدّ من الاشارة الى أن أدب الرسائل يثري المشهد الأدبي من كتب الرسائل ؛ رسائل جبران خليل جبران إلى مي زيادة ، رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان ، شطري البرتقالة ، رسائل بين سميح القاسم ومحمود دوريش ، أتخلدني نوارس دهشتك ، رسائل بين وهيب نديم وهبة وآمال عواد ، وطن على شراع الذاكرة ، رسائل بين روز اليوسف شعبان وعمر صبري كتمتو.