ألفيّة قصة قصيرة من المجموعة القصصيّة “غيبة الغنمة” للدكتور محمد حمد

خالديه أبو جبل

تاريخ النشر: 25/02/23 | 9:13

ألفيّة
قصة قصيرة من المجموعة القصصيّة
“غيبة الغنمة”
للدكتور محمد حمد
محاضر في اللغة العربية
في كلية القاسمي، باقة الغربية

قد يُحيل العنوان ألفية بالمتلقي لربط ذهنه بالرقم الف، وهو العدد الذي ذكر في القرآن الكريم في مواقع عدة، ” ألف سنة الا خمسين عاما” ١٤ العنكبوت، ” وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون “الحج ٤٧، وفي سورة السجدة الأية الخامسة
” ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره ألف سنة ممّا تعدون”
إذن فالرقم ألف قريب من السمع والقلب والفكر،
وقد أخذ حيزًا كبيرا من موروثنا الشعبي الذي يرجع لقصص ألف ليلة وليلة.
ولا يتركنا المؤلف في تساؤلنا طويلا حتى تأتي أولى عبارته مطابقة لنهج حكايات ألف ليلة وليلة،
“بلغني أيها الملك السعيد…” وها نحن نرى المؤلف

وقد زاد قصة من بنات خياله لتكون تتمة لقصص شهريار وشهرزاد،
منذ البداية يقرر المؤلف أن يستقطب كلّ الأبعاد النفسية للمتلقي بمشهد سردي، يعي ما يترتب عليه
من إثارة لتساؤلات وفضول، ووضع المتلقي في حالة
تحدٍّ وعصف ذهني ، لمعرفة الرسالة او الأسباب التي دعته لتأليف هذه القصة ، التي قلبت موازين القصة الأصلية لشهريار وشهرزاد، فما يُذكر هنا أن ملكة ساحرة الجمال، هي من تتزوج في كلّ ليلة رجلا ،
وفي الصباح يجده الناس مقتولا خارج بابها.!!
حقًّا أننا أمام مقدمة مستفزة تلاها نصٌ فيه الكثير
من الغموض.
لكن لو رجعنا لاول كلمة في المقدمة ” بلغني” أي أن المتحدثة شهرزاد ، وهو ما يتفق مع نهاية القصة-
لاكتشفنا أن القصة هي من تأليفها وأنها بمثل هذه القصة التي ترويها للملك ، تنتقم لبنات جنسها
اللواتي لقوا حتفهن على يد الملك،
وأنها تُخبر الملك بشكل غير مباشر أن المرأة أيضا
تستطيع القتل واللعب بمصير الرجال، لكن أي امرأة
تلك التي تستطيع؟!

لذا اختارت لقصتها امرأة قوية ذات نفوذ توازي الملك في سلطته ونفوذه ، فكانت ملكة ، هي من تختار الرجل الذي تريد فيأتيها مرغمًا لا مغرمًا،
وفي متابعتنا لسردها للقصة نرى هيمنة العنصر الذكوري جليًّا، وهي التي تحاول ان تحطم الأغلال!
فهي تخاطب ملكًا، وفي سرديتها كانت الملكة وحيدة تجابه السلطة البايطركية، ممثلة بالكاهن
ومولانا أبو العينين،
وبهذا تكون الساردة ( شهرزاد) ومن خلفها د.محمد حمد، تحاول انتقاد السلطات الدينية والرسمية
على تحركهم السريع إزاء قتل الرجال بيد امرأة حتى لو كانت ملكة، في حين لم يحرك أحدا ساكنا إزاء
قتل النساء.
وهنا يظهر موقف الكاتب من قضية أشغلت بال
المجتمع في عصرنا الذي نسميه ” حضاريًا”
وهو تكرار جرائم قتل النساء على يد أحد افراد العائلة. وقد كتب قصته هذه بداية الألفية الثالثة
تيمنا بأن تغييرا قد يحدث في مجتمع أسهل ما يكون لديه قتل امرأة…
ذهبت الساردة بخيالها ، وهو ما تصبو إليه،
وأعطت الملكة دورًا آخر ا هاما، حين ذكرت

“وبعد أن دخلت به” أي زوجها، وكأنها تقلب
الموازين رأسًا على عقب ، فيكون الرجل هو المطالب
بالحفاظ على عذريته حتى الزواج..
وتُفيد بتسليم دفة القّوامة ليد المرأة ، خلافا
للرأي الديني والاحتماعي ” الرجال قوامون على النساء، ……. ”
لكن ومع متابعة سير القصة ، حيث نشاهد الملكة وقد تسربلت عتمة الليل وسواد الثوب ، تخرج من الباب الخلفي للقصر متجهة نحو المقبرة، يتبعها
الكاهن الذي قرر مراقبتها لاكتشاف سرّها،
فإذا بها تجلس باكية على حجر قرب ضريح ” مولانا أبو العينين” وما هي الا لحظات حتى انشق القبر
ليخرج منه أبو العينين ويضع يده بيد الملكة يتمتم
ببعض كلمات لا تصل الى سمع الكاهن، لكن الرد على هذه الكلمات ، جاء أسئلة من الملكة، أسئلة تُخفي
أكثر مما تبدي معنى ومضمونا، أسئلة تحمل في باطنها الاستغراب أكثر من الاستفهام،
“وهي تسأل: ألا يكفي؟!
وكأنه يجيبها : لا
لتتبع سؤالها بآخر
– ما حاجتك لكلّ هذه الليالي؟

وكأنه يُجيب: غدًا ستعلمين
– لكنّ غدا لناظره بعيد!
تستوقفني هذه الفقرة كثيرا واتساءل : ترى ما الذي اراده الكاتب من وجود شخصية مولانا أبو العينين؟
فحيث وجود الكاهن يعني الجهة الرسميّة والتشريعية للاديان ، فمولانا باسمه أبو العينين
وبسكناه المقابر، يُمثل السلطة النفسية الشائعة في كلّ الديانات وحتى الغير سماوية منها، شخصيّة الولي الذي تُقدم له القرابين ويقوم هو بالمقابل بالكرامات وإتيان المعجزات. وبناءً عليه فهل كانت الملكة تذهب لطلب المساعدة من أبي العينين
والذي يُفهم أنه انتصر لها ولبنات جنسها، فساعدها وشجعها على قتل أزواجها، ولم يكتف بعد ، في حين
أن قلب المرأة وطبعها غلبا قوة الملكة ، وأرادت التوقف عما تقوم به ؟
أو أنها كانت تذهب للمقبرة المكان الذي يضم قتلاها
تبكي بقلب المرأة التي لا تريد أن تكون قاتلة
بل تصبو لحياة هادئة مستقرة، لكن جرحها يمنعها من الاستقرار ، لو حاولنا ارجاع سبب قتلها للرجال عدا الانتقام لبنات جنسها، خيانة زوجها الأول لها
او أحد أقربائها، إتكاءً على قصة الف ليلة وليلة

وان سبب عدم ثقة شهريار بالنساء هو ما شاهده من خيانة زوجة أخيه لزوجها.
وهل يقول لنا المؤلف بطريقة غير مباشرة ، ان الايمان بالولاة وخرافاتهم لا يقتصر على البسطاء وعامة الشعب، بل يمتد الى عليّة القوم ليصيب
نقطة الضعف والخوف بقلوبهم؟
وفي متابعتنا لسير القصة نتوقف عند عبارة لم تكتب بدون هدف” شعر الكاهن بحركة قريبة منه
فاختفى بسرعة،…”
ترى من يكون صاحب هذه الحركة الغريبة والقريبة
ولما لا يكون الرجل الذي تزوجته في ذات الليلة
ولم تقدم على قتله بعد، لما لا يكون قد تبعها هو أيضا
يريد ان يعرف سرّها.
ألف سؤال وسؤال دار في خيال الكاهن ، وكأنه يسترجع قصص الليالي الالف وليلة، ليجد تفسيرا لما يحدث.
وفي قفزة غير متوقعة يسحبنا المؤلف وشخوص قصته، الى زمننا حين ذكر جهاز التسجيل الذي لم يكن معروفا في ذاك العصر.
حيث يُقرر الكاهن تسجيل ما يدور بين الملكة وابو العينين من كلام ، حيث توقع عودة الملكة لتاخذ

جوابا على أسئلتها، خاصة ان الليلة الثاتية شارفت على الانتهاء ولم تقتل زوجها،
– هذا يكفي
– أنا لا أصلح زوجا لك
– غدا لناظره قريب
هذا ما سمعه الكاهن حين فتح جهاز التسجيل، بعد بكاء صاحب الصوت، والذي يعتقد الكاهن صاحب الشرفة الغيبيبة، انه صوت أبو العينين.
بهذا التسجيل تقوى سيطرة الكاهن ويزداد نفوذه
وهيمنته على العقول البسيطة.
لكن وكما رسخ في اذهاننا فصوت الموتى المستحضرة ارواحهم ، والجن، والملائكة وكل هذه الغيبيات لا ينجح الجهاز في تسجيلها،
اذن فهي خطة عقلانية استغلها الزوج أيضًا لصالحه
لتكون تلك الاجابات الواضحة والمباشرة صادره عنه
حتى لو بكى خوفا مما هو مقبل عليه او حزنًا على مصير الملكة التي قرر هو قتلها ، حين قال :
– هذا يكفي ، يكفيك قتلا للرجال
– انا لا أصلح زوجا لك
يعترف بعلو شأنها
– غدا لناظر قريب

اتخذ قراره وحسم أمره
فقتل الملكة لينقذ نفسه وابناء جنسه من الرجال
” وجد الناس الملكة مقتولة خارج بابها ، تلبس
ثوبا ابيض”
وقد كانت ترتدي فوقه الاسود حين كانت بالمقبرة
وكأنها خلعت عن كتفها الاسود، قبل دخولها البيت
وقد شعرت أنها ستكون الضحية القادمة، مُدركة
أنها كانت هي ” الانثى” الضحية الاولى والعاشرة
والمائة والالف…
ونرى تلك الخاتمة اللازمة
وأدرك شهرزاد الصباح ، فسكتت عن الكلام المباح
نهاية تحمل سخرية موجعه ، فحتى الساردة لم يسعفها خيالها في ان تجعل الغلبة للملكة خوفا
من اذى يمكن ان يصيبها من الملك.
عدا عن أن المؤلف بقي ابن عصره وواقعه المؤلم
فلم يجعل النهاية وردية، خاصة ان توقعه كان في محله، من حيث الزيادة في عدد النساء المغدورات
من اقاربهن تحت حجج واهية وعلى رأسها ” شرف العائلة”
احترامي وتقديري لقلمك د.محمد حمد

خالديه أبو جبل
الجليل الفلسطيني
24/2/2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة