هجاء طفيليٍّ بخيل
شعر : الدكتور حاتم جوعيه - المغار - الجليل -
تاريخ النشر: 19/02/23 | 7:10هذه القصيدة في هجاءِ طفيليٍّ بخيل يأكلُ دائما في المناسبات وعند الناس والأصدقاء بشراهةٍ ويلتهمُ الصحون وأطباق الطعام والحلويات بجنون كأنه يعيش ويحيا في مجاعة وفي حياته لم يرَ شكل الطعام .. وأما في بيته فهو في منتهى البخل والإنطاط ولا يسقي أحدا من الذين يزورونه لو بالخطأ كأس ماء. وحدث أن زارهُ بعضُ الأصدقاء في بيته ، في فصل الشتاء ، بعد مدة طويلة من زياراته المكثفة والمتواصلة لهم في بيوتهم..وكانوا في البداية يحترمونه ولا يعرفون حقيقته ويبالغون كثيرا في إكرامه وتضييفه رغم شراهته في الطعام..وبدل أن يقابل أصدقاءَه وضيوفه بالمثل في بيته ويقدم لهم واجبَ الضيافة أجلسهم خارج البيت ، وكان الطقس باردا وماطرا ولم يسقهم لو كأس ماء فغادروا بيته متذمرين حاقدين عليه وقطعوا علاقتهم نهائيًّا معه . ومما يثيرُ الضحكَ والإستغراب أن هذا المأفون الطفيلي البخيل كان دائما وعندما يذكرون في كل مناسبة وجلسة موضوع وسيرة البخل والبخلاء يردِّدُ هذه الجملة باستمرار :(( إن البخيل عدو الله )) وينسى نفسه أنه في قمة البخل والنذالة والإحنطاط ،وهوعدو الله والدين والمجتمع والقيم والأخلاق . لو عاش هذا الرجل البخيل وغريب الأطوار زمن الجاحظ ( ابو عثمان عمرو بن بحر) لألفَ فيه كتابا ضخما عن نوادره في البخل أهم بكثير من كتابه الشهير (البخلاء) الذي حقق شهرة واسعة جدا على مرِّ العصور وترجم إلى العديد من لغات العالم .
مثالُ الشُّؤمِ دومًا والبلاءِ – وَينعقُ في الصّباحِ وفي المساءِ
وكم عُقدٍ يُعاني الوغدُ منها – رواسبُ ليسَ منها من شفاءِ
نراهُ في الولائمِ مثلَ ثور – ويبقى الرأسُ دومًا في انحِناءِ
ويلتهمُ الصُحونَ بلا حياءٍ – ودومًا قالعٌ شرشَ الحياءِ
وعندَ الأكلِ مقدامٌ جسورٌ – وفي الإكرامِ يبقى في اختباءِ
وصنديدٌ بشربٍ أو طعامٍ – وَرِعديدٌ بجودٍ أو عطاءِ
طفيليٌّ يُشعوذُ دونَ ردع -توغّلَ في النذالةِ والهُرَاءِ
ويبقى الدّهرَ في قرفٍ وخزي – ومنهُ كلُّ داءٍ أو وَباءِ
وكلُّ الناسِ عنهُ اليوم تنأى – كإيدسَ وَيْحَهُ وبلا مِراءِ
رأوهُ جيفةً لا قربَ منها – ولصًّا للأذى والإفتراءِ
عليهِ الذمُّ لا ينفكُّ يهوي – يذمُّ بكلِّ رُكنٍ أو فناءِ
وما كذبوا إذا نعَتُوهُ ضبعًا – ويبقى الضبعُ يمرحُ في الخلاءِ
كمثلِ الضيع في بوقٍ وغدر ٍ – وإنَّ الخيرَ منهُ في بَراءِ
وفيهِ الحُمقُ قد أضحَى مثالًا – لداءِ الحُمقِ أنّى من شفاءِ
هوَ الدبُّورُ لا يعطيكَ شهدًا – وَعضريط ويلسعُ في الخفاءِ
هوَ الزنديقُ في نهج وقولٍ – يُعكّرُ جوَّنا بعدَ الصَّفاءِ
ومهزلةُ المهازلِ يظلُّ مَسْخًا – ومنزلهُ هنا دونَ الحذاءِ
ويمرحُ في المزابلِ والمجاري – ويسعى للمآبقِ في انتشاءِ
ومن إبليس يأخذُ كلَّ رجس – رماهُ الله في أشقى شقاءِ
ويأكلُ صحنَنا ويبولُ فيهِ – يُضرِّطُ في الغداءِ وفي العشاءِ
معاني الخزيِ فيهِ قد تجلّتْ – يُجسِّدُهَا ومن الفٍ لياءِ
سنمسحُ فيهِ هذه الأرضَ مسحًا – يُحلّقُ صيتُهُ فوق الفضاءِ
وإنَّ غدا لناظرهِ قريبٌ – سيقضي العمرَ دومًا في اختباءِ
سنجعلُ صُبحَهُ النّجمات تبدُو – ويُكثِرُ من جعيرٍ أو عواءِ
ويلطمُ مثلَ ثكلى وسطَ جمع – ويغدُو عيشَهُ مثلَ الجراءِ
غدا بجهنّمِ الحمرا سيغدُو – عليهِ اللعنُ من ربِّ السَّماءِ
وراءَ الموبقاتِ يسيرُ دومًا – وفي إصلاحِهِ ما من رجاءِ
وعقلهُ مثلُ تيسٍ أو ككُرٍّ – وَسِعرُهُ دون فلس في الغلاءِ
وأسلالكٌ لهُ صدئتْ برأس – وَبُوصلةٌ بمُخٍّ للوراءِ
عدوُّ اللهِ يرتعُ في المخازي – ولصٌّ في حوانيتِ الشراءِ
ويملأ جيبهُ من كلِّ نوع – بلا ثمن وَمن دونٍ اختشاءِ
كمثلِ البغلِ يرفسُ كلَّ شيىءٍ – بلا شبع سيبقى وارتواءِ
هُوَ البوَّاقُ لا يرعَى ذمامًا – يبوقُ الأهلَ كلَّ الأقرباءِ
هُوَ المأفونُ والمهذار يبقى – كرامُ الناسِ عنهُ في جَفاءِ
هوَ المأفونُ لا ينفكُّ يهذي – وَمنَّا كم سيلقى من هجاءِ
ومنّا سوفَ يلقى كلَّ هول – ويصمتُ عن هُرَاءٍ أو رياءِ
رفعناهُ … نعتناهُ بكلبٍ – وإنَّ الكلبَ عُنوانُ الوفاءِ
هو البوَّاقُ عُنوانُ انحطاطٍ – وَيُضمِرُ للدُّنى كلَّ العداءِ
تسربلَ بالمخازي طولَ دهر – فبئسٌ منهُ من هذا الرّداءِ
ويحظى بالشَّتائمٍ كلَّ يومٍ – بعيدٌ عن مديحٍ أو ثناءِ
ومنهُ ما رأينا أيَّ نفعٍ – عدوٌّ للكرامةِ والإباءِ
عليهِ قد تكأكاَ كلُّ رجس – وعنهُ افرنقعَتْ سُحبُ الضياءِ
وسيرتهُ هنا تبقى مثالًا – وتُضحِكُ كلَّ ثكلى في الخباءِ
عدوُّ اللهِ ما منهُ رجاءٌ – وعنهُ قد نضَا زيفُ الطلاءِ
وهذا الوغدُ قد زرناهُ يومًا – وكنَّا نحنُ في فصلِ الشتاءِ
وكانَ الطقسُ بردًا.. أيُّ بردٍ – وأمطارٌ توالتْ في سخاءِ
بقينا خارجًا والبردُ صعبٌ – فأجلسنا بعيدًا في العَراءِ
وقهوتُهُ المُشَعوذُ ما شربنا – ولا يسقي ضيوفهُ كأسَ ماءِ
لئيمٌ حاقدٌ وغدٌ حقيرٌ – بخيلٌ قد تمرَّغَ في الخراءِ
هو المُرتدُّ شيطانٌ رجيمٌ – وَعنهُ ارتدَّ كلُّ الأصدقاءِ
وَمعتُوهٌ وَمَمْسُوخٌ وضِيعٌ – وَمنبُوذٌ لكلِّ الأوفياءِ
يظنُّ بأنّهُ فذّ حكيمٌ – يراهُ الكلٌّ أغبَى الأغبياءِ
تركتنا بيتهُ المشؤُومَ حالًا – كأنّا نحنُ كنا في عزاءِ