متنفَّس عبرَ القضبان (59)

تاريخ النشر: 07/06/22 | 9:03

حسن عبادي| حيفا
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّبت الصديقة سحر أبو زينة: ” كل التحية لك استاذ حسن بداية ومن خلالك لكل اسرانا الابطال وللأخ رائد. كل ما يقدم لا يعتبر شيء مقابل تضحياتهم وسنبقى مقصرين. الكتاب الهدية الى الفنانة الدكتورة سناء موسى جاهز ومثل ما قلت (مقدور عليه) واتمنى ان تتحقق كل الامنيات وتتوج بإكليل النصر والحرية تعانق الابطال. لقاء العم ابو عماد والد الاسير رائد السعدي شرف وفخر مع دموع اختلط بها الامل مع الالم.. تحياتي وتقدير حد السماء”.
وعقّبت الصديقة خلود القاسم: “بوركت جهودكم استاذ حسن والحرية لمن أبدعوا في مقاومة الاحتلال خارج أسوار السجن وما زالوا يثبتون بأنهم المبدعون في كل المجالات وهم من يستحقوا الحياة ويستحقوا أن نقدم لهم الكثير في سبيل نصرتهم ونيل حريتهم ولكن للأسف نجد القليل ممن يهمه أمر هؤلاء الأبطال. الحرية لأسرانا والشكر لكم استاذ حسن على اهتمامكم في إظهار إبداعات الأسرى”.
حنين ونوستالجيا
غادرت حيفا السادسة صباح يوم الاثنين 09.05.2022 في طريقي إلى سجن ريمون الصحراويّ. طال المشوار بسبب أزمة السير وبعد مشقّة سفر أربع ساعات أطلّ عبر الممّر الطويل الأسير رائد محمد السعدي (معتقل منذ 28.08.1989!!) مبتسمًا تلك الابتسامة الخجولة ليعانقني ويصافحني عبر الحاجز الزجاجيّ الفاصل الباهت مرحّبًا ترحيبة غير شكل رغم أنّ هذا اللقاء الأوّل.
بدأنا الحديث حول الصديق رأفت وقلاية البندورة، وفرحته من ندوة جنين وكذلك ندوة “أسرى يكتبون” ضمن مبادرة رابطة الكتّاب الأردنيين حول كتابه “أمّي مريم الفلسطينيّة” وسعادة الوالد بالمشاركة وكأنّه برائد في حضنه.
خيّمت وفاة المرحومة الحاجة صبحيّة يونس (والدة كريم) على فضاء اللقاء وحدّثني بحِرقة عن فراق الأسير لأحبّته وهو خلف القضبان.
حدّثني عن أهميّة دراسة الماجستير للأسير، “بتتعلّق” في بيت الأهل ولكنّها تشجّع صغارنا على التعلّم، وعن أهميّة الكتابة بالنسبة للأسير، فلكلّ قصّته والكتاب يدخل كلّ بيت، بطريقة ما، وينتشر ويحلّق عبر القضبان لبلدان أخرى.
يمارس رياضة الركض يوميًا (40-45 دقيقة)، يفكّر ثم يُقيلِل ويشرب قهوته ويكتب.. ليبدأ القراءة من جديد.
حدّثني عن الحنين والنوستالجيا حين يشاهد ويسمع الفنّانة سناء موسى (واصفًا إيّاها بوردة الجليل وكلّ فلسطين) فيعيش تغريبته مع غنائها وحلمه أن تصلها نسخة موقّعة من كتابه (مقدور عليها يا رائد)، وعن اهتمامه بتوفير تطعيم مرض السحايا للطفلة الغزّاوية جود.
“كابُوات في السجن”
حين أنهيت لقائي برائد أطلّ عليّ أمجد محمد فوزي عواد عبر سرداب سجن ريمون الصحراويّ المقيت، ترافقه ابتسامة واثقة وكتيبة من الحرّاس (لكونه “س.غ.ب”؛ “أسير مع احتمال كبير للهرب”، ترافقه الكلبشات المدمّجة، كلبشات بالأيدي وأخرى في الأرجل وجنزير يربطهما).
أزاح كمّامته الكورونيّة وبدأ يحدّثني عن الحياة خلف القضبان معزولًا عن رفاقه (لقاءه معي أخرجه من العزل لساعات، حسب وصفه) قراءة ورياضة وتثقيفًا لزملاء الأسر ومحاولاته الكتابية؛ عن طقوس الاتصال بالأهل (60 دقيقة موزّعة على خمسة أيام؛ لخمسة أرقام محدّدة بأقارب من الدرجة الأولى ويُحذف منها الرقم المسجّل على اسم آخر و”هات اثبت أنّ الرقم لإمّك!!)، والإجراءات الأمنيّة مشدّدة، 06.09 بات يشكّل علامة فارقة، الأمن على حساب الاستخبارات، ووصف لي قصّة “الأقفاص” ووجعه لوضعه وحيدًا في قفص وحشر عشرة زملاء وأكثر في قفص آخر!”.
ما زال يعيش فرحة إطلاق كتابه “دراسات من الأسر” في قريته عورتا وبين أهله، وناقشنا إشكاليّة طباعة ونشر كتابات الأسرى.
طوّر لغته العبريّة “معرفتي للعبريّة بتنجّيني وبتنجّي غيري” وهناك من الزملاء مَن يحفظ القاموس غيبًا.
تناولنا المسكوت عنه في السجن، ظُلم “الكابو” وجبروته (بالألمانية(Funktionshäftling ‏ وهناك أسرى يتمخترون بين الغرف والأقسام دون حراسة.
لكم أعزاءي رائد وأمجد كلّ التحيات، والحريّة القريبة لكم ولجميع أسرى الحريّة.
حيفا أيار 2022
___________________
الهوامش
[1] الأسير رائد السعدي، من قرية السيلة الحارثية، مواليد 1966، أُعتقل يوم 28 آب 1989، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن المؤبد المكرّر مرتين وعشرين عاماً.
[2] الأسير أمجد عواد من قرية عورتا، مواليد 1992، أُعتقل يوم 10 نيسان 2011، حكم بالسجن المؤبد 5 مرات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة