ليلةُ القبضِ على فاطمة
شعر: علي هيبي
تاريخ النشر: 20/02/22 | 8:34شروقُنا غاربٌ نحوَ ليلٍ طويلٍ سوفَ ينجلي عندَما تغيبُ النّهاراتُ الدّاكنةُ مِن علٍّ/ مَن حطَّها كالجبالِ على صدورِ الرّجالِ أمامَ بلالٍ الّذي ازدراه الأمويّون طويلًا/ وما زالوا يزدرونَ بنفس الصّخورِ ولكن بثوبٍ جديدْ/ شروقُنا هاربٌ نحوَ تيهٍ أبيدٍ قدْ ينتهي لمّا تعودُ من الكهفِ الحقائقُ/ منْ مناماتِنا الصارت مسكنًا آمنًا للكوابيسِ المخيفةِ في هذهِ اللّيلةِ الحالمة.
صراخٌ فينا عقيمٌ يولدُ الموتَ في ردهاتِ القبورِ/ ينتظرُ نشورَ رميمِ الجماجمِ على مأدبةِ الفكرِ الرّصينِ علَّ حياةً تشبُّ عنْ طوقِ اليبابِ/ ينادي النّيامَ في بيوتِ السّكينةِ الدّافئةِ المثقَلينَ بتعبِ اللّيالي في حقولِ الضّبابِ وافتراسِ المصانعِ في المدنِ الخاويةِ/ وصوتُ السّكونِ جوابٌ يحملُ أطنانًا منْ صميمِ الوقاحةِ وهولِ الرّذالةِ/ يخجلُ منْهُ السّؤالُ الجميلُ كشمسِ نيْسانَ الفضيلُ كغرّةِ رمضانَ/ تراكمَ هذا السّؤالُ الطّبيعيُّ في عتمةِ اللّيلِ معْ هدأةِ العربِ الباقيةِ على كثبٍ منْ حزيرانَ/ على الثّلجِ المعقّمِ بحقنةِ تفويتِ الفرصةِ ورجفةٍ في الفرائصِ وخوفٍ مريبٍ على استقرارِ العواقبِ/ يا تمّوزُ إلى متى هذهِ الحالةُ الدّائمة.
إلى متى سيبقى طعمُ الكفاحِ مريرًا وأصعبَ منْ مذاقِ الهزيمةِ/ ويبقى طعامُ السّلاحِ وطعمُ الكفاحِ بعيديْنِ عن لائبٍ لاهثٍ خلفَ سرابٍ تباعدَ/ ويعلو جفافُ النّباحِ لوابَ الكلابِ تنتظرُ الأمّةُ صوتَ المغيبِ على أملٍ بالطّعامِ/ وبعدَ الطّعامِ امتناعٌ شديدٌ عنْ أملٍ بالكرامةِ/ متى يا أولياءَ الأمورِ والنّعمةِ الذّائدينَ عنِ النّفطِ ولقمةِ العيشِ وخبزِ الكرامةِ/ في سحورٍ فقيرٍ في خيرِ أمّةٍ أُخرجَتْ من سياقِ اللّيالي قلَّ أندادُها صائمة.
شرقُنا العربيُّ مولَعٌ بنظامِ البرامجِ المعدّةِ سلفًا/ ليتَهُ يبحثُ عن صراطٍ قويمٍ للحقيقةِ كسلمانَ الفارسيِّ/ أو يدرسُ برنامجًا نوويًّا في أسبوعِ الامتحاناتِ آخرَ الفصلِ يعيدُ بعضًا من الزّمنِ الضّائعِ/ لثباتِ الصّمودِ المكلّلِ برأسٍ شَموخٍ يختالُ بتاجِ الملوكِ اختيالًا عجيبًا يجعلُ ازدهارَ الشّموخِ انحطاطًا/ على تلِّ موجِ البرودِ المدنّسِ بالفسادِ والذّهبِ الأسودِ والعملةِ العائمة.
تُجلَدُ الأمّةُ بلؤمٍ حقودٍ كزانيةٍ ثبُتَتْ خطيئتُها بمئاتِ الكرابيجِ وأربعةِ الشّهودِ عدولًا منَ الغربِ الحبيبِ/ ويُقتلُ أبناؤُها الطّاهرونَ بفراغِ المهمّاتِ حتّى ثبوتِ التبطّنِ/ لأنَّ الظّلامَ كانَ نصيرَ الزّناةِ الفاعلينَ “التّاركين” كما كانَ دومًا نصيرَ لا فعلَ الطّغاةِ التّاركينَ فقطْ/ تحتَ سقفِ المخيّماتِ الّتي أقامَها دافيدُ في الكيلو الأوَلِ بعدَ المئةِ تهلكةً للمطالبِ المشروعةِ/ وتُنزعُ عنّا الثّيابُ الأخيرةُ وأوراقُ توتٍ وتنزَعُ منّا حبّةُ التّمرِ والإسبرينْ/ تجوعُ وتعرى الأمّةُ مخزيّةً بهبوطِ التّجرّدِ منْ كلِّ شيءٍ ومن ثَمَّ يُلقى على هذهِ الأمّةِ باللّائمة.
لنْ يكونَ لنا وطنٌ جميلٌ ولا فرسٌ أصيلٌ ولا ركابٌ مثقلٌ بالعادياتِ ضبحًا ولا بالمغيراتِ صبحًا/ لنْ نستردَّ أرضَنا الخضراءَ بخرزةٍ حزينةٍ زرقاءَ/ ودعاءٍ كسيحٍ لشفاءِ المريضِ ولسْنا طبيبًا ولسْنا المسيحْ/ لنْ نشربَ منْ فراتٍ ولا منْ دجلةِ الخيرِ/ سيجفُّ النّيلُ الأبيضِ منْ نهضةِ السّودِ والسّدِّ وكسادِ همّةِ الكاذبينَ/ سنبكي كثيرًا منْ قلّةِ الغسلِ واللّاكرامةِ سنغدو كأنجاسِ مصرَ وكافورِهمْ/ إذا لمْ نعدْ إلى صراطِ رشدِنا الوطنيِّ فلنْ تقومَ لنا قائمة.
لنْ نبقى خيرَ أمّةٍ أُخرجَتْ ولا خيرَ أمّةٍ أُدخلَتْ ولا شرَّ لا بدَّ منْهُ ولا شيءَ يُذكرُ لدى الآخرينَ/ كعملةٍ جاءَتْ منَ الكهفِ نحنُ/ دخلَتْهُ قبلَ قرونٍ ثلاثةٍ وطابَ لها النّومُ ولمْ تستفقْ ولمّا استفاقَتْ لمْ تشترِ/ لنْ نظلَّ شعوبًا في الأقاليمِ النّائيةِ يشرذمُنا الغربُ السّعيدُ مرّة واحدةً على عشراتِ الأقاليمِ البائسةِ/ ولنْ نظلَّ قبائلَ تهوى التّناحرَ حولَ تنابزِ ألقابِها/ لنتعارفَ قربَ شفا الجرفِ هناكَ سنهترئُ بالقبليّةِ البائدةِ/ بالعصبيّةِ الإقليميّةِ العائدةِ/ وكلّ عربٍ من عروبتِنا عاربةٌ وكلُّ رقعةٍ منْ أرضِنا سائبةٌ/ وكلُّ سماءٍ منْ سبعِ سماواتِنا موصدةٌ غائمة.
لنْ نبقى دولًا تترامى أطرافُها على الخرائطِ بلا عملٍ إلّا الخمولَ والارتماءَ في دفيئةِ الحضنِ الغربيِّ الرّذيلِ وغيرِ الرّؤومِ/ لا دولةٌ مشتهاةٌ تكونُ لنا بعدَ حسابِ سبعٍ عجافٍ وسبعٍ يابساتٍ وسبعٍ أكلَتْها الذّئابُ وسبعٍ وسبعينَ في جفرِ الخرافاتِ/ على طولِ جوعِ الطّريقِ تمرّغَ مجدُ التّرابِ في مسارِ تكوّنِها المتردّدِ نحوَ الغيابِ/ نسيرُ في تيهِ كهفٍ سحيقٍ بلا شارةٍ منْ منارةٍ/ تزحفُ على بطنِها هذهِ الدّولةُ متثاقلةً في ركامِ القتادِ/ وقدْ تتلوّى السّلحفاةُ على ظهرِها قدْ ملَّها الانحناءُ/ فراحَتْ في سرابِ الأرباعِ الخاليةِ تضلُّ الطّريقَ على وجهِها هائمة.
لنْ تبقى عواصمَ هذي المدائنُ في أرضِنا/ بعدَ الضَياعِ الكبيرِ بينَ الخليجِ المريضِ وبينَ انتهاكِ عرضِ المحيطِ/ لا عاصمةٌ واحدةٌ تكونُ بعدَ انحلالِ دكّةِ أمِّ العواصمِ بالاحتلالِ والسّلطةِ اليائسةِ والنّواحِ وشقِّ الصّدورِ وصولةٍ شاهقةٍ للجدارِ/ ولا مدينةٌ للّقاءِ الحبيبِ وكلُّ المدائنِ سوفَ تعاني طبقاتِ الرّكامِ/ فوقَ الشّوارعِ تسدُّ المساربَ بجندِ الكلابِ أو بكلابِ الجنودِ/ تتململُ الشّوارعُ والميادينُ وأحلامُنا بشقِّ النّفوسِ والثّورةِ العارمةِ القادمة.
صارَ أخوتُكِ اللّحمَ يا فاطمةُ فصوني أمانةَ اللّحمِ وأنتِ الكبيرةُ/ لا تخوني الدّمَ والخبزَ ولياليَ العذابِ والسّيّدَ المستقيمَ/ اشقي عليهمْ ما استطعْتِ حتّى حبلِ الوريدِ ولقمةِ عرقِ الجبينِ/ ولمْ تفرّطْ فاطمةُ بكسرةِ خبزٍ أحنَتْ رقابَ الذّكورِ/ وخانَ كلَّ ليالي عيشِ الجياعِ وملحِ الحفاةِ الأمينُ وصارَ غروبًا معْ غريبِ السّلطةِ الحاكمة/ سوفَ تأتي الثّورةُ العارمةُ/ سوفَ تأتي الثّورةُ القادمةُ/ سوفَ تنحسرُ جهنّمُ الكوابيسِ في ظلامِ السّماءِ/ سيمتدُّ عنْ جنّةِ الحلمِ في الأرضِ نورٌ يقشعُ ظلماتِ اللّيالي ويغمرُ كلَّ الحواري الفقيرةِ بخبزٍ كريمٍ/ لمّا تصيرُ كلُّ ليالي أحلامِنا ليلةَ قبضٍ على فاطمة.