“تحرير الشرق”: نحو إمبراطورية شرقية ثقافية
تاريخ النشر: 22/12/21 | 19:36د.صافي صافي
التنور
إذا استطعت أن أحدد مراحل حياتي الفكرية، ربما أقول بأنني مررت بالعديد منها، وفي كل مرحلة أعتقد أنني وقفت على معرفة كلية لي وللناس، فأشعر بالنشوة، وأعيد وأزيد فيها، وأتأمل، وأفكر، وأطير مع السحاب، لأرى العالم من نقطة فوقه. أعتقدت أنني أمسكت بالحلقة المركزية للحياة، فباتت القضايا الأخرى مجرد حبات سلسلة مسبحة، وشواهد ومئذنة، وشرشوبة. مررت بالإيمان الديني، وبالقومي، وباليساري، وبالإنساني. سقطت كلها في ذهني، فمن قال إن هناك إنسانية حتى في العلوم؟ هناك إنسانية متوحدة مع مصالح تلك الدول التي تدعو إليها، وإن كنا قد تبنيناها في مرحلة سابقة، من أجل أن نشعر بإنسانيتنا، من أجل أن نشعر بأننا جزء من هذا العالم، لكن مشكلتنا لم تنته، ولا يبدو في الأفق أن “الإنسانية”، ستحل لنا عقدتنا التي طالت منذ أكثر من قرن. على العكس من ذلك تبدو عقدتنا أصعب على الحل من أية مرحلة سابقة، وهذا ما يدفع الكثيرين للإحباط واليأس، والهجرة إلى العالم “المتقدم”، واكتساب أفكاره إلى حد ما، على اعتقاد منهم أنهم يرون العالم من نقطة أعلاه، وتحت شعارات الموضوعية أحياناً، فليس هناك موضوعية، ولا العلماء موضوعيون، بل نتاج سياقات ثقافية محددة وإن اتسعت.
في هذا الكتاب “نحو إمبراطورية شرقية”، وجدت نفسي أيضأ، وأرجو أن تكون مرحلة تنوير أخرى من تلك المراحل التي مررت بها، فهناك محاولات عديدة جرت في الواقع، للبحث عن الخروج من المآزق، دون نتيجة واضحة، وبات الفكر الفردي هو الذي يحكمنا، ويحكمني، حتى بت خرزة في المسبحة، تلامس أصابع المُسبِح، لتنتقل إلى الخرزة التي تليها، وتعود ثانية بحال مختلف قليلاً، وكأني أنتظر هذه الأصابع لأشعر بالدفء أحياناً وبالعبث أحياناً أخرى. وأسأل نفسي بعد عقود ست، لماذا تخلينا عن ما كنا نؤمن به؟ لماذا لم أر ذلك من قبل؟
في مرحلة ما، أعجبت ب “الطاوية”، وبال “ين يانج”، حيث الثنائيات القديمة (إيجابي سلبي، ذكر أنثى، صباح مساء، فعال غير فعال، شمس قمر، منطق حدس، ساخن بارد، صلب لين، …الخ)،
إنها تشكل إنارة مهمة كما ورد في الأديان، لكن الأمر في الصورة أنك تتحرك طوال الوقت مثل السمكتين في الدائرة، منشغل طوال الوقت، دون أن تدري لماذا، وحتى تعرف ذلك لا بد من أن تصعد إلى السطح، وترى كينونة هذه الحركة، وهو ما يدعونه في التربية والفلسفة بالتأمل، والتأمل هو أن تستغرق بالتفكير في مآلات الحركة، وإلى أين تقودك، فليس المهم هو النشاط والتحول والتغير، بل الأكثر أهمية هو مصير هذا النشاط كله، وهل ما تقوم به من نشاط فاعل حقاً وفي أي اتجاه؟
الوعي
دون أن ندخل في الفلسفة رغم أهميتها، فإن النتيجة النهائية هي الوعي، وادراك ما يحدث، وهذا ما يدعو إليه د. البرغوثي، وكان مفكرون عرب كثيرون قد أشاروا إلى ذلك منهم عبدالله عبد الدايم (الوطن العربي والثورة)، ومصطفى حجازي (سيكولوجية الإنسان المقهور)، ومحمد عابد الجابري (بنية العقل العربي)، وآخرون. يشير عبد الدايم، بأن الوضع في عالمنا لا يحتاج إلى إصلاحات، بل إلى ثورة، ويشير حجازي أن الوضع الثقافي والسلوكي في الوطن العربي كارثي، ومن الصعب النهوض ثقافيا، كما يشير الجابري أن المدخل للتغيير هو ثقافي.
في هذا الكتاب “تحرير الشرق: نحو إمبراطورية شرقية ثقافية” الصادر عن “المؤسسة العربية للدراسات والنشر” سنة 2020، ويقع في 160 صفحة، يطلق د. البرغوثي حملة وعي ثقافية، بل يجعل الوعي، هو الأساس الذي يمكن أن يخط طريقاً للسلوك والتغيير، ويمكن أن يشكل رافعة لمرحلة جديدة، وأكيدة للمعتقد والتغيير.
مشروع
من السهل القول بأننا نتعرض إلى ظلم، خاصة نحن الشعب الفلسطيني، ومن السهل القول بأننا تعرضنا لعدة مؤامرات عالمية ومحلية، ومن السهل أن نتعلق بأوهام الحلول الغيبية في معظم الأحيان، والواقعية الجزئية في قليل منها، ومن الواقعية أن نقول بأن طريق التغيير والتحرر والانعتاق طويل وشاق، لكن ما هي مرتكزات كل ذلك؟
لنعترف أولا بأن الشرق سهل السيطرة عليه، وهو محط أنظار الطامعين من كل حدب وصوب، ليتحول إلى منطقة صراع واضحة للقاصي والداني، وهناك أمثلة واضحة على ذلك منها لبنان، كجزء من بلاد الشام، ومدخل أيضاً لما حوله، البعيد والقريب. لكن المثال الأكثر وضوحاً هو فلسطين، الذي تعاون فيه الأشقاء والأقربون مع خطط استعمارية بعيدة المدى، ولا غرابة أن تظل هذه الدول المتخلفة في ذيل دول العالم، فليس هناك نهضة في أي مجال، لا اقتصادي ولا ثقافي ولا اجتماعي، رغم بعض الظواهر الشكلية في بعض الدول كالنهضة المعمارية، أو الاستهلاكية.
إن هذا الوضع لم يكن فقط نتيجة ممارساتنا، شعوبا وحكاما، بل هو نتيجة المشروع الغربي الواضح، وما الحديث عن “إسرائيل” إلا بداية المشروع، فلم تتوقف الرؤية الغربية بإقامتها، بل ما زالت خطة طريقها سريعة الأثر بتغييرات متلاحقة، ليس آخرها التطبيع الذي نشهد بداياته العلنية الواسعة، بل هناك حملات لتغيير المناهج والسلوكات التي ليس لها علاقة بالشرق ولا بالدين ولا بالقومية ولا بالإنسانية. ولا تجد مثل دولنا سوى الاستجابة الخجولة أحياناً والراكعة أحياناً أخرى، والمتمنعة وهي راغبة في بعض الأحيان.
“في الهم شرق”
“كلنا في الهم شرق” أو “في الشرق هم”، فلم يعد هذا المشروع حبيس أدراج، بل نعيشه يوماً بيوم، ونشهد بعض ملامح تطوره واتساعه، ونحن لا نملك في مواجهته شيئا سوى بعض المؤتمرات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. ولم تعد منطقة بعينها هي المستهدفة، فليست بلاد الشام وحدها، ولا دول الخليج العربي وحدها، ولا المغرب العربي، ولا آسيا بحد ذاتها، ولا افريقيا، بل هي كلها مع تقاطعات دول أخرى نهضت في فترة أو حاولت، ثم عادت فانتكست، أو استطاعت الإفلات وما زالت تحاول.
إن الوعي بأننا في الهم شرق، يعني أن نبحث عن مصادر قوتنا، ليس للنهوض بالتحديد، فهذه مرحلة لاحقة وموازية، ربما، لوعينا لحالنا، مرحلة موازية للدفاع عن أنفسنا، عن حالنا، عن حاضرنا ومستقبلنا، أن نعي هذا المشروع، ودورنا في صياغة هوية شرقية، تحاول أن نشكل فيها قوة. إذا ما وعينا ذلك، فربما نستطيع تشكيل امبراطورية شرقية ثقافية فاعلة للتغيير. باختصار: إذا كنا كلنا في هذا الشرق نواجه هذا الخطر، فما المانع أن نتوحد على أسس واضحة؟ وهل هناك أهم من مواجهة الأخطار العميقة التي تطال جذورنا وقشورنا؟
ما يفرقنا وما يجمعنا
نفترق كثيرا في الأيدلوجيا، وفي القوميات، والاثنيات، والديانات، والطوائف وتفرعاتها، وهذا ما يعمل عليه أصحاب “المشروع” من أجل زيادة الفواصل بيننا، فتتحول إلى حروب وصراعات دائمة، كما السمكتين في دائرة “ين يانغ”، لكن هذه الصراعات لن تؤدي إلا إلى مزيد منها، لنغوص في تفاصيل التفاصيل، ونعيش على انتصارات وهمية، تخترق الحدود الوهمية الداخلية، والخارجية، والأمثلة عديدة وتتعدد.
لكن ما يجمعنا هو كوننا مستهدفين في ثرواتنا وثقافتنا وحتى في حدود دولنا الوهمية التي باتت مع الزمن من المقدسات. ما يجمعنا هو وعينا للمشروع الذي يستهدفنا لنظل في الدائرة المغلقة، وعينا بأننا نرفض هذا المشروع، ونريد أن نبني مشروعنا نحن، مشروع التحرر من المشروع النقيض.
إن وعينا بهذه الاختلافات، واستيعابها، واستيعاب حالنا، يزيح هذه الخلافات جانبا، وهي جانبية على كل حال، ولنبحث عمّا يحمينا، ويعيد لنا كرامتنا، فكل هذه الاختلافات هي الأخرى عناصر ثراء لنا. فليس المطلوب أن يتخلى أي من معتقديها عن ثوابتهم، بل أن يرسموها ضمن إطار الدفاع عن النفس، وعن رسم طريق التحرر والانفلات منها.
امبراطورية شرقية ثقافية
ليس المقصود أن تكون هناك دولة واحدة متسعة لكل الشرق، رغم أنه لا مانع لذلك إن حدث، ولا صهر الدول المتقاربة في حلف واحد، بل هو وضع مبادئ قابلة للحياة لهذه “الدول” والشعوب لكي تتحرر، وتنهض من خلل غير متوازن بدت ملامحه منذ أوائل القرن الماضي، وإن كانت محاولاته قد بدأت منذ قرون.
صحيح أن هناك ما “يفرقنا”، لكن لماذا لا نعتبر ذلك عنصر ثراء، وتنوع، بالضبط كما في دول الغرب، فماذا يضيرنا أن نكون سنة أو شيعة، عربا وأكرادا وأمازيغا وفرسا ..الخ، مسيحيين ومسلمين، سودا أو بيضاً وما بينهما، طوال أو قصار، بدوا أو مدنيين، فلاحين وصناع ..الخ. انظر إلى خارطة فلسطين مثلا، من سهول وجبال وصحراء وغور، أليست هذه عناصر ثراء للطبيعة الجغرافية لكل “فلسطيني”؟ وهذا الأمر نفسه ينطبق على المتسع المتسع.
إن تشكيل هذه الجبهة، ستشكل أساسا مستقبليا للتعاون “الإنساني” مع العالم، فنحن في مرحلة دفاع عن أنفسنا، ليس بقصد هزيمة العالم المتقدم، بل لهزيمة المشروع، والمشروع هائل، لا يمكن لأية قوة وحدها أو عنصر واحد منها مجابهته.
إن توحيد هذه العناصر المشتركة يشكل قوة امبراطورية شرقية تسعى للتحرر والنهوض من أجل نفسها، ومن أجل إنسانية أكثر إنسانية.
الأنظمة الشرقية بين تهالكها وتماسكها
لم تكن الانتفاضات السابقة في كل “دولة” على حدة، أو في سلسلة منها، وليدة رؤية محلية فقط، بل تدخلت فيها أصابع أخرى، لحرف مسارها، لمصلحة تلك الدول المهيمنة، ولم تكن “الإصلاحات” بعدها إلا حبة أسبرين لوجع دائم، لنعود إلى البدايات كلما لاحت فرصة للتغيير، ولم تستطع أية دولة النهوض، فالمحيط يشدها إلى الوارء، وأصحاب “المشروع”، يباركونه، ويضفون عليه بعضا من الرتوش، أو يثيرون زوابع أخرى كامنة، لنظل في الحضيض، ونحن كذلك.
كدنا في مرحلة ما نرى تغييراً جوهرياً، وباتت الكثير من الحكومات مثل ورق التوت، تدعي أنها تقي عوراتنا، ليتبين أنها بحد ذاتها هي العورة، وهي السبب في ما آل إليه وضعنا، وهي لا تحمل أي مشروع نهضوي ديني أو قومي أو اثني، بل هي أداة في مشروع أكبر منها، لتدفع الشعوب أثماناً متلاحقة دون نتيجة.
إن تجارب المشاريع الدينية، لم يؤد بنا إلا إلى مزيد من الانقسام الطائفي، ولم تتحول عناصر الثراء الطبيعية إلى عوامل نهضة، وأمثلتها كثيرة، وما تجارب القوميين إلا غطاء لسلطات حاكمة فاسدة لأقلية لا يهمها الشعب ولا مصالحه، وانقسمت اليسارية حتى لم يعد هناك منها شيئا، وتركزت “الإنسانية” في منظمات غير حكومية، لا تفعل في النهاية سوى لمصلحة القائمين عليها.
نعم هناك تعدد ديني وطائفي، وقومي، واثني، وأيدلوجي وغيره، وهذا مهم ومفيد، هو جامع وليس مفرق، لكن إذا كان كل هؤلاء مستهدفين، فهل هناك أمامنا سوى حماية أنفسنا، ورسم طريقنا التي تتعارض طبعاً مع “المشروع”.
فماذا تبقى لنا؟
الهروب من الأزمة والتعلق بالتفاصيل المملة
إن هناك أكثر من مظهر للأزمة التي يعاني منها الشرق، لكنني يمكن أن أحدد واحدا أو أكثر، وهي تركز على التفاصيل التي تلهي الشعوب، وتجعل منها قضيتها المركزية، ومعظم التفاصيل تتعلق بالماضي، وكأنه هو المقدس، ولا حل إلا بالرجوع إليه، ومنها:
⦁ المقولات الدينية: فبدل أن نركز على المعالم العامة للدين كما أفهمها، كالكرامة الجمعية، والهوية الجامعة، ومعاقل التحرر والانعتاق من العبودية، والتخلص من الجاهلية، والغوص في معالم النهضة، رحنا نبحث عن تفاصيل التفاصيل التي لا تؤخر ولا تقدم في العبادات، ورحنا نتداول في محاور الخلاص الفردي، في كيف نتوضأ، وكيف نسبح، ونصلي على الأنبياء والأتباع، وحلقات الذكر، والصدقات، والوقوف والجلوس، وشرب الماء، …الخ. لا يعني أن هذه غير مهمة، لكن هذه التوجهات أعلت من التفاصيل على حساب العام، والمصلحة الجمعية، على عكس كثير من المفكرين، منهم الصادق النيهوم، الذي يرى في العام أكثر أهمية نحو بناء الدولة، وأن تكون نداً لدرء إيغال الآخرين في قضايانا.
⦁ التراث: أشبع التراث الشفوي والحركي والمادي تمثيلا، حتى صدقنا أن التمسك به بات مقدساً أكبر تقديس، رغم أهميته، وباتت بعض القصص والأمثال القديمة بما في ذلك غير الأخلاقية أكثر قداسة، كما لو أنها وحي، حتى صرنا نجتر الأغاني والأمثال البدائية التي تشوه صورة الحماة والكنة والمرأة والطفل، وشاعت هذه على السطح لتتحول إلى منبع للتبرير الخاص والعام، وترسيخ التخلف الذي لا نرضاه، بل نحاول التخلص منه.
⦁ الفنون: ما زالت الرؤية العامة للفنون بشكل عام، تجتر الماضي، كما لو كانت فترة ذهبية بالفعل وانتهت، وإن ما نسمعه من حديث أو نشاهده من مسرح لن يصل لمرتبة ما علق في أذهاننا رغم سوءه، ورغم ما تحمله هذه الفنون من معاني سلبية، صرنا نرددها بين الحين والآخر، ونعتبرها مصدراً للانطلاق، والنهوض، فنحن نعيش عادة في الماضي وعلى الماضي، ومن أجل العودة إلى الماضي.
⦁ العلوم: ما زلنا نعتقد أن ما أنتجته مجتمعاتنا وعلماؤنا في الماضي، هو أساس العلوم الحديثة في العالم، وبتنا نبحث عن أي حدث علمي جديد، ل “نكتشف” أن أجدادنا وتراثنا الماضي، كان قد توصل إليه منذ مئات السنين. لهذا نبرر، ربما نبرر حالة الضياع والنكوص الحديثة، ونختصر إجاباتنا على أسئلة الحاضر والمستقبل بمقولات ماضوية، مختصرة، شافية، وافية. كذلك قضايا الفكر كجزء من العلوم، رغم أن كثير من المفكرين الأوائل قد تم قمعهم، وسجنهم، وسحلهم، واغتيالهم، كل في ظروف نهضوية، ومعادية لها.
⦁ الأخلاق: هي الأخرى تركزت على الفردية دون الجمعية الجامعة، فابتعدنا عن الكرامة العامة، والهوية اللامة، والعيش الكريم، ورحنا إلى زوايا العطاء الفردي، والخلاص الفردي في الدنيا والآخرة، عبر ترديد شعارات عامة صحيحة، لكنها تبعدنا عن همنا اليومي والمآل الكلي للأمة وللأمم التي حولنا، فنحن حالنا من حالهم، وحالهم من حالنا. فالفساد يطيح بكل مقومات الدولة، ويصبح تقليداً صعب الخلاص منه، والفساد متعدد الجوانب والمستويات، المادي والإداري والاجتماعي والسياسي على حد سواء، حتى بتنا نتسابق في ميدان الجاهات والوجاهات الجاهلية القبلية، وكأننا لم نعرف الديانات ولا الفسلفات العامة لشعوب الأرض، وكأن قوانين الطبيعة بعلومها البحتة والاجتماعية لا تنطبق علينا.
هذه القضايا، وغيرها، هي ذات أهمية، ولكنها تأتي في اتجاه معاكس للنهضة، وليست في سياق دراستها، والبحث في عواملها وسياقاتها من أجل الحاضر، لذلك تقع في دائرة ال “ما هو”، وليس لرسم طريق الخلاص في مواجهة مشروع، يشعر بالغبطة، ونحن نتلهى بماضينا، نتباكى عليه، ونقف على أطلاله، وكفى.
“مشروع فكري توعوي”
لست ناطقا باسم د. إياد البرغوثي، ولا مفسرا لكتابه، فلا بد من قراءته، والإطلال على زوايا لم أرها بعد، وربما أضيف عليها، وتضيفون أو تحذفون.
ليس هناك فرصة للاستغراق في جلد الذات، أو الاكتفاء بالقول إن هناك مؤامرة، وكأننا مشاهدين لمسلسل تلفزيوني. هذا لن يفيد، سوى باللطم والبكاء. ما يدعو إليه الكاتب هو غير ذلك، هو نقطة البداية، وهي الوعي، والعمل التوعوي.
هذه ليست بالضرورة مهمة جماهيرية واسعة، بل هي مهمة مثقفين أكاديميين ومفكرين مبدعين، لرسم طريق التغيير القادم، وهو قادم ليس بمعنى “الحتمية التاريخية”، بل هي صناعة الإنسان من أجل الإنسان. فهل هذا الكتاب هو الصعود إلى سطح الثنائيات اللفظية، والفعل الفكري الناضج الفاعل؟ وهل هو إعادة الإمساك بالمسبحة من حلقتها الأساس، ولا ننغمس في ترديد الكلمات دون معنى؟ لا أعرف تماماً، فما يتبعه يوضح ذلك.