رواية الجهة السابعة للأسير كميل أبو حنيش

تاريخ النشر: 22/10/21 | 11:08

نادراً ما أقدم قراءة أو إضاءة على أي عمل روائي ، إلا أن هذه الرواية اقتربت مما أشتغل عليه روائياً منذ أربع سنوات ، كميل يسميها الجهة السابعة ، وأنا أسميها ( الضفة الأخرى للحلم أو الوهم ) .
ولضيق الوقت المخصص لقراءتي فسأختصر قدر المستطاع ، علماً بأن رواية الحاسة السابعة تستحق الكثير من الدراسات والنقدية لكي نستطيع الاقتراب مما قدمه كميل أبوحنيش في هذه الرواية .
يقول كميل في الصفحة 14 ( فصار يتعيّن عليك اختراع الجهة السابعة ، كي لا تتلاشى في الغياب الأبدي وأنت على قيد الحياة …. فطيفكَ يهرب من هذا الموت الغريب ، ويبحث عن ذاتٍ تقيهِ من الجهات التي يختنق فيها ، فعثر على ثغرةٍ في زمنه الدائري تُطل به على الجهة السابعة ، جهة الأحلام والأوهام والتأملات ، فتتحوّل مع الوقت إلى عالم بصور وأحداث يختلط فيها الواقع بالخيال ، والحضور مع الغياب والوجود بالعدم )
يأخذنا كميل إلى جهته السابعة تلك ن ليُدخلنا في ثلاثة أبواب :
باب الحب ….. باب الحلم ….. باب الموت
في باب الحب .. تُطل على كميل كل ذكريات طفولته وبدايات تكوينه من الجهة السابعة ، فتُرينا هذه الجهة كل حكايا قلبه وعشقه ، تطل ( أروى ) كملكةٍ متوجة على عرش قلبه ، وتظل تُلح على قلبه ومشاعره ، تطاردهُ وتصبح سقفاً لكل علاقاته أي امرأة ، إذ لا يمكن إلا أن يقارن أي امرأةٍ بها ، ولا يمكن أن تجذبه أي امرأةٍ إلا لسبب أن يكون فيها شيء من أروى … تطل علينا حكايا وصال ومنى وفاتن وحنان ، ولكن تبقى أروى هي لعنة قلبه وروحه .
ويبقى يسأل نفسه ، هل يمكن لمن هو مثله ، لمن نذر روحه وحياته للمقاومة أن يدخل في الحب ؟ ويبحث أحياناً عن سر الانفعالات والحالات التي تصيبه ، حالات تلاشيه وتشتته وضياعه ، وما الذي فعلته به علاقته بأروى ؟ كيف ولماذا يحدث له كل ذلك ؟

ندخل باب الحلم … فنرى أجواء تشكل جيل كامل، وكيف أثّرت الظروف السياسية والوطنية في تشكيل هذا الجيل من خلال أخذنا لكميل كنموذج لكل الذين يمكن تسميتهم ( أبناء الانتفاضة الأولى ) ، أولئك الذين عاشوا وكبروا وساهموا وتشكلوا خلال سنواتها وأشهرها وأيامها الطويلة ، أضف إلى ذلك أن غالبية أبناء الشتات الفلسطيني عاشوا وعايشوا وتأثروا بشكل كبير جداً ، وأثرت الانتفاضة بوعيهم وفكرهم وانتمائهم وشخصياتهم ، من هنا فإنني أجد وجاهة في مقولة ( الإيغال في الخصوصية هي أقصر طريق إلى العالمية ) ، فما رأيناه في جهة كميل السابعة من ظروف أحاطت به وشكلته فكراً ووعياً ومقاومة ، قد ساهمت في تشكيل نسبة كبيرة جداً من الشباب الفلسطيني في جميع بلدان الشتات .
فخصوصية السجن المؤبد هي التي أدت لضرورة اكتشاف الجهة السابعة ، والجهة السابعة هي التي أخذتنا لندخل مع كميل بوابة الحلم ، وبوابة الحلم هي التي رأينا فيها جزء من حياتنا وأفكارنا وأحلامنا وقهرنا ورفضنا وثورتنا ومقاومتنا ، ومنها ، من جهة الحلم رأينا ( الجدة ) أمنا جميعاً وربحي ، والأم التي قدمها كميل بشكل مُدهش عبر علاقتها بالأرض والتراب والأشجار ، تتعامل مع كل شجرةٍ كأنها أنثى ، الأم التي شاركت الماعز حزنها على سخلها ، بمشهدية حساسة ومرهفة ، وبصدق فني وإنساني غاية في الروعة والجمال ، ومعظم شخصيات الرواية تم رسمها بدقةٍ واقتدار ، وبجميع مراحل الرواية ، سواء خلال الانتفاضة الأولى أو ما بعدها أو في الانتفاضة الثانية والاجتياح ، قدم كميل تصويراً تفصيلياً صادقاً ومُقنعاً لكل ما كان يدور في الواقع ، ولكل ما كان يدور في دواخل الشخصيات

باب الموت .. يأخذنا لاقترابات كميل المتعددة من الموت ، خصوصاً في الانتفاضة الثانية التي قدمها كميل بكل تفاصيلها ، وجعلنا نعيش داخل الأحداث ، ترقبها ووجعها ، فصرنا نلهث مع الأحداث ، كأننا مُطاردين معه ومع رفاقه ، نحزن ، نتألم ، نشعر بالفخر والاعتزاز وهو يُعيدنا كقراء لأيام عشنا تفاصيل تفاصيلها ، عشنا قهرها وفخرها ومجدها، عنفوانها وتضحياتها وشهدائها وجرحاها وأسراها ، فقدمت الرواية نوع من التوثيق ، رغم أنني أعتقد أن التوثيق لم يكن غايتها ، قدم كميل الأحداث بنبضها الحي المتدفق ، قدم الأحداث بصدق الحقيقة والإبداع .
أقتبس من الصفحة 204 ( أغاني وأناشيد الثورة التي تُقدس الشهادة والموت في سبيل الوطن ، أُمهات الشهداء وطقوس الوداع ، الاحتفاء بالموت على الطريقة الفلسطينية ، هكذا كان الموت ، فكيف لك أن تخشاه وهو يحيا معنا طوال الوقت كحدث اعتيادي ، استيقظ وعيي ووعي جيلي على صوت الموت الذي يبعث على الاعتزاز )

ثم تأتي مشاهد الأهالي وحماسهم وهم مُلتفون حول المقاومة ، يعطونها كل ما يمتلكون على جميع محاور ومداخل البلدة القديمة ، هذا الكرم النابع من الفقر ، يعكس نُبل الناس وشهامتهم وانتمائهم للمقاومة .
ثم مشهد هدم بيت كميل وموقف الجدة حين خاطبته عبر الهاتف من فوق الدمار ( البيت وكل البيوت فداءً لحذائك )
مشاهد كثيرة قدمها كميل بأسلوب وسرد حي ونابض ، بدون افتعال وبدون فائض لغة ، بل بلغةٍ مُكثفة ومُعبرة ، استطاعت تقديم الشخصيات ورسم المشاهد وتعقب تطور الأحداث باقتدار ، فجاءت حيةً وحيوية وموحية
وقدم كميل في هذه الرواية الكثير من الأسئلة في رحلة بحثه في عوالمه الثلاث ، وتنقل بالزمن من طفولات وعيه إلى جميع مراحل حياته ، كل ذلك وعباءة الأسر المؤبد تظلل كل مراحل الرواية ، وأعتقد أن كميل قد أشار من الجهة السابعة إلى الجهة التي ستأتي منها الحرية حتماً

وفي الختام ن وبكل المحبة أقول أنني شعرت بنوع من التكرار لبعض الأفكار في الباب الأول باب الحب ، وشعرت أيضاً ببطء في إيقاع السرد في نفس الباب ، هذا التكرار لم يكن موجوداً في الباب الثاني باب الحلم ولا في الباب الثالث باب الموت ، وإيقاع هذين البابين كان موفقاً جداً ، بشكل يبقي القارئ مشدوداً ومرتبطاً ولاهثاً مع الأحداث ، ومندغماً مع الشخصيات ..
تقطيع السرد وتقطيع الزمن جاء متناسباً مع دفقات الحب وهذيانات الحلم ، ومع كل ما كان يحضر من الجهة السابعة بكل خصوصياتها ، فجاء سلساً ومبرراً فنياً
الجهة السابعة ، جهة الأحلام والأوهام ، هي جهة كل روح حرة ومتمردة
شكراً كميل أبو حنيش ، متمنياً أن تكمل مشروعك الإبداعي وأنت تتمتع بكامل الحرية خارج السجون
شكراً لمبادرة أسرى مبدعون
شكراً لحضوركم ومشاركتكم
عبد السلام صالح

***مداخلة في أمسية مناقشة الرواية (الأمسية 15) من سلسلة “أسرى يكتبون” في رابطة الكتاب الأردنيين يوم الأربعاء 20.10.2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة