لتتوقف عمليات هدم المنازل ومحاكمة مرتكبيها أمام القضاء الجنائي الدولي

تاريخ النشر: 20/07/21 | 5:49

* المحامي علي أبوهلال

تصاعدت وتيرة عمليات هدم المنازل التي تقوم بها سلطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة هذا العام، في إطار سياسة التطهير العرقي والتهجير القسري التي تمرسها بحق الفلسطينيين، فقد كشف مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في فلسطين (أوتشا)، يوم السبت الماضي 2021-07-17، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قامت بهدم 474 مبنى فلسطينيًا منذ بداية العام الجاري، بما فيها 150 مبنًى موّله المانحون، أو صادرتها أو أجبرت أصحابها على هدمها. وقد أدى ذلك إلى تهجير 656 شخصًا، من بينهم نحو 359 طفلًا، في مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلة”، موضحًا أن هذا يمثل زيادة قدرها 32% في عدد المباني المستهدفة وزيادة تقارب 145% في استهداف المباني المموّلة من المانحين، وارتفاعًا يربو على 70 % في عدد السكان المهجرين، بالمقارنة مع الفترة المقابلة من العام 2020، وفقا لتقرير صادر عن (أوتشا).

وفي شهر نيسان/ ابريل الماضي أصدرت الإدارة المدنية التابعة للاحتلال أوامر هدم منازل تابعة للفلسطينيين أكثر بخمس مرات من أوامر هدم للمستوطنين خلال العام المنصرم وكشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أنه من أصل 187 أمرًا بإزالة مبانٍ جديدة أصدرتها الإدارة المدنية في الضفة الغربية منذ عام 2019 وحتى نهاية عام 2020، صدر 159 أمرًا لفلسطينيين و28 أمرًا فقط للمستوطنين. وتظهر بيانات الإدارة المدنية زيادة كبيرة في عام 2020 في إصدار الأوامر التي تسمح بهدم المباني الجديدة في المنطقة (ج) خلال 96 ساعة دون إمكانية الاستئناف. وقد صدرت معظم الأوامر للفلسطينيين، الذين ما زالوا يجدون صعوبة في الحصول على تصاريح البناء. جاء ذلك بحسب معطيات الإدارة رداً على طلب بالحصول على المعلومات المقدم من المحامي كيمر مشركي من منظمة هيكل ومنظمة المخططين “بمكوم”.

في حين كشفت معطيات لمركز حقوق الإنسان الإسرائيلي” بتسيلم” عن سياسة التصعيد الإسرائيلية في هدم منازل الفلسطينيين منذ مطلع العام الماضي 2020، لافتًا الى أن الاحتلال هدم 218 منزلًا خلال 10 أشهر وبشكل متصاعد دون مراعاة او اهتمام بالقانون الدولي والمواثيق الدولية، وأكد المركز ان نسبة هدم المنازل الفلسطينية ارتفعت الى أكثر من 200٪ خلال العام الماضي 2020. وأشار ان عدد الفلسطينيّين الذين فقدوا منازلهم هذا العام في الضفة الغربيّة بما فيها شرقيّ القدس، تفوق العدد السنويّ لكلّ عام منذ 2016 الذي سجّل في حينه رقماً قياسيّاً نسبة لما قبله. وبلغت حصيلة سياسات الهدم الإسرائيلية في الأشهر العشرة الأولى من هذا العام، 218 منزلاً فلسطينيّاً و798 مشرّداً بضمنهم 404 قاصرين. وللمقارنة: ففي العام 2019 شرّدت إسرائيل 677 فلسطينيّاً وفي العام 2018 شرّدت 397 أخرين، و521 فلسطينيّاً في العام 2017. وذكر المركز أن المباني والمرافق غير السكنيّة التي هدمتها إسرائيل خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2020 فقد بلغ عددها 301 منزلاً، تشمل مرافق لاحتياجات إنسانية كالآبار وخطوط المياه وشبكة الكهرباء وكلّها ضروريّة للحفاظ على صحّة السكّان ولصرف المياه العادمة، خاصّة في فترة تفشّي الوباء.”

هدم المنازل هو إجراء إداري يُطبّق دون محاكمة ودون الحاجة إلى إظهار أدلّة أيًّا كانت وذلك استنادًا إلى المادّة 119 من تعليمات الدفاع (أوقات الطوارئ) التي أصدرها الانتداب البريطاني عام 1945. بعد تسليم أمر الهدم للأسرة يمكنها تقديم اعتراض أمام القائد العسكري خلال 48 ساعة. في قرار محكمة العدل العليا من العام 1989، حكمت المحكمة أنّه عند رفض الاعتراض يجب إتاحة الفرصة أمام العائلة لتقدّم التماسًا لمحكمة العدل العليا، قبل تنفيذ الهدم. على مرّ السنين تمّ تقديم عشرات الالتماسات ضدّ هدم المنازل وطُرحت فيها حجج مبدئية تطعن في قانونيّة هذه الوسيلة ولكنّ محكمة العدل العليا رفضت تلك الإلتماسات.

تصنف سلطات الاحتلال الإسرائيلية هدم المنازل إلى أربعة أنواع هي:

1. الهدم العسكري: وهو هدم البيوت على يد الجيش الاحتلال الإسرائيلي لأسباب عسكرية (بذريعة حماية الجنود والمستوطنات)، مع أن معظم سكان هذه المنازل أبرياء، ولكنها تبرر هذه الأعمال تحت مسمى “أهداف عسكرية قانونية، وهو سائد في كافة أنحاء الضفة الغربية ومناطق (ج).

2. الهدم العقابي: وهو هدم منازل العائلات الفلسطينية على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي بذريعة تنفيذ أبنائهم عمليات عسكرية ضد الإسرائيليين. وهذا النوع من الهدم ليس له أي أهداف عسكرية. وبالعودة إلى معاهدة جنيف الرابعة المادة (33): لا يجوز معاقبة أي شخص محمي، ضد جريمة لم يرتكبها شخصيا، وبالتالي فإن “الهدم العقابي” يعارض النظام الأساسي لهذه المعاهدة والمادة (50) من قرارات “لائحة لاهاي”.

3. الهدم الإداري: وهو الأكثر شيوعاً، وينفذ هذا القرار بذريعة البناء دون الحصول على ترخيص، أو بذريعة المصلحة العامة، وتكمن السهولة في إصدار القرار الإداري للهدم بالاكتفاء بإصدار مهندس بلدية القدس المحتلة بلاغًا بهذه الحالات، في حين يقوم رئيس البلدية بدوره بالتوقيع عليه، مع أن “البناء بدون تراخيص” يجري أيضًا في المستوطنات بكثرة.

4. الهدم القضائي: هو عبارة عن قرار قضائي يصدر عن المحاكم الإسرائيلية، ومنها: محكمة الشؤون المحلية، والمحكمة المركزية، والمحكمة العليا. ويأتي قرار الهدم القضائي عادة بعد الانتهاء من الإجراءات والقرارات الإدارية الصادرة عن بلدية القدس. وبموجب المادة 212، يحصل المسؤولون على أمر الهدم القضائي برفع دعوى ضد “المالك المجهول”.

تعتبر سياسة هدم منازل المواطنين من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي أحد أبرز الممارسات اللا انسانية، والتي بدأت منذ أن احتلت اسرائيل الأراضي الفلسطينية سنة 1967 كنمط من انماط العقوبات الجماعية. انتهجت سياسة هدم المنازل بحجج مختلفة، منها: الذرائع الأمنية، أو بدعوى البناء دون ترخيص، أو لمخالفتها سياسة سلطات الاحتلال الاسرائيلية للإسكان او قرب هذه المنازل من المستوطنات أو لوقوعها بمحاذاة الطرق الالتفافية.. الخ. ما زالت سياسة الهدم تتواصل يوميا رغم المناشدات الدولية الداعية اسرائيل الى وقف سياسة هدم المنازل. فدعت السيدة فرحة ليلاني مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالسكن اللائق إلى “أن استخدام هدم المنازل كإجراء عقابي هو ببساطة شكل من أشكال العقاب الجماعي خلافا للقانون الدولي. وانه يجب على إسرائيل حالا وقف استخدامها لهذه الممارسة المدمرة”.

في العام 2004، دعا مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة اسرائيل لوقف هدم المنازل الفلسطينية وفقا لقرار رقم 1544/2004، حيث نص القرار على أن مجلس الأمن دعا اسرائيل الى احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي الانساني ولا سيما الالتزام بعدم القيام بهدم المنازل خلافا لهذا القانون.

هدم المنازل والممتلكات العائدة للمواطنين الفلسطينيين، تندرج تحت سياسة التطهير العرقي وتعتبر مخالفة جسيمة لنص المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تحرم تدمير الممتلكات أيا كانت ثابتة أو منقولة.. الخ، وانتهاكاً صارخاً لنص المادة 17 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر بتاريخ 10/12/1948 والتي تنص على أنه “لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً “لذا، إن ما تقوم به حكومة الاحتلال من هدم لمنازل وممتلكات المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وما يترتب عليه من آثار سلبية يعد انتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي الانساني، وتهدف إلى تشريد المواطنين الفلسطينيين من اراضيهم وتهجيرهم وحرمانهم من حقهم في العيش بأمن واستقرار، كما تؤدي سياسة إلغاء الإقامات إلى تهجير الفلسطينيين قسريًا من القدس، وهو ما يعدُّ جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية بموجب “اتفاقية روما” الناظمة لمحكمة الجنايات الدولية، وانتهاك جسيم لاتفاقية جنيف الرابعة. وعلى المجتمع الدولي الضغط على حكومة الاحتلال لوقف هذه الجرائم، كما يقتضي ملاحقة مرتكبيها ومحاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، والقضاء الجنائي الدولي حتى لا يفلت هؤلاء من العقاب.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة