أوراق انتخابية (3)

تاريخ النشر: 20/10/18 | 20:14

■”التبعية” والعائلية وما بينهما ■ كيف نتحرر من التفكير الضيق
لا يوجد ادنى شك بأن انتخابات السلطات المحلية في المجتمع العربي ، كانت وما زالت تعمل على تقديس العائليه بالإنتخابات المحليه وتُكَرَّس جُلَّ اهتمامها لتقديم المصلحة الضيقة على المصلحة العامه ، وتعتمد على الزعامات التقليدية ، التي لم تتغير غير أنها خضعت لتعديل بسيط من عمليات التجميل على المظهر الخارجي فقط ، لتطلّ علينا بزي كأنه زِيٌّ عصري غربي مغايِّر .

إن في حقيقة الامر أنه لم يحدث تغيير نوعي على ارض الواقع ، بل اقتصر على استبدال ديوان المختار التقليدي بلافتة كتب عليه “هنا البلدية” وفي “لوك” مختلف .

هذه حقيقتنا وستبقى ، ما دمنا نقدس المرشح الحمائلي ونعتبره رمزًا مقدسًا نجري ورائه دون حرج أو نقوم بصناعته أو تلميعه .

وللحقيقة ، فإنه لن نتغير حتى لو زينّا الانتخابات برداء حزبي نخدع به الناخب “البسيط” ، وفي حقيقته مبني على اساس عائلي بحت .

نعم نحن ما زلنا نعيش عهد المخاتير الجدد وننتهج في الانتخابات نمطاً ديموقراطيًا صوريًا وشكلياً ، يعتمد على أساس حمائلي عائلي ، يحظى بمباركة ودعم من الجميع ونحن ندري أو لا ندري ، ويصنع مهزلة أخلاقية في صناعة قيادة واعية قوية بعيدة عن العائله الضيقة .

لقد آن الأوان لنرتقي بتفكيرنا وسلوكنا ، لنحذُوَ حذوَ المجتمعات الراقية ونختار الشخص الذي نراه مناسبًا وفق برنامج واجندة انتخابية يطرحها ونقيِّمه ونحاسبه بناءً على انجازاته وادائه وقدراته .

نعم نحاسبه بناءً على انجازاته وادائه ، ولنقل له اذا كان مخيبًا لآمال وطموحات المواطن الفحماوي ؛
” يعطيك العافية” ..
ترجّل فنحن لسنا حقلًا لتجارب أكثر ..
واذا كان ناجحًا فانجازاته تقيّمه وليس اغاني التمجيد الحماسيّة التي تلهب العواطف وتثير المشاعر وتخلق جواً عسكريا أكثر منه تعميريا في بلد يحوي الجميع .

وهنا لا بد من التوقف والإشارة إلى كثرة الانشودات الانتخابية لبعض المرشحين تمجدهم وترفع من شأنهم، وبهذا لا نختلف نحن عن الشعوب العربية التي نقلنا عنهم هذا النمط الانتخابي نمجِّد فيه الزعيم وكأنه المنقذ المنتظر ، حتى لو كان فاشلًا بادائه أو أنه خارج دائرة البثّ .

وبين هذا وذاك ، فلا بد من الإشارة ايضًا الى ظاهرة سلبية قد طغّت وبشدّة على المجتمع العربي عندنا حيث نلاحظ ان الكثير من رؤساء السلطات المحلية والذين ثبت فشلهم بشهادة مؤيديهم يعاودون الكرّة ويترشحون لدورات انتخابية ثانية وثالثة وحتى رابعة ، والمثير للاستغراب انهم يحظون بتأييد من عكف على انتقادهم وكشف تقصيرهم خلال الفترة الرئاسية “الآيلة على الغروب”، ويبدو أنهم يتحركون وفق المقولة ” الغايّة تبرر الوسيلة” ، والإغراءات تجُبُّ ما قبلها ، وهكذا ينجح المرشحون في إعداد الطُّعم المناسب لصيد السمك .

“اجا الوقت” أن نفكر خارج الصندوق ، إذا كنا فعلا على قدر كاف من الوعي وخارج حالة التخدير التي يمارسونها علينا ، وان نتمرد على إملاءات المنتفعين وأن نفكر بمصلحتنا العامة والإتجاه الذي يسير إليه بلدنا ومستقبل أولادنا .

آن الأوان أن يتمرد حتى المرشح المنتخب على اوامر عائلته العليا و”استحقاقاتها !!” الانتخابية واعتبارها غير ملزمة له ، بل إعلان العصيان والعمل وفق ما يصب بالمصلحة العامة .

لا ضَير اذا اقدم الرئيس المنتخب على اغلاق باب مكتبه ، وليعلن للجمهور بكل ثقة وحزم ، انه لن يترشح لفترة رئاسية ثانية ، كي يتسنى له التحرر من كل الالتزامات الانتخابية الشخصية أو الفئوية المتوقعة ، وانه جاء ليعمل للمصلحة العامة ولتحسين جودة حياة المواطنين بعيدا عن “الأنا” الضيقه .

الاعلان عن قرار بعدم الترشح مرة أخرى يتيح له المجال لفك كل محاولة استغلال مستقبلية والتحرر من كل ارتباط يرغمه على التصرف لإرضاء هذا الطرف أو ذاك ، وهو بطولة لا يجرؤ عليها الضعفاء ،

وقد يحظى بمؤازرة أعضاء المجلس البلدي/المحلي المنتخبين، وعليه ان لا يخشى من محاولة أحدهم ابتزازه وان حدث ذلك فليترك التقييم للجمهور في هذه المسألة . والجمهور ليس ساذجًا سيقف معه حتمًا اذا اقتنع بأن وجهة رئيسهم المصلحة العامّة وعدم الرضوخ للمصالح الفردية -الفئوية الضيقة.
وقد يحدث أن يهدده الأعضاء بعدم التصويت للمصادقة على المشاريع والاهم على الميزانية السنوية ، وعليه أن لا يتراجع إزاء تهديد من هذا القبيل ، فبهذا التهديد تكمن مصلحة ثمينة له ، وان استمرت وتكررت تُقدم وزارة الداخلية بعد الفحص والتحقيق بأصدار أمر يقضي بإقالة أعضاء المجلس البلدي وابقاء الرئيس بمنصبه وتعيين أعضاء جدد من خارج البلدة يعملون معه وفق ما يتطلبه القانون. وهذا حدث في سلطات محلية كثيرة في البلاد حيث تحررت يدا الرئيس المنتخب للعمل بحرية دون الخوف من الابتزاز والاستحقاقات الانتخابية الضيقة ، وهذا الامر يمنحه الصلاحية المطلقة للعمل على هيكلة المبنى التنظيمي بما يتناسب مع متطلبات الوضع القائم ووفق معايير وزارتي الداخلية والمالية ، وفي الوقت ذاته العمل على تحديث وتفعيل الجهاز الإداري حسب تعليمات وزارة الداخلية ومراقبتها وخاصة مع وجود المحاسب المرافق الذي هو بمثابة صمام الأمان للإدارة المالية السليمة.

مقياس نجاح رؤساء سلطاتنا المحلية ليس عدد الامتار التي قاموا بتزفيتها أو سيقومون على تزفيتها ، بل على أقل تقدير هو حجم أماكن العمل التي تم توفيرها لابناء هذ البلد ، ثم ألف ألف شيء لا يقل أهميه عن ذلك ، بل يزيد ..
كتب سعيد بدران .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة