قراءة في قصة “بِساطُ الرِّيح وَالدَّواءُ العَجيب” للأديب سليم نفّاع – بقلم: خالديّة أبو جبل

تاريخ النشر: 12/11/20 | 10:59

قراءة في قصة بِساطُ الرِّيح وَالدَّواءُ العَجيب بقلم: خالدية أبو جبل.
تأليف: الكاتب سليم نفاع، رسوم: فارس قره بيت، أصدار: أ، دار الهدى
ع، زحالقة، قصة للأطفال تقع في 26 صفحة.

العنوان: عنوان ورسم غلاف يُهيئان الطفل ما قبل النص ليتوقع كل ما بذهنه من خلاله.
مدخل القصة: مدخل جميل مريح، بعيد عن العنوان، وبعيد عن بداية القصص التقليدية، كان يا ما كان، والتي اتبعت إعطاء الشكل المتواضع للبيت، الاب المنهك، والام التي تعقد مريول مطبخها، صورة على الغالب ما تبعث في نفس الطفل الحزن والشفقة.
جاء المدخل صورة جميلة مملؤة بالحياة عن بيت يسكنه الحب والدفء مما يوحي للطفل انه أمام نص سعيد ومريح.

بيت يتسلح بالعلم، فالأب طبيب والأم معلمة، النتيجة رُقي في مستوى المعيشة اجتماعيا اقتصاديًا وثقافيًا، فمن البديهي ان يكون رائد ذكيًا.
وهنا يُخاطب الكاتب حلم كل طفل بالأمان والاستقرار.
أمّا الدلالة المباشرة لاختيار الكاتب هاتين المهنتين، فهما المهنتان الاكثر مواجهة للوباء وتضررا منه، بحكم طبيعة عملهما.
حُزن الاب الكبير ومشاركته لابنه في الحديث عن مشاق العمل وخطورة الوباء الذي بات كابوسًا يقض مضجع الناس والتفكير في إيجاد الحل.
مهارةٌ من الكاتب للدلالة على أسلوب التربية السليم بتعزيز روح الانتماء في الطفل لمجتمعه، من خلال حمل هموم هذا المجتمع بمسؤولية وحب.
….
ص5
تضافر الجهود لخلق جو يبعث على الامل، فالأم تأخذ دورها في إبعاد شبح الوباء عن ابنها ليس بالوقاية البدنية فحسب، بل بالوقاية النفسية، فتجعل ابنها يُحلق في عالم الخيال بسردها الماتع له قصة بساط الريح، فيستحضر الصورة في ذهنه بأدق تفاصيلها حتى ظنّ ان الخيال حقيقة.
وهذه لفتة مذهلة للكاتب الذي استطاع أن يجمع ما بين الماضي والحاضر، مستغلا محبة الطفل لذلك الماضي.
…..

ص7
عودة رائد لسؤال والده وباهتمام، عن رأيه في اكتشاف دواء لهذا الوباء
دليل هام على نضوج الوعي بالمسؤولية وإدراك ماهية الخطر المحدق بالناس، واتخاذ القرار بأن لا يقف مكتوف الايدي.
أما إجابة أباه بالإيجاب والشرح، فهي دليل على احترام توجه ابنه وتقديره وتبني موقفه، وعدم الاستهزاء من قدراته كطفل.
كل هذا يُعزّز الثقة بالنفس، ويبني شخصية قيادية مسؤولة ذات قرار سليم، بعيدة عن الاتكالية والخمول.
كما ويُظهر الرسم المقابل للنص، مدى قوة الاتصال البصري بين الأب وابنه خلال الحوار، وهو أساس الاحترام والتفاهم.
….
ص9
يشغل الموضوع الحيّز الكبير من ذهن رائد، يقف مهموما على الشرفة، ينطلق ببصرِ وبصيرةِ الطفل القادرة على تحقيق المستحيلات بالخيال الجامح والحلم
وهنا تبدأ المرحلة الأجمل بالنسبة للطفل الفارس عاشق الخيال والفضاء، وعاشق شخصيات الحكايات التي تُذلّل المستحيل، ويكون النداء بأعذب ما يكون على لسان الحمامة (حمامة بيضاء، الحلم النقي): يا رائد الافكار، يا كاشف الأسرار – تعزيز للذات وقدراتها والزهو بها.
فما أروع أن يتصور كل طفل نفسه أنه المُنادى –
أنت الأخ والصديق، إعطاء الشعور بالأمان والطمأنينة
أكثر حاجات الطفل ضرورة لقبول الصداقة وكسب الثقة
ستُفرج الأحوال في العاجل القريب، التأكيد على وجود الأمل والحل، عنصرٌ آخر هام للإقناع ودعمٌ للإصرار على بدء الرحلة.
…..
ص 11
بدء الرحلة باكتمال طقوسها الماتعة، حمامة بيضاء، منديل صغير، يتحول لبساط ريح زاهي الألوان (عالم من السحر) ونداء آخر أشبه بالأغنية، يرغب الطفل بتلبية النداء، ويعطي المتعة للطفل المتلقي في الاستماع والانجذاب وحفظ الكلمات، لجمال السجع والنغم فيها. (يا رائد الافكار، يا كاشف الأسرار، أنت الأخ والصديق، تعال معي على بساط الريح، فالطقس بديع والجو ربيع).
أيضا العودة على تكرار هذه الصفات تذوتها في نفس الطفل ليقوى اعتداده واعتزازه بنفسه.
……..
ص13
انبهر رائد وخاف.. إعطاء الحق الشرعي لرائد في الخوف.. يُسعد الطفل ويعلمه ان لا خطأ ولا عيب بالخوف وهو طبيعي لكل البشر.

من ناحية أخرى هذا الخوف نفسه كان عاملا مشوقا للركض الى ما بعد الخوف.
أما طمأنة الحمامة لرائد، تجعل الأمر أكثر تشويقا حيث استعمل الكاتب التسويف على لسان الحمامة سنغزو، سنجد…، مما يجعل الطفل ينتظر ويتلهف للقادم
ولا ضرر إن بقي بعض خوف وشك في نفس رائد، ليستفهم: هل يعقل أن نجد الدواء لهذا الداء الذي أعجز العلماء؟
وبحجم السؤال تكون الإجابة مشجعة: ستفاجئ والديك والبشرية جمعاء. إجابة تحمل الدعم والفخر والثقة بالنصر.
.(تعلو أنفاس الطفل ترقبا وسرورًا)
……..
ص 15_16
نصا وصورة يشُدا خيال الطفل وتلهفه ليتابع بصمت صاخب وتحفز.
وصف بساط الريح وهو يسرع ويعلو فوق البحار والمحيطات، ليجد نفسه بين النجوم والكواكب، ليأت الحوار في آخر النص هادئًا يمتص بعضا من خوف الطفل ورهبته، ويعيده الى توازنه وشغفه، وثقته بنفسه.
(أليس كذلك يا رائد الفضاء؟) في كل طفل فينا رائد فضاء، ولم يكن إطلاق اسم رائد على بطل قصتنا عبثُا.
هذا الدور الذي قامت به الحمامة منذ بداية القصة، من دعم وتشجيع، هو ما يحتاجه كل طفل بل كل إنسان منا مهما بلغ من العمر.
…..
ص 17
فقط بمثل هذه الإرادة وهذا الدعم استطاع رائد والحمامة لقاء حراس المجرة والإجابة على أسئلتهم بثقة واحترام وبلا خوف.
…….
ص 19،21
التوجه السليم يلقى ردا سليما محترما ويصل بالإنسان الى مبتغاه. استقبال حراس المجرة للحمامة ورائد وإرشادهم الى التعقيم واتخاذ سبل الوقاية، كانت لفتة من الكاتب لتوجيه الاطفال للالتزام بسبل الوقاية في ظروف الوباء،
هذا التوجه اللطيف أوصل برائد لاكتمال مركبات الحلم.
(حمامة بيضاء، بساط الريح، وطالما وُجد مصباح علاء الدين، فلا بد من علاء الدين نفسه، بزيّه المزركش، وعمامته الكبيرة وابتسامته الكبيرة وقصره في الفضاء)، ليسافر الطفل مع أحلامه بعيدًا مستحضرًا الماضي للحاضر ليستخلص منهما أملاً للمستقبل.
……

ص23
بعد حسن الضيافة وعرض طلبهما بلباقة وإقناع، واستجابة الامير علاء الدين لهما، وتكليفه للعلماء بتحضير الدواء، يُفاجئنا الكاتب بغصن زيتون حملتها الحمامة في منقارها، ليربط الواقع بالحلم من جهة الارض والفضاء، ويُثبت ان لا شيء مستحيل
وبعيد المنال، ومن ناحية أخرى يُضيف دلالة رمزية روحية، تشغل حيزا كبيرا في معتقداتنا الدينية السماوية.
،(حمامة نوح والطوفان، ورمزها للسلام)
والدلالة الأكثر عمقا هي قوة الانتماء لهذه الارض الفلسطينية التي أنبتت الزيتون الذي وُصف دواء لكل داء، فما كان لدواء أن يُعد حتى لو كان في الفضاء بدون الزيتون الذي وُعد بالبقاء وأقسم به رب السماء.
.(ولو سافرت هذه القصة البلاد لعرف القارئ ان كاتبها فلسطيني)
…..
ص25
جاءت النهاية التي عاش بانتظارها الطفل، طيلة رحلة خيالية تعلو أنفاسه وتهبط توافقا مع الحدث والصورة، كما توقعها وأجمل، فكانت جائزته الدواء لشفاء البشر حاليا، والجائزة الأكبر ما حملته يمناه، كتاب، رمز وملمح ذكي قدمه الكاتب بمهارة فائقة وهو ان لا طريق امامنا إلا طريق العلم، وأننا في زمن آن فيه الأوان ليقول العلم كلمته، بعيدا عن الغيبيات والاتكالية والخمول.

….. …….. ………

بساط الريح والدواء العجيب

قصة جميلة تماهى فيها الرسم الجميل مع النص بشكل رائع، واختيار الالوان البهيجة، نوع الورق وجاذبية الغلاف، كلها جاءت متناسقة تُرغب الطفل في تقليب صفحاتها وقراءتها.
كُتبت بلغة سهلة وراقية تناسب إدراك الطفل وتثري كنزه اللغوي، مُنسابة بعذوبة لها رنة موسيقية جذابة خاصة عند استعمال الكاتب السجع.
…..
قصة حملت قيما أخلاقية عالية، البيت الدافئ المُحب المحاور، الاحترام، تحمل المسؤولية، مشاركة الناس همهم، مواجهة المواقف والبحث عن الحلول،
الانتماء للمجتمع وللوطن، كل هذا وأكثر من خلال مواقف ومحطات وحوار لطيف، بعيدا عن التلقين والامر والنهي.
…….

ملاحظة هامة: ساورني شك ان بساط الريح ومصباح علاء الدين وعلاء الدين نفسه، ليسوا في مجال معرفة أطفالنا اليوم، فقمت بقراءة القصة لأطفال من عدة أجيال، 4,5,7,10 فوجئت بأنهم جميعا تجمعهم علاقة ود ومحبة معهم.
ملاحظة أخرى: عدم ذكر الكورونا في القصة أمرا إيجابيا، لتكون القصة صالحة
لكل زمان ومكان، وعدم ذكرها جعل الطفل يستنتج أن الحديث عن الكورونا في هذه المرحلة التي نعيشها.
………
بالطبع كل ما ورد هو رأي قارئة فحسب، مع احترامي وتقديري الكبيرين للأستاذ سليم نفاع حامل هذه الامانة الثمينة والرسالة المقدسة المساهمة ببناء جيل فعّال
لَبِّنة صالحة لمجتمع صالح.

سليم نفّاع

خالديّة أبو جبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة