معاوية وحبه للشعر

تاريخ النشر: 19/02/18 | 13:38

رأى معاوية في الشعر ديوانًا للمناقب والفضائل، فهو حافظ آثارهم، وسجل مآثرهم، فقال في الحث على تعلمه:
“اجعلوا الشعر أكبر همِّكم، وأكثر دأبكم”- (ابن رشيق: العمدة ج1، ص 15)،
فإن فيه “مآثر أسلافكم ومواضع إرشادكم”- (المبرد: الكامل في اللغة والأدب، ج2 ، ص 379).
كان معاوية يرى في الشعر خير وسيلة لتقويم الخلق وصلاح الإنسان.
بعث زياد بن أبيه بولده إليه، فوجده معاوية عالمًا، فلما ألفاه لا يحفظ الشعر كتب لزياد:
“ما منعك أن تروّيَه الشعر، فوالله إن كان العاقّ ليرويه فيبَـرّ، وإن كان البخيل ليرويه فيسخو، وإن كان الجبان ليرويه فيقاتل”.
(ابن عبد ربه: العقد الفريد، ج5، ص 274)
فكان من رأي معاوية:
“يجب على الرجل تأديب ولده، والشعر أعلى مراتب الأدب” ( ابن رشيق: العمدة. م.س، ص 15).

إن له رؤية خاصة في الشعر، فهو يتحفظ من الهجاء والمديح والفحش، ويرى أن الشعر يجب أن يكون تأديبيًا وتربية وخلقًا:
“ولكن افخر بمآثر قومك، وقل من الأمثال ما توقِّر به نفسك، وتؤدِّب به غيرك”.
(ن.م، ص 281 ، وفي كتاب البيهقي:
“وقال معاوية بن أبي سفيان لعبد الرحمن بن الحكم: يا ابن أخي إنك قد لهجت بالشعر فإياك والتشبيب فتهجن به كريمًا، والهجاء فتثير به لئيمًا، وإياك والمدح فإنه كسب الخسيس، ولكن افخر بمآثر قومك، وقل من الأمثال ما تزين به نفسك وتؤدب به غيرك”- المحاسن والمساوئ- مادة ذكر من كره الشعر، ج1، ص 187- عن الشبكة)
وكنت قرأت في مختارات سليمان العيسى الشعرية أن الحارث بن نوفل دخل بابنه على معاوية، فسأله: ما علمت ابنك؟
قال: القرآن والفرائض.
قال: روِّه من فصيح الشعر، فإنه يفتح العقل، ويفصح المنطق، ويطلق اللسان، ويدل على المروءة والشجاعة، ولقد رأيتُني ليلة صِفّين وما يحبسني عن الفِرار إلا أبيات عمرو بن الإطنابة، حيث يقول:
أبت لي عِفّتي وأبى بلائي *** وأخذي الحمدَ بالثمن الربيحِ
وإِقْدامِي على المَكْرُوهِ نَفْسِي *** وضَرْبِي هامَةَ البَطَلِ المُشِيحِ
وَقَوْلِي كلَّما جَشَأَتْ وجاشَتْ *** مَكانَكِ، تُحْمَدِي أَو تَسْتَرِيحِي
لأُكْسِبَها مآثِرَ صالِحات *** وأَحْمِي بَعْدُ عن عِرْضٍ صَحِيحِ
بِذِي شُطَب كمِثْلِ المِلْحِ صافٍ *** ونَفْسٍ ما تَقِرُّ على القَبيحِ

(من كتاب سليمان العيسى: حب وبطولة، ص 48- نقلاً عن العسكري: ديوان المعاني؛ وفي روايات أخرى- الذهبي: سير أعلام النبلاء- معاوية بن أبي سفيان، ج3، ص 143؛ المبرد: الكامل ج2، ص 380).

ولا غرو في ذلك؛ فقد كان معاوية من الفصحاء الخطباء، الذين يُشار إليهم بالبنان، ذكره الجاحظ في البلغاء. (البيان والتبيين، ج1، ص 314)

كان معاوية يحب الشعر وإلقاءه.
روي أن معاوية بن أبي سفيان لما حُمِل إليه هُدْبة بن خَشْرَم، وكان قتل زيادة بن زيد – سأله: ماذا تقول؟
فقال هدبة: أتحب أن يكون الجواب شعرًا أم نثرًا؟
قال معاوية: بل شعرًا ؛ فأنشد هدبة ارتجالاً:
ألا يا لقومي للنوائب والدهرِ *** وللمرء يُردي نفسه وهو لا يدري

(الأغاني- ج21، ص 267- دار الفكر)

وهكذا يؤمن معاوية – كما نرى في الآراء النقدية المعاصرة – أن الأدب عامة، والشعر خاصة فنٌّ يجمع بين المتعة والفائدة.
من الجدير ذكره أن لمعاوية أشعارًا متفرقة تدل على هذا الاهتمام بالشعر، وتنم عن ذوقه:
وهو على رأي ابن رشيق “لائق به”، دالٌّ على صحة من رواه-:
إِذَا لَمْ أَجُدْ بِالحِلْمِ مِنِّي عَلَيْكُمُ *** فَمَنْ ذَا الَّذِي بَعْدِي يُؤَمَّلُ لِلحِلْمِ
خُذِيهَا هَنِيئًا وَاذْكُرِي فِعْلَ مَاجِدٍ *** حَبَاكِ عَلَى حَرْبِ العَدَاوَةِ بِالسَّلْمِ
فقدت سفاهتي، وأزحت غَـيّي *** وفيَّ على تحلُّميَ اعتراضُ
على أني أجيب إذا دعتني *** إلى حاجاتها الحَدَقُ المِراضُ
(العمدة، ص 22)
وقوله:
كَأَنَّ الجَبَانَ يَرَى أَنَّهُ *** يُدَافِعُ عَنْهُ الفِرَارُ الأَجَلْ
فَقَدْ تُدْرِكُ الحَادِثَاتُ الجَبَانَ **** وَيَسْلَمُ مِنْهَا الشُّجَاعُ البَطَلْ
( ابن عبد البَرّ: بهجة المجالس، ج1، ص 104 – عن الشبكة).

وحتى قبيل موته قال بيتًا من قصيدة أبي ذؤيب الهذلي ليظهر نفسه قويًا يتجلد:
وتجلّدي للشامتين أريهمُ * أني لريب الدهر لا أتضعضع

ب. فاروق مواسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة