كلامٌ منثورٌ إليها

تاريخ النشر: 22/03/14 | 1:18

ماذا نقولُ؟

والأمُّ أوسعُ من لُغاتِنا، وأعمقُ من أحلامِنا، وأدفأُ من هديلِ الحمام.

ماذا نقولُ؟

والأمُّ أرضُنا وسماؤُنا، والرّمشُ الذي يحرسُ الطفلَ الذي فينا، والقطنُ الذي يمسحُ جرحَنا، بيدينِ من ماءِ الينابيع وريشِ العصافير ونَوْلِ الغَمام.

ماذا نقولُ؟

واللسانُ لسانُها.

وهي الزقاقُ العتيقُ، السائرُ فينا مثلَ الوريدِ، من قلبٍ إلى بيتٍ إلى جرَّةِ زيت.

هي في القرِّ نارٌ تداعبُنا، في الربيعِ ربيعٌ سرمديٌ، في القيظِ بردٌ طفيفٌ،

وعلى الأرض السلام.

ماذا نقولُ؟

والأمُّ خبزٌ كَفافٌ يمتصُّنا كحنينِ الشاعرِ المرتَحِلِ إلى كوكتيلِ الروائحِ في طابونِها.

ماذا نقولُ؟

والأمُّ دربُ الحليبِ إلى الثغورِ وبداياتِنا ونهاياتِنا، وخيمةُ الرحمنِ على هذا العالمِ المزركش بالقسوةِ والحُطام.

ماذا نقولُ؟

و"الأمُّ مدرسةٌ" وروضٌ وجامعةٌ، والطريقُ إلى التينِِ واللوزِ وإلى روما وما شئتَ من العواصمِ، وسلَّمُ الصعودِ إلى النجومِ وأكثر.

فلا تُكذِّبوا آلاءَها.

الله أكبر.

ماذا نقولُ؟

وهي تمشي، مثلَ الحفيفِ الرهيفِ، على حريرِ رِجليْها، كي لا تعكِّرَ صفوَ الشبابيكِ والعيون.

وحين تبسمُ، بين غمازَتيْنِِ، تخضَرُّ الطريقُ وتتّسعُ الدنيا فوقَ طاقتِها.

وحين تذرفُ دمعةً يعجزُ كلُّ الكلامِ عن الكلام.

ماذا نقولُ؟

والأمُّ دائرةٌ علينا، مثلَ فراشةٍ، على ضوءِ اليراعةِ، كي لا تعكِّرَ ظلاً يظللُّننا.

ثمَّ ترسمُ قبلةً على خدٍّ، كالرفيفِ، كالمطرِ الخفيفِ، كنسمةٍ تعانقُ نصبَ إلهٍ قديمٍ من رخام.

ماذا نقولُ؟

والأمُّ، في الصباحِ، تفتحُ الصباحَ على مصراعَيْه:

"صباحُ الخير يا سَنَدي"

"صباحُ الخير يا كَبِدي"

فيرجع الآتي إلينا، ويأتي الوراءُ إلى الأمام.

في المساءِ، تفتحُ علينا أبوابَ السماءِ،

تنفخُ الأنفاسَ فينا بأنفاسِها، وترشُّ طعمَ العناقيدِ البيضِ على طيبِ اللقاءِ وحُسنِ الخِتام.

ماذا نقولُ لأمِّنا؟

لا نقولُ شيئا.

هو اللهُ، الذي لا تأخذُهُ سِنَةٌ من النومِ، رآها، فارتاحَ على أبنائِه وبناتِه،

ثم نام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة