أُدَمْوِزُكِ وَتَتَعَشْتَرِين
تاريخ النشر: 19/04/17 | 15:15قرأتُ ديوان ” أدموزك وتتعشتَرين ” للشاعرة آمال عواد رضوان من عبلين الجليليّة الصادر عن دار الوسط اليوم للإعلام والنشر وهو يحوي في طيّاتِه خمسون قصيدة في 150 صفحةً، ولوحةُ الغلافِ من رسمِ الفنانِ الفلسطيني محمد شريف .
آمال شاعرة وكاتبة ، ولها إصدارات عدة ، في الشعر : بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّج، سلامي لك مطرًا، رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقود وغيرها، وفي الدراسات الثقافيّة في الداخل الفلسطيني : كتاب رؤى/مقالاتٌ اجتماعية ثقافية من مشاهد الحياة، نوارس مِن البحر البعيد القريب/المشهد الشّعريّ الجديد في فلسطين المحتلة 1948 وغيرها.
وجهتي في القراءة الأدبية هي ليست وجهةٌ علميةٌ مدروسةٌ، بل بموجب المدرسة الانطباعية، بمنظار القارئ العادي وانطباعاتِه حول ما يقرأ وهو بنظري جمهور الهدف للكاتب والمتلقّي لتلك الكتابة ومن حقّه، إن لم يكن من واجبه، إبداء رأيه ووجهته حال قراءة ديوان شعري أو أية نص أدبي.
أعجبت بالديوان من أول قراءةٍ، وليس من أول نظرةٍ، لموضوعه وأسلوبه رغمًا عن ديباجته وشكله.
آمال نِعم المُثقّفة ، حيث أخذتني معها بسلاسة ولباقة ودون تكلّف إلى عالمها في ملحمة شعريّة عشقيّة – عالمها العشقي ،الصوفي والأسطوري عبر جلجامش والسومريين والبابليين وزوربا والأسطورة الاغريقية. اختارت عنوان الديوان كمزيج بين اسم الإله السومري دُموزي (Dumuzi) وهو إله الخضرة، الخصب، الجمال وعنصر الذكورة واسم الإلهة البابلية عشتار(( Ishtarوهي إلهة الخصب، الحب، الجمال ورمز الجنس الإباحي.
كانت الأسطورة ملاذ الإنسان للانتصار على خيباته ليحاول خلق بديل أكثر جمالًا فيرى من خلالها النور والأمل ويستخدمها للحلم والتخيّل لتغيير واقعه المر، فيلجأ اليها توقًا لشعلة تنير طريقًا مظلمًا فيستدعي البطل الاسطوري و”التاريخي” كقارب نجاة يخلّصه من تلك الخيبات مثلما نرى في قصيدة “الملكة والمتسول” للشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر واستحضاره إغراءات عشتروت لإيقاع جلجامش في حبها:
“ذق دلالي فهو كالشهد لذيذ
و تنزه عبر حقل مورق أو رابية
ذق دلالي فهو كالشهد لذيذ
اقترب منه .. اقترب مثل رداء
ثمري كالشهد حلو و جميل
ضم كفيك عليه كرداء
ثمري كالشهد حلو و جميل
اه مولاي اقترب فهو لذيذ
وشهي كرضاب الشفتين”
آمال شاعرة مرهفة الاحساس والوجدان، متمرّدة على العادات والتقاليد، جريئة تطرقت لإغواء الجسد ومعرفة الانسان به وبالآخر لتُدَوّن ملحمةً عشقيّةً، شبقيّة، ذكوريّة مغرية وذكّرتني بأبي النوّاس وفُحشِه في بداياتِه، فله حضور مُمَيّز عبر صفحات الديوان. تتناول الجنس الصارخ عبر ذكوريّة بطلها العاشق الولهان والأنوثة المشتهاة، غامضةً تارةً وبوضوح فاضح تارة أخرى، متدثّرة بملاءته، ناهيك عن لوحة الغلاف الجنسيّة العشقيّة التي تنضح أنوثة متماهية مع الديوان الذي وصفته آمال (عِشقِيّات).
روّضت آمال الاسلوبَ النثريَّ في القصيدةِ والموسيقى الداخليةِ فجاء نثر شعري وبذلت قُصارى جهدِها لتتقمصَ شخصيّةَ الرجلِ الذكر وخطابِه لتصفَ المرأةَ كإنسانةٍ حبيبةٍ وعاشقةٍ والرجلُ يُبجّلُ محاسنَ عشتار ومفاتنَها، يعاتبُ، يترجّى، يتمنّى، يشتاق شوقًا عارمًا وكلُّه رغبةً في الاتحاد الروحاني والجسدي معًا مستعملةً لغةً روحيةً معنويةً مبتعدةً عن الوصفِ الحسيِّ للمرأةِ وعن الحبِ الجسدي مركّزةً على العلاقةِ الروحيةِ لتبنيَ علاقةً متكاملةَ تصلُ قدسيةَ العلاقة التشاركيةِ حدَّ العبادةِ متأثرةً بالأساطيرِ والخُرافاتِ، والاديانِ السماويّةِ تطغى عليها محلقّةً بصوفيتَها لتزيدَها رونقًا وجمالًا.
ينضح الديوان بذكوريّة مستفحلة وأنوثة خصبة ومشتهاة، ويصوّر خطوات العاشق ليصل قلب حبيبته ومراحل ترقّبه وتخبّطاته في طريقه الوعرة ليصل مُبتغاه، بدءًا بقصيدةِ “يابسةٌ.. سماواتي” – فاتحة الديوان – حيث تقول :
“يابسَةٌ سمَاواتي
أمام اشتعالِ اشتياقي
أَأَظَلُّ .. أتضوَّرُ شهوَةً؟ …
في عبير نَهدَيكِ .. أسووووووحُ
فيُمطرانني شوقًا .. يتَّقِدُني
وأذرفُكِ.. عطرًا مُتفرِّدًا ”
مارًّا بقصيدة غاباتي تعجُّ بالنُّمُورِ حيث تقول :
“لكنّي ومنذ قُرون.. حُرِمتُ دخولَ جنّتِكِ
تلك مُشتهاتي .. سخيَةُ الذّوبانِ
تلك دفيئتي .. الْ.. عامِرةُ بالآهاتِ
وما عُدتُ أتعرّى.. حياةً
حين تُشرِّعينَ.. نوافذَ رِقَّتِكِ!”
فيأخذ بترقُّب خطاها بقصيدة “بِالترقُّب… تُلوّنين حكاياتي”، فيشتهيها وأنوثتها أكثر وأكثر لتمنّعِها عبر قصائدها “غمار أنوثَتِك الْ أشتهي”، و”مُشتَهاتي”، ويصل مُبتغاه في قصيدة “أيا صُعداءَ عِشقي” وقصيدة “مُهرَةُ بَوْحِي” وقصيدة “أنا .. قامةُ بّوحِكِ” وقصيدة “على أجنحةِ هذَياني”.
يصل قمّة الروحانيات العشقيّة وينتشي من عشيقته في قصيدة “تَصَيَّديني” وقصيدة “أكداسُ وَقتي” ليصلا الوصال القُرْمُزِيّ في قصيدة “زئبق المسافاتِ” وقمة النشوة في قصيدة “حرائقُ حواسِّي!” لتعود بنا إلى روحانياتها الشبقية لتختتم ديوانها بصرخة :”أستدرِجُني .. إلى غِيِّكِ الخصبِ لِأتنسَّكَ بِكِ .. وأتأجّجُ بِبَسْمَتِكِ!” في قصيدتها “مواسمُ حنيني كفيفةُ”.
لفت انتباهي تشابه الشكل والمضمون والتكرار الطاغي على غالبية قصائد الديوان، واستعمالها للغة المذكر بتقليد نمطيّ وحبذا لو تمرّدت وتحرّرت من تلك القيود نصرةً المرأة .
كما ذكرت بالبدايةِ – أعجبني الديوان من أول قراءةٍ وليس من أول نظرةٍ لأن النظرَ اليه غير مريحٍ للعين بسبب التصميم الغرافي “الحاضر – غائب” فقد تم تجاهلُ كل القيمِ النصيةِ (الخطوط) وباتت بنفس الوزن والوتيرة، لا فرق بين العنوان والنص، كذلك تم تجاهل أوزان النص، قرّبها وأبعدها عن العنوان وعن بعضها البعض، ناهيك عن الفراغ بين الأسطر الذي تم تجاهلُه، بل تم اعتمادُ (إنتر) “عالطالع والنازل” بعد كل سطر.
أما صفحة الحقوق – فتم في هذه الصفحة تجاهلُ جميع المعاييرِ للخطوط ونقلُ المعلومةِ حتى بات مثلَ النصِّ الداخلي تمامًا .
الغلاف – ليس سوى لوحة جميلة، لكن ليس هناك أي اعتبار للنص وقيَمه وهو ايضًا يماثل النص الداخلي ليكون منَفّرًا لا يجوز التطرق له ضمن القيم الجمالية للتصميم التي غابت عن كل صفحات الديوان .
المحامي حسن عبادي