أوراق مطر نسب أديب حسين المسافر في ندوة مقدسية
تاريخ النشر: 13/10/13 | 3:00عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس صدرتقبل أيام قليلة مجموعة قصصية جديدة للأديبة الصاعدة نسب أديب حسين، وتحمل عنوان"أوراق مطر مسافر". قدّم لها الأديب الكبير محمود شقير، ويحمل غلافها الأول لوحة للفنان المقدسي طالب الدويك.
وهنا يجدر التنويه بأنه صدر لأديبتنا في العام 2005 رواية تحمل عنوان"الحياة الصاخبة" وصدر لها في العام 2009 مجموعتها القصصية الأولى تحت عنوان"مراوغة الجدران".
واذا ما أخذنا بالاعتبار عمر أديبتنا المولودة في العام 1987 في بلدة"الرّامة الجليلية" سنجد أنها قد نبغت في الكتابة وهي في سنّ الطفولة، فقد صدرت روايتها الأولى قبل أن تنهي مرحلتها الثانوية، وهذا يضعنا من جديد أمام سؤال الأدب الشبابي، وأن الابداع لا يقترن بسنّ معين، ومن قرأ مجموعة أديبتنا الشابة القصصية الأولى"مراوغة الجدران" لا يحتاج الى كثير من الذكاء ليجد نفسه أمام قاصّة مجيدة، وذات نفس روائي، وفاجأتنا بمجموعتها القصصية من جديد لتؤكد أنّها قاصّة متميزة وواثقة من أدواتها الكتابية وقدرتها الفائقة على القصّ، ومن يعرف أديبتنا عن قرب سيتعرف على عمق ثقافتها وسعة اطلاعها رغم عمرها الصغير، وحتى كاتبتنا نفسها كانت واثقة بعفوية تامة بموهبتها وقدراتها الأدبية، وسعيها الدؤوب نحو زيادة المعرفة من خلال المطالعة، وعشقها للنشاطات الأدبية بل واحتضانها لابداعات الشباب من خلال دورها الرئيسي في تأسيس مجموعة"دواة على السور" الشبابية الثقافية منذ أكثر من عامين. وهنا أستذكر المرّة الأولى التي شاهدت فيها أديبتنا الشابة عندما طرقت ذات مساء خميس قبل حوالي خمس سنوات باب ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، طالبة المشاركة في الندوة، وشاركت في الندوة كقاصّة وناقدة ومواظبة على حضور أمسيات الندوة، كانت في حينه طالبة تدرس الصيدلة في الجامعة العبرية، فرأيت ملامح الطفولة على وجهها، لكنّها وهي التي لم تتجاوز العشرين من عمرها في حينة كانت ترى نفسها كبيرة وبعفوية تامّة كانت تقول "عندما كنت صغيرة…..حصل كذا"فعجبت من أمرها، ومن اعتبارها لنفسها كبيرة لها ذكريات! حتى مازحتها ذات مرّة عندما ردّدتْ عبارتها اللافتة"عندما كنت صغيرة.." وسألتها ماذا جرى معك أيتها العجوز وأنت صغيرة؟ لكن عندما قرأت كتاباتها واستمعت لحواراتها، وجدت نفسي فعلا أمام أديبة كبيرة، كبيرة في إبداعها ونتاجها الأدبي اللافت، وفي بلاغتها وقدرتها في التعبير عن ذاتها رغم عمرها الصغير، حيث فرضت نفسها أدبيا كندّ كفؤ لمن عمرهم أكثر من ضعفي عمرها. عندها استوعبت لازمتها"عندما كنت صغيرة.."
فالقارئ لقصص نسب سيجد نفسه في خضمّ بحر متلاطمة أمواجه، لكنه يستطيع السباحة في مائه، وربما سيغرق في عذوبة مياهه، فهي تنقله من موضوع قصّة إلى قصّة أخرى لتزيده دهشة على دهشة بلغتها الانسيابية الخالية من التكلف، وسيجد أنّها تلتقط أحداث قصصها بعفوية وسهولة رغم عمق المعنى وجماليات اللغة، وهذه من سمات الأدباء المطبوعين، وسيجد صدق انتمائها لشعبها ولأمّتها، تتعذب لعذاباتهم وتفرح لفرحهم وتتألم لخيباتهم وانكساراتهم. وهي لا تتقبل الأمور على علّاتها بل تتساءل عنها وتفكر بها وتحللها، وتستخرج النتائج منها.
والقارئ لقصصها سيجد أنّ أديبتنا الشابة التي جاءت القدس طالبة علم لا تعرف في المدينة المقدسة شيئا، ما لبثت أن سحرت بقدسية المكان وتاريخه وحضارته وعمرانه، وما يتعرض له من سلب ونهب، فسكنتها القدس كما سكنت هي القدس، وأخذت تجوب أسواق القدس وحاراتها وأزقتها ومساجدها وكنائسها، وقراها وتتمعن في سورها، وكأنّي بها تبحث عن عبق تاريخ المدينة الذي لا يكذب، هذا التاريخ الذي يعمل الغزاة على سرقته وتزييفه بعد أن سرقوا جغرافيتها، فترسخت قناعاتها من جديد بأن هذه المدينة لا يمكن أن تكون إلا فلسطينية عربية. وهي بهذا تؤكد أنّ القدس مهوى أفئدة الفلسطينيين أينما كانوا.
وعودة الى قصص المجموعة، ففي قصّة" أشياء لم يجمّدها الصقيع بعد" ص90 نرى المأساة وحالة التشتت والضياع التي يعيشها الفلسطيني الذي تشبّث بتراب وطنه، وبقي فيها أثناء النكبة الأولى في العام 1948، وما يعانيه من اضطهاد قومي وطبقي، فـ"سيلين" بطلة القصة فتاة من الجليل الفلسطيني، أنهت الثانوية العامّة وتريد دراسة الطّب، ولم تقبلها الجامعات المحلّيّة كونها فلسطينية عربية، فغادرت الى موسكو لدراسة الطبّ هناك، وحصلت على إقامة سياحية لمدة ثلاثة أشهر، ومن هناك أعادوها للحصول على فيزا طالب من سفارة روسيا في تل أبيب كي يسمحوا لها بالاقامة في موسكو، وفي البلاد كانت تعيش حالة يأس واحباط، وعندما سمعت وهي في قطار صافرة إنذار الخطر تنبئ باطلاق قذيفة من قطاع غزة، لم تختبئ تحت المقاعد كما فعل بقية الرّكاب، وهناك رأت شابا عربيا لم يختبئ هو الآخر، وهنا بدأت التساؤلات، حول حرص اليهود على حياتهم، وأخذهم الاحتياطات المبالغ فيها للحفاظ على الحياة، بينما الفلسطينيون يخرجون الى السطوح والشرفات لرؤية ما يجري بدلا من الاختباء في الملاجئ إن توفّرت، وبالرغم من وقوع خسائر في الأرواح بينهم أثناء حرب اسرائيل على لبنان في صيف العام 2006، " حين تطلق الصافرات وتنطلق الصواريخ…فيما هم يسارعون الى الملاجئ ويتخذون حيطتهم، نحن لا نكتفي بعدم وجود ملاجئ مناسبة لنا، بل نسارع الى السطوح والشرفات…لنرقب موقع سقوط الصواريخ..ماذا نسمّي هذا؟" ص96. وهنا يثير العربي سؤالا قد لا يثار في أيّ بقعة من بقاع العالم وهو:" هل تعتقدين أنّه يوجد شعب غيرنا يفرح حين تسقط على بلاده القذائف؟" والجواب هو: بالتأكيد لا…لكن فرح الفلسطينيين في اسرائيل عندما تسقط القذائف من باب" شريك الخر…اخسر وخسره".
ولما حصلت"سيلين" على فيزا اقامة في روسيا من أجل الدراسة، وذهب والدها ليقترض من البنك لتغطية مصاريفها، شاهدت على شاشة التلفاز طالب الطبّ الغزاوي الذي قابلته في موسكو يرد على سؤال صحفي عن اسباب عودته الى غزة والحرب دائرة عليها، أجاب:"أتيت لأدعم بلدي وأقدم الافادة لأبناء شعبي…ولأنني شعرت في هذه الحرب كم تحتاجني غزة"ص100.
فتأثرّت بالموقف واتصلت بوالدها قائلة:" أبي لا تطلب القرض…لن أسافر."ص101. وهنا تنتهي القصّة.
وهنا تتجلّى أديبتنا بطرح موقفها بفنّيّة عالية بعيدة عن المباشرة، وعن الخطابية، بدعوتها الفلسطينيين الى الصمود على أرضهم مهما كانت التضحيات.