ماذا تعرف عن تهويد القدس لُغويًا؟

تاريخ النشر: 01/02/16 | 9:13

عقدت أمس الأحد 31 يناير 2016 محاضرة قيّمة للدكتور مروان أبو غزالة في خيمة “مناهضة حظر الحركة الإسلاميّة” عن تهويد القدس لغويًا، حيث عاينت المحاضرة المساعي والطرائق الاسرائيليّة، والتي يتم من خلالها تهويد القدس لغويًا بواسطة رفع هيمنة اللغة العبريّة وحضورها في الحيّز الزماني والمكاني، وبالمقابل يتم تهميش اللغة العربيّة وطمس معالمها في البلاد عامة وفي القدس والأقصى خاصة سعيًا إلى تهويد المكان وعبرنته.

وقد استعرض المحاضر ثلاث مراحل في تهويد القدس منذ الانتداب البريطاني إلى وقتنا الحالي، أطلق عليها النكسات اللغويّة، ويمكن ذكرها كالآتي: النكسة اللغويّة الأولى بدأت في عام 1922 حينما تم الإعلان عن اللغة العبريّة لغة رسميّة إلى جانب الانجليزيّة والعربيّة، حيث أصبحت العبريّة تحظى بحضور واسع في الانتداب البريطاني ممّا سرّع تهويد القدس، وقد تأتّى في إقامة الجامعة العبريّة في جبل سكوبس والتي سعت إلى تدريس اللغة العبريّة واليهوديّة والآثار، وذلك سعيًا إلى طمس معالم العربيّة، فقد استمرت طرائق التهويد في إقامة مستشفى تحت اسم هداسا والذي يحمل دلالة تناخيّة، إضافة إلى استخدام العملات وطوابع البريد باللغة العبريّة وغيرها من الطرائق والسبل المختلفة. أما النكسة اللغويّة الثانيّة فقد بدأت بتغيير المعالم والأسماء إلى اسماء تناخية (العهد القديم)، واسماء تلمودية، وتسميات على حاخامات وأدباء يهود، ورموز يهودية، ومحاربين يهود، وتسميات لزعماء اسرائيليين واجانب، ومن جملة التهويد: تغيير أسماء بوابات القدس التاريخية إلى أسماء عبريّة مثل: باب الخليل إلى شاعر يافو (يافا)، باب الجديد إلى شاعر هحداش، باب العمود (دمشق) إلى شاعر شكيم، أمّا النكسة الثالثّة فقد تبدّت بواكيرها بعد عام 1967 في حل مجلس القدس العربيّة ونقل محكمة الاستئناف، وإلغاء المناهج التدريسيّة والاستيلاء على المتاحف سعيا لتهويد القدس لغويًا وعبرنتها، إضافة إلى ذلك، أقامت الحكومة الاسرائليّة مركز الخرائط الاسرائيلي والذي انبرى إلى عبرنة الخرائط والاستيلاء على الحيز الجغرافي، كما تواصلت طرائق تهويد المواقع والمعالم التاريخية العربية في القدس وضواحيها مثل تغيير أسماء الأحياء العربيّة ومن جملتها حصرا لا قصرا: الشيخ جراح/شمال غرب القدس إلى رمات اشكول و الشيخ جراح/تل الذخيرة إلى جفعات همفتار وغيرها الكثير.

ثم أشار المحاضر إلى محاولات التهويد اللغوية في السنوات الأخيرة، حيث تبدّى ذلك بتوليفة من الأحداث ومن جملتها: تغيير اليافطات في البلدة القديمة ومن أبرزها: استبدال اسم المسجد الاقصى بمصطلح “هار هبايت” بالعبرية، ومصطلح الحرم القدسي باللغة العربية، واستبدال اسم حائط البراق بمصطلح “هكوتيل همعربي” باللغة العبرية، والجدار الغربي باللغة العربية، وفي عام 2010 وضع رئيس بلديّة القدس نير بركات مع رئيسة قسم ترخيص اليافطات في المدينة قانونًا مساعدًا يُلزم أصحاب المحلات التجاريّة وخاصة في شرق القدس على وضع اللغة العبريّة في اليافطات، والأنكى من ذلك يجب أن يكون حضورها على الأقل خمسين بالمائة من أجل ترخيصها، وهذا ينضوي في ظل السياسة اللغويّة التي تنتهجها المؤسّسات الحكومية من أجل طمس العربيّة وجلب حضور العبريّة وزيادة هيمنتها، وفي الايام الاخيرة تسعى الحكومة الإسرائيلية الى اعتبار التكبير في الاقصى هو مخالفة قانونيّة وهذا ايضا ينضوي في محاولاتها لدرء عربيّة المكان، وثمة اقتراحات من وزراء وأعضاء في الكنيست تغيير أسماء الأحياء العربيّة، فقد أومأ بعض الوزراء إلى تغيير اسم أبو ديس إلى كيدماه تسيون، والشيخ جراح إلى شمعون هتسديق، وغيرها، كما بدأ رئيس بلدية القدس في الآونة الاخيرة بتسمية الشوارع الداخليّة في الاحياء العربية بأسماء لا ترتبط ارتباطا عضويا مع المعالم الاسلامية واللغة العربية مثلا في حي صور باهر اقترحت اسماء الشوارع كالاتي: “المنطار”، “قيصان”، “حوش دبش”، اما في حي العيسوية: “المدورة”، “الحرائق، “أبو ريالة” ، اما وزيرة الثقافة فقد اقترحت عدم الاعتراف بالجمعيات الأهلية في حال عدم الولاء ليهوديّة الدولة، لذا عرّج المحاضر أننا في خضم نكسة لغويّة جديدة أكثر ضراوة وأكثر تكثيفا من النكسات اللغويّة الأخرى والتي تنبئ التهويد الشامل ووأد عربيّة المكان.

كما اوضح المحاضر أنّ حظر الحركة الإسلاميّة ومؤسسات أهلية في الداخل الفلسطيني مؤخرا يعزى ايضا إلى أسباب تتعلق بالحيز اللغوي ومن جملتها: أن هذه المؤسسات من خلال مصاطب العلم تدرس الطلاب اللغة العربيّة والعلم الشرعي، سعيا إلى الحفاظ على إرث اللغة العربيّة والحفاظ على حضور العلوم الشرعيّة الإسلاميّة، فيما السبب الآخر أن هذه المؤسسات لا سيما مؤسسة الأقصى للوقف والتراث سعت الى الحفاظ على إسلامية المقدسات وعربيّة المكان، مما جعل الحكومة الاسرائيليّة ترى أن هذا له تداعيات سلبيّة على تهويد الحيز المكاني، مما افضى إلى قرارها بالحظر.

كما أشار المحاضر أن الحركة الإسلاميّة اجتهدت في درء محاولات التهويد وعبرنة المكان، بيد أن حظرها، يؤول إلى نكسة لغويّة جديدة، كما أومأ إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية استعارت الطرائق الممنهجة للحركة الإسلامية لتطبيقها بطريقة تهويدية فقد تمّ الشروع ببناء مجمع القومي اليهودي للآثار الذي يقام على مساحة 20 دونم، ويضم عدة مراكز منها المكتبة الأثرية، والأرشيف العلمي للآثار، وبيت سلطة الآثار الإسرائيلية، و مخازن أثرية عملاقة بتكلفة 100 مليون دولار أميركي والذي من المفروض افتتاحه في عام 2017، كما أقامت الحكومة الإسرائيلية مركز تعليم يهودي في ساحة البراق الواقعة في الحي الإسلامي الغربي، حيث أن هدف هذا المشروع طمس المعالم العربيّة ووأد الطابع المعماري العربي الإسلامي، سعيا إلى منحه الطابع العبري التهويدي، إضافة إلى ترويج الرواية التلموديّة.

من الجدير ذكره أن المحاضر مروان أبو غزالة هو باحث زائر في مركز حاييم هرتسوغ لدراسات الشرق الأوسط والدبلوماسيّة في جامعة بن غوريون في النقب، متخصّص في السياسة اللغويّة، المشهد اللغوي والأيدلوجيّة اللغوية في الشرق الأوسط. وقد أنهى البوست دكتوراة مؤخرا في قسم الدراسات اللاهوتية والدينيّة في جامعة نوتنجهام في المملكة المتحدة، حيث أعدّ ترجمة أجزاء من كتاب “درء تعارض العقل والنقل” لابن تيميّة وشرحه إلى اللغة الانجليزيّة، ونشر بحثًا في علم الاسكاتولوجي “علوم الأخرويّات” وفق النقاشات العقائديّة، الفلسفية والكلاميّة في القرون الوسطى. وهو حاصل على اللقب الأول في اللغة العربية وتاريخ الشرق الأوسط من جامعة حيفا، وعلى لقبين ماجستير: الأول في اللغة العربية من جامعة حيفا، والآخر في التربية-تدريس لغات-من جامعة تل أبيب، وحاصل على لقب الدكتوراة من جامعة حيفا حول موضوع: “النقاش الفقهي واللغوي في مسألة ترجمة معاني القرآن إلى اللغات الأجنبيّة”.
كيوبرس
تصوير: محمود أبو شحادة

1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة