الأصدقاء الخمسة يتحدثون عن ظريف حيفا في ذكرى الأربعين لرحيل جميل شومر

تاريخ النشر: 22/07/13 | 2:00

يقول كايد عبود: معرفتي بالمرحوم ترجع إلى أجواء الخمسينات، كنت ما زلت شابا صغيرا من يومها وأنا هاوي الفنون على أشكالها، خاصة في مجال التمثيل والمسرح والغناء والترتيل الكنسي.. اذكر نادي الإخاء المسيحي الذي كان يترأسه المرحوم سعيد سويد، وجميل شومر كان سكرتير النادي وقد ملأ فراغ كبير من النشاطات الاجتماعية التثقيفية والترفيهية، وقد تمثل هذا في موضوع فريق كرة القدم من نجومه، لمن يذكر: بولس لطيف وصبحي عفارة وآخرون. في حينه، تألق الفريق في التفوق على فرق الكرة أن كان هبوعيل ومكابي.. أقمنا المسرحيات في سنوات الخمسين، مسرحية من إخراج طيب الذكر المرحوم أبو الياس مطر وتمثيل شباب وصبايا من النادي في مقدمتهم جميل شومر وماجد محيشين خوري وأختي سعاد عبود وحالفني الحظ بأن أقوم بدور في مسرحية "عواطف البنين" لكاتب فرنسي، ثم جوقة ترنيم الكنسي الكاثوليكي بقيادة المرحوم الياس نجم ومقدمها المرنم الأول جميل شومر، إضافة إلى بعض الإخوان أصحاب الصوت الجميل. اذكر منهم فؤاد بحوث الياس هلون وبتواضع كنت بينهم.. جميل كان ركن في الترتيل ومرجعية في أصول الترتيل في مختلف الألحان، كنت شخصيا أرى في جميل مثالا يحتذي به للأداء السليم الذي يرتكز على التقوى والخدمة والتسبيح، ما من لقاء كان يتواجد به جميل إلا وكان الجو الأخوي الحميم يحضرني كلمة الظريف وهكذا اكتسب جميل صفة ظريف حيفا على وزن اللقب الذي كان يحمله ظريف لبنان نجيب حنكش جميل.

كان جميل شومر ملم بلغات عدة، كان صاحب ثقافة عالية وأكثر ما تميز به خفة ظله ودماثة أخلاقه وروح النكتة التي تفيض من نبع لا ينضب من النكات على مختلف أنواعها ومعانيها وعبرها.. بوفاة جميل افتقدنا ركنا من أركان الجوقة الحيفاوية وكنا من أركان مجتمعنا الحيفاوي عامة٠

أصدقائه المقربين كانوا: سعيد بولس أبو العفيف، زميله في ضريبة الدخل سعيد سويد، سعيد الياس أبو خضرة حسن قرمان سعدي قرمان سامي قرمان جورج طبراني سليم فروات وغيرهم وغيرهم.

**ميشيل نخلة: كان يحب الكيف والطرب والسهر وتدخين السيجار

يضيف صديقه ميشيل نخلة: أنا من مواليد الناصرة، أقيم في حيفا منذ الستينات، عملت في التجارة.. معرفتي بجميل معرفة صداقة وأمه "عادلة" من دار الزهر في الناصرة، وتربطنا به قرابة.. تابعت مسيرته منذ كان شاب وكان نجم ساطع مع قلة العرب في البلاد وخاصة في حيفا وكان سهلا أن يبرز في المجتمع الحيفاوي لقلة المتعلمين والمثقفين وكان من القلائل الذي يتقن عدة لغات وخاصة الانجليزية وفي أيام الانتداب كان موظف في ضريبة الدخل وواصل عمله في زمن دولة إسرائيل وفتح له مكتب خاص بإدارة الحسابات.. جميل كان نجم إذاعي وصاحب صوت عذب ورخيم وكان محبوب اجتماعيا وعمل كثيرا في الحقل الاجتماعي في الخمسينيات، عندما أسس هو ومجموعة من الشباب الحيفاوي نادي الإخاء المسيحي وقد برز النادي بفريق كرة القدم الذي حقق إنجازات للوسط العربي في العام 1975، توثقت علاقتي به أكثر وتعاونا سوية في إقامة مؤسسة البيت المسيحي، حيث كانت حيفا تفتقر إلى مؤسسات اجتماعية وعملنا سوية في تطوير العديد من المشاريع الشبابية العلمية والثقافية وكانت له اليد الطويلة وكان من السباقين في عرافة الحفلات وإدارة الجلسات. بيته كان مفتوحا رغم انه أعزب يعيش مع أخيه جابي وكان يحب استقبال الضيوف على مائدته ويطيب له جداً أن يشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم، لم ينقطع عن الصلاة في الكنيسة، كان مرنما بصوت شجي، قاد فرقة المرنمين في المناسبات الكبرى خاصة زمن الفصح وكان يتقن الموسيقى البيزنطية وقليلا من يتقنها مثله، بقي أعزب لأسباب اجتماعية خاصة به ولم يبح لماذا، رحل وذهب سره معه.

تألمنا كثيرا لفراقه، زارني قبل ليلة من سقوطه وصباحا عرفت بأنه سقط وأصبح طريح الفراش، ورغم ما حدث معه لم تفارقه روح الدعابة حتى وهو على الكرسي المتنقل كان يستقبلني ببسمة وقبلة ونكتة واصدر كتاب "طرائف شومرية" ووزع في حيفا والجليل.

رغم صداقتنا كان يحب الكيف والطرب والسهر وتدخين السيجار وكنت بعكسه تماماً أنا رجل عمل ورجل بيت وخلال أربعين عاما عملت في التجارة ويومنا أسافر إلى الناصرة حتى كبر أولادي واستلموا المصالح.

كان نجم تلفزيوني وإذاعي، محرر مجانا لعدة مجلات شخصية اجتماعية في الصفوف الأولى يتكلم باسم الجماهير. لم يعمل شيء لنفسه، بل بنا لمجتمعه، مكتبه كان نادي لكل رجال حيفا ويقدم القهوة والمرطبات كان يحب السفر كثير، ملتزم للأصدقاء في الأعياد، الهدايا التي كان يقدمها للأصدقاء كانت تقدر بمبالغ طائلة سنويا، ما في جيبه ليس له!!

عندما استلم جميل الوسام البابوي وكنت حينها رئيس البيت المسيحي. وكنا نبحث. عن مناسبة لنقيم له حفلة تكريم وعلى مستوى، جاء أخيه من تركيا وأخته من لبنان وكان يشعر هنا أهله.

رافقته أربعين سنة، سافرنا معا وعقدنا مؤتمرات عديدة في البلاد في شتى المواضيع ورافقنا في أول رحلة لمصر والأردن ويحب الالتقاء مع عائلته في قبرص وأخوه في فرنسا.

الوسام البابوي الذي تلقاه، من أعلى الرتب في الكنيسة لإنسان مارس عملا مميزا وكان يخدم في الكنيسة وهو شاب وسكرتير الجمعية الخيرية التي تعمل بصمت ويقدم دعم للعائلات المستورة، وهذا مميز وفي البلاد أربعة أشخاص حصلوا عليه وكان يعتز بهذا الوسام ونحن اجتماعيا كافأنه..

لكل إنسان فلسفة في الحياة بعضهم جمع المال، وكان همه، أي نكتة سمعها اليوم هاوي نكت لم يهتم للمال أبدا.

**أدوار مزاوي: كتب الجملة المناسبة للشخص المناسب وامتاز بتعابيره المؤثرة

أما صديقه إدوار مزاوي، يقول: تربطني بجميل صلة قرابة، اذكر جميل وأنا طفل، حيث كانت له علاقة وطيدة وحميمة مع الوالد. رافق والدي منذ زواجه وبقي على علاقة متينه به طوال سنوات حياته رغم أن الوالد يكبره سنا.

جميل وأصدقائه كان لهم مركزهم على الخارطة الحيفاوية في الخمسينات، في حيفا حيث تمركز بحيفا القنصليات الأمريكية والفرنسية والإيطالية، في أعياد واحتفالات السفارات كانت هذه المجموعة من وجهاء حيفا البارزة وهم واجهة حيفا في الأعياد الطوائف على أنواعها، وكان لجميل دور بارز في إحياء هذه المناسبات وتولى عرافة الحفلات.

رأيت بجميل شومر رمز للإنسان المثقف والمتعلم، يجيد عدة لغات، سريع البديهة وخفيف الظل، صاحب نكتة وكنت أقول بيني وبين نفسي وبقلق، كيف سينهي حياته وهو وحيد، لا أهل له، ولكن أصدقاءه حافظوا عليه وكان موصى عليه في بيت العجزة في حيفا .

اشتهر شارع جادة الكرمل (بن غوريون اليوم) منذ أيام فلسطين بمقاهيه وفنادقه وباراته وهو موجود في قلب الكولونيولية الالمانية، وجميل وأصدقائه المقربين في شبابهم، سهروا وغنوا ورقصوا واحتفلوا في مقاهي هذا الشارع واليوم وبعد مضي أكثر من ستون عاما نجلس مع ما تبقى من أصدقائه في فندق الكولنولية الالمانية لنرتب مراسيم الأربعين لرحيله.

خسرنا شخصية حيفاوفية، كنا نعتز بها بكل مجتمع، لأنه شخصية متكلمة، في كل محضر كان يبرز ويعطي انطباع ممتاز، يجيد اللغة الانجليزية والفرنسية والعربية والعبرية. كنت الجأ إليه ليكتب لي جملة معايدة أو تهنئة أو أي كلمة.. كان دائما يكتب الجملة المناسبة للشخص المناسب وامتاز بتعابيره الجميلة.

**سعيد الياس أبو خضرة: كان ممكن أن يكون مليونيرا ولكنه لم يهتم بالمال

ويضيف صديقه إلياس أبو خضرة: أنا من مواليد 1930، أعرف أهل جميل وأنا ما زلت في المدرسة قبل الاحتلال، حين سكن جميل في شارع مار يوحنا، ولدت في الناصرة ودرست في غزة، حياة خالي كان مدير المدرسة وتبناني وعندما رجعت من غزة التحقت في المدرسة الصناعية في كيتسون على أيام الانجليز.

جميل هو رفيق عمري تعرفت عليه منذ ٦٥ سنة. في كل المناسبات معا، هو ابن بيت عندي في كل مناسبة يكون في بيتي وعلى رأس الطاولة.

امتاز جميل بمرحه، لم أراه يوما واحدا غاضب، اهتم بأمه ورعاها حتى وفاتها، كان يغلق مكتبه حتى لا تبقى أمه لوحدها في البيت وكان يرعاها بشكل جيد.

كان ممكن أن يكون مليونيرا ولكنه لم يهتم بالمال. قلبه طيب ، خدوم والابتسامة لا تفارقه، يخدم الجميع ليس لديه أعداء.

اذكر في احد رحلاتنا معا في أثينا عام 1984حيث اهلها الناس متدينين جداً. مررت أنا وجميل بجانب كنيسة صغيرة مفتوحة الباب، وكانت هناك امرأة تنظف الكنيسة، فطلب منها أن ندخل للصلاة وصلى ورتل جميل باللغة اليونانية، وصوته قوي ومن مر بجانب الكنيسة وسمع صوته دخلها. الإحساس الذي يغني به يطرب جداً. امتلئت القاعة بالناس التي اضاءت الشموع وتبرعت بالمال للكنيسة.. وغنى جميل أمام الاوركسترا باليوناني في قبرص في فندق الهيلتون.

كنا نلتقي (14) شاب من اصدقائي في قهوة "بروس" في جادة الكرمل: والمرحوم جول دانيال النادل يلبس البابيون ويكتب في القلم وهو لا يعرف الكتابة والقراءة، وليلة ليلة نسهرفي المقهى . نطلب أربع زجاجات بيرة ونضعهم في صحون ونشربهم في المعلقة حتى نسكر بسبب فقرنا في تلك الأيام!!

**الفرد شحادة: عن طريق جميل شومر تعرفت على الكثير من الأصدقاء

وحدثنا صديقه الفرد شحادة (أبو هاني) عن الراحل جميل وقال: ولدت في حيفا عام 1937، عرفت جميل من نادي الإخاء المسيحي قبل (40) سنة، وكانت حفلات النادي تقام في شط العزازية، التابع لعائلة الخياط، وكان جميل يقدم البرامج، وفي نادي الإخاء، كنا نلعب البينغ بونغ وطاولات الزهر وغيرها. عمل جميل في ضريبة الدخل، ثم افتتح له مكتب خاص لضريبة الدخل ، وكان المكتب مركز اجتماعغي ثقافي وترفيهي لمجموعة من وجهاء حيفا انذاك، تم بناءه على أرض الطائفة وقد ساعدته بتوسيع المكتب وترميمه، ومواد البناء جلبها إبراهيم شلهوب ، عندها تعرفت على صديقه سامي قرمان الذي أراد اللقاء بي علي الخدمة التطوعية التي قدمتها لجميل، ومن يومها أصبحت أنا وسامي قرمان اصدقاء. تعرفت على الكثير من دار قرمان عن طريق جميل شومر.شقيقه جميل سهيل كان في صفي في مدرسة الفرير. جميل إنسان ممتازويحب جمع النكات وإلقاءها كان مكتبه مفتوحا للقاصي والداني، وكان الكثيرين من ذوي الحاجات الاجتماعية يستعينون به بتمليك الاستمارات أو مراجعة الداوئر الحكومية دون مقابل. بعد ان تقاعدت تطوعت في التامين الوطني، وفي جمعية رابطة المحبة، في بيت النعمة وتبنيت بعض المسنين الذي اقدم لهم المساعدة، كنت أزوره في بيته لاعطيه حقوقه كوني متطوع في التأمين الوطني، اهتم به كصاحب ارافقه لكل مشاوريه، وبقيت بجانبه في بيت العجزة وحتى يوم وفاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة