كيف تفشي العينان أسرار أفكارك
تاريخ النشر: 13/12/15 | 0:01يقال أحياناً إن العين نافذة إلى الروح تكشف مشاعر دفينة كنا نريد إخفاءها. ومع أن العلم الحديث يستبعد وجود الروح، فإنه يشير إلى وجود قدر من الحقيقة في هذه المقولة القديمة: لقد اتضح أن العين لا تعكس فقط ما يجري في الذهن بل ربما تؤثر أيضاً على الطريقة التي نتذكر بها الأشياء ونتخذ قراراتنا.
تتحرك عيوننا على الدوام، ورغم أن بعض هذه الحركات تخضع لتحكمنا بشكل إرادي، فإن الكثير منها تحدث بطريقة لاشعورية.
على سبيل المثال، عندما نقرأ فإننا نؤدي حركات سريعة جداً للعينين تسمى رعشة أو رفة العين، نركز من خلالها اهتمامنا بسرعة على كلمة تلو الأخرى. وعندما ندخل غرفة ما، فإن رعشة العين تغطي مساحة أكبر ونحن ننظر حولنا.
هناك أيضا حركات العين القصيرة اللاإرادية التي نقوم بها أثناء المشي عوضا عن حركة الرأس ولتركيز نظرنا على الأشياء من حولنا. وبالطبع هناك حركة العين الدائرية (حركة العين السريعة) أثناء النوم.
أصبح جليّاً الآن أن بعض حركات العين قد تكشف بالفعل عما يدور في أذهاننا من أفكار.
يظهر بحث نُشر العام الماضي أن اتساع حدقة العين له علاقة بقدرٍ من عدم اليقين خلال عملية اتخاذ القرار: فإذا كان الشخص غير واثق من قراره، فإنه يشعر بإثارة متزايدة، مما يتسبب في اتساع حدقة العين لديه.
وقد يكشف هذا التغير في العين ما يريد أن يقوله الشخص حال اتخاذه القرار، فقد توصل فريق من الباحثين إلى أن مراقبة اتساع حدقة العين جعلتهم قادرين على التكهن متى من الممكن لشخص حذر اعتاد على قول ’لا‘، على وشك أن يتخذ القرار الصعب بقول ’نعم‘.
وقد تساعد مراقبة حركة العين أيضا في التنبؤ بالعدد الذي يدور في مخيلة شخص ما. استعان “توبياس لوتشر” وزملاؤه بجامعة زيوريخ بـ12 متطوعاً وتابعوا حركات أعينهم أثناء قراءة سريعة لقائمة من 40 رقماً أمامهم.
وتوصل فريق الباحثين إلى أن إتجاه وقوة حركات عين المتطوعين كشفت بدقة إذا كان الرقم الذي يوشكون على النطق به أكبر أو أصغر من الرقم السابق له، ومقدار الفرق. كانت نظرات كل مشارك في البحث تنتقل إلى الأعلى وإلى اليمين مباشرة قبل أن ينطقوا برقم أكبر، وكانت نظراتهم تنتقل إلى الأسفل وإلى اليسار قبل أن ينطقوا برقم أقل. وكلما كانت الحركة أوسع من جهة إلى أخرى، كان الفرق أكبر بين الرقمين.
يشير ذلك إلى أننا، وبطريقة ما، نربط ما يرمز إلى الأرقام المجردة في الدماغ وبين الحركات في الفضاء من حولنا. لكن هذه الدراسة لم تبين لنا أيهما يحدث أولاً: هل إن التفكير في رقم معين هو الذي يسبب تغيراً في موقع العين، أم إن وضع العين يؤثر على النشاط الذهني. في عام 2013، نشر باحثون في السويد أدلة تشير إلى أن الأخير هو الذي يلعب الدور الفعال: أي أن حركات العين بالفعل تسهل استرجاع ما هو موجود في الذاكرة.
استعان الباحثون بـ24 متطوعاً وطلبوا من كل واحد منهم أن يراقب بدقة مجموعة من الأشياء التي تعرض أمامهم في زاوية من زوايا شاشة كمبيوتر.
وطُلب من المشاركين أن يستمعوا إلى سلسلة من الجمل والعبارات حول بعض الأشياء التي رأوها، من بينها على سبيل المثال، “السيارة تقف إلى جهة اليسار”، وطُلب منهم أن يحددوا بسرعة إذا كانت كل جملة صحيحة أم لا.
سمح الباحثون لبعض المشاركين أن يحركوا أعينهم بحرية، في حين طلبوا من آخرين تركيز نظرهم على إشارة تقاطع في وسط الشاشة، أو في الزاوية التي ظهر فيها ذلك الشكل، على سبيل المثال.
وجد الباحثون إن الذين سُمح لهم بتحريك أعينهم بعفوية أثناء المرحلة الثانية من الاختبار قد أبلوا بلاءً حسناً مقارنة بأولئك الذين ثبّتوا نظرهم على إشارة التقاطع. لكن ما يثير الاهتمام إن أداء المشاركين الذين طُلب منهم تثبيت نظرهم على زاوية الشاشة حيث ظهرت تلك الأشكال كان أفضل من الذين ثبّتوا نظرهم على زاوية أخرى.
يشير هذا إلى أنه كلما كانت حركات عين المشارك خلال ترميز أو تخزين المعلومات متوافقة بشكل أوثق مع الحركات التي حدثت خلال فترة استرجاع المعلومات، كانت قدرة المشارك على تذكر الأشياء أفضل. ربما يرجع ذلك إلى أن حركات العين تساعد في استعادة العلاقة المكانية بين الأشكال/الأشياء الموجودة في البيئة خلال فترة عملية ترميز المعلومات.
يمكن لهذه الحركات أن تحدث بشكل لاإرادي. يقول “روجر يوهانسن”، عالم النفس بجامعة “لوند” الذي قاد فريق البحث في هذه الدرساة إنه “عندما ينظر الناس إلى مشاهد صادفوها سابقاً، فإن أعينهم تنجذب بشكل متكرر إلى معلومات رأوها من قبل، حتى وإن لم يتذكروها بشكل إرادي.”
التحكم بالرؤية
يمكن إيضاً مراقبة حركات العين لاستخدامها لحث الشخص على إتخاذ قرارات محددة. أظهرت دراسة أجريت مؤخراً، ربما بشكل مثير للقلق، أن مراقبة حركات العين يمكن استغلالها بهدف التأثير على القرارات الأخلاقية التي نتخذها.
وجّه باحثون أسئلة أخلاقية معقدة إلى مشاركين في أحد الأبحاث، مثل “هل يمكن أبداً تبرير القتل؟”. ثم عرضوا على شاشة كمبيوتر إجابات بديلة (“أحياناً مبررة” أو “لا يمكن تبريرها أبداً”). راقب الباحثون بعدها حركات عين المشارك في البحث، ثم أزالوا خيار الإجابتين مباشرة بعد فترة معينة من إلقاء المشارك نظرة على أحد الخيارين، ووجدوا أنه يمكنهم حث المشاركين على انتقاء خيار معين دون الآخر.
يقول دانيال ريتشاردسون عالم الأعصاب من جامعة لندن وكبير المشرفين على الدراسة :”لم نزودهم بأية معلومات إضافية. ببساطة، انتظرنا حتى تتضح الأمور ويتخذوا هم قراراتهم بأنفسهم، وتدخلنا في اللحظة المناسبة. جعلناهم يغيروا آراءهم بمجرد التحكم بلحظة اتخاذهم القرار.”
ويضيف ريتشاردسون بأن مندوبي المبيعات الناجحين ربما يعرفون بهذا الأمر ويستفيدون منه ليكونوا أكثر إقناعاً لزبائنهم. وتابع: “نعتقد أن الأشخاص الذين لديهم قدرة على الإقناع متحدثون جيدون، غير أنهم ربما يهتمون أيضاً بعملية اتخاذ القرار.
لعل مندوبي المبيعات الجيدين يستطيعون تحديد اللحظة المناسبة التي نتردد فيها إزاء خيار معين، لنجدهم يعرضون علينا تخفيضاً أو يغيرون البضاعة التي يريدون بيعها.”
يزيد انتشار البرمجيات التي تتعقب حركات العين على الهواتف النقالة الذكية وغيرها من الأجهزة المحمولة من احتمالية التحكم عن بعد في اتخاذ القرارات. ويقول ريتشاردسون: “إذا كنت تتسوق عبر مواقع الانترنت، فإنهم قد يؤثرون على قرارك بعرضهم شحن البضاعة مجاناً في اللحظة التي تحول فيها نظرك إلى بضاعة معينة.”
ولذا، يمكن لحركات العين أن تعكس وتؤثر على وظائف ذهنية متطورة مثل الذاكرة واتخاذ القرارات، وتفشي أسرار أفكارنا ومعتقداتنا ورغباتنا. ربما تزودنا هذه المعلومات بوسائل لتطوير وظائفنا العقلية، ولكنها أيضاً تجعلنا عرضة لتلاعب الآخرين بنا خفية.
ويضيف “ريتشاردسون”: “العينان مثل نافذة تطل على عملياتنا الذهنية، لكننا لا نقدر كمية المعلومات التي تتسرب منهما. يمكن للعينين أن يكشفا عن أمور يريد الشخص أن يخفيها عن الآخرين، مثل شعور التحيز العنصري الضمني.”
واختتم قائلا: “أرى برمجيات متابعة حركات العين تُستخدم على سبيل المثال في التقنيات المساعدة التي تكشف عن الوظائف التي نحتاج إليها في الهواتف النقالة، ومن ثم تساعدنا في إنجاز ما نريد. أما إذا تُركت تعمل طول الوقت، فيمكنها أن تُستخدم لمتابعة أمور كثيرة أخرى. ويمكن لهذه البرمجيات أن تزودنا بمعلومات وفيرة وتزيد من احتمالية تبادل أفكارنا مع الآخرين عفوياً.”