لقاء مع الفنان نجيب طاهر

تاريخ النشر: 01/07/13 | 12:44

قبل عشرين عاماً، بدأ مسيرته كممثل مسرحي، عمل ولا زال في مسارح فلسطينية وأوروبية. وُلد الفنان طاهر نجيب في مدينة أم الفحم عام 1948، وشارك في مسرحيات فلسطينية عديدة، منها؛ "سأخون وطني" للكاتب السوري محمد الماغوط، والذي قام بإخراجها كذلك.

مع مسرح الحكواتي في القدس المُحتلة، قدم مسرحية "عمر الخيّام"، "لا لم يمت"، "هبوط إضطراري" ومسرحية "الشيء". في إطار الأدوار الرئيسية قدم مع مسرح القصبة في رام الله مسرحية "الزير سالم". هو عضو مؤسس في فرقة "شبر حرّ" المسرحية، وقدم معها مسرحية "إذ قال يوسف"، "في مستوطنة العقاب" ومسرحية بالإنجليزية تحمل اسم The Beloved، جميعها من إخراج أمير نزار زعبي.

انضم إلى عالم الكتابة المسرحية، عندما اشترك في ورشة كتابة مسرحية في العام 2005 في مسرح "رويال كورت" في لندن بإدارة الكاتب المسرحي البريطاني هارولد بنتر. بعد عامٍ من انتهاء الورشة، وفي العام 2006 كتب أحد أهم الأعمال المسرحية الفلسطينية، وهو عمل مونودرامي يحمل الاسم "رُكَب" وقد قام بتمثيل المسرحية بإنتاجها الأول الفنان خليفة ناطور. في العام 2010 أُنتجت المسرحية في باريس بمسرح "سارتروفيل" ومن ثم في العام 2011 قُدمت في بروكسل، كانا الإنتاجان باللغة الفرنسية. وفي ألمانيا قُدمت المسرحية بالألمانية في العام 2012.

تتحدث مسرحية "رُكب" عن قصة ممثل فلسطيني من الأراضي المحتلة عام 1948 والذي يحمل جواز السفر الإسرائيلي ويتنقل بين مطارات العالم، من نيويورك إلى باريس إلى مطار اللد (تل أبيب)، يواجه فيها حالات عديدة تشبه إلى حدّ كبير ما يواجه الفلسطينيون في المطارات والعالم. هي مشاهد وقصص التناقض المستمرة، ما بين الهوية الوطنية والإنسانية والفكرية وبين وثائق رسمية تابعة للاستعمار. وهي حكايات شعور الغربة التي يشعر بها الفلسطيني أينما كان وفي وطنه أيضاً. سوف تقدم "ركب" في بداية شهر يوليو (تموز) من خلال إنتاجها الخامس في "المركز الجماهيري" في أم الفحم. لكن هذه المرة سيقوم طاهر نجيب بدور الكاتب والممثل والمخرج:"عندما يصبح أصعب دور أمثله، هو ذاك الذي بنفسي كتبته"، يقول نجيب من خلال صفحته على فيس بوك. من خلال هذا الحوار، تأخذ مسرحية "ركب" الحيز الأكبر من حديثنا، بالإضافة إلى حوار عن الكتابة المسرحية والتمثيل والمسرح الفلسطيني وغيره من المواضيع..

– ما بين الكتابة المسرحية وبين التمثيل، أين يجد طاهر نجيب نفسه أكثر؟ ولماذا؟

لا جواب قاطع لمثل هذا السؤال. الإجابة تتعلق بالمرحلة والنص الذي أشارك بتمثيله. أما بما يتعلق بالكتابة، فأنا أكتب حين مثلاً أمر بتجربة كما تجربة السفر في العام 2009 من باريس إلى تل أبيب، وانزعج من أمور عديدة فأقوم بفضح هذه المسائل من خلال مسرحية، كما حدث مع "ركب". كتابتي ليس كتابة شخصية، هي مسرحية كلاسيكية ملهمة ومتأثرة من حدث شخصي. لأن حياتي الشخصية لا تهم ولا سوف تهم أحداً. فأنا ككاتب فلسطيني أعيش كما الفلسطينيين كلهم الصراع الداخلي الفلسطيني؛ صراع الهوية والغربة الذي أحوّله من خلال مسرحية إلى صراع عالمي. لأنه كذلك، ولا أريده أن يكون صراعاً فلسطينياً فقط. لا أقوم بالحكم من خلال كتابتي على ما هو صح أو جيد وما هو غلط أو سيء. المسألة كلّها هي تقديم مشهد على خشبة المسرح وتعريته تماماً.

– من بين الأدوار المسرحية العديدة التي قمت بأدائها، أي أكثر الأدوار ترغب بأن تعيد تقديمه اليوم؟ نظراً لجماليته ولأنه لا زال يشبه الواقع الذي نعيشه.

دور الزير سالم في مسرحية "الزير سالم". لأنه عبارة عن شخصية بطولية أشدّ ما أفتقدها وأشد ما نحن بحاجة إليها اليوم. يعني لوّ أردت أن أقولها بالعالمية:"الوضع بدو ردع.. وما حدا بقدر يردعه إلا الزير سالم". المسرحية قُدمت على خشبة "مسرح القصبة" في العام 2000، وتوقفت بعد الاجتياح الإسرائيلي لمدينة رام الله. هذا الدور لم يأخذ حقه كما يجب، وأنا لم أشبع منه. من الصعب أن أشبع منه. وكي أشبع منه "لازم يمرّ كتير ميّ بالنهر". إلا أنني حملت هذا الدور إلى مسرحية "رُكب"، فالزير سالم حاضراً ونابضاً ومستمراً معي.

– بما يتعلق بتجربة كتابة "رُكب"، وبالرغم من أننا تحدثنا عن الحدث الشخصي الذي يؤثر على كتابة نص مسرحية كاملاً. هل تعتقد أن نجاح أي نص أو مسرحية منوط بأن للقصة جانب شخصي يجعل الناس تصدقه؟

هذا صحيح من جهة. فالجانب الشخصي هو مدخل للجمهور، كي يتواصل ويتضامن مع شخصيات وموضوع المسرحية. لوّ لم يكن النص مبنياً على الإنساني الشخصي، فكيف سيتواصل الجمهور معه؟ عدا عن ذلك سنقدم خطاباً ودروس تلقينية للناس. وبالتالي لوّ قدمت أي مشهد على الخشبة ولم يكن للمشاهد عامل شخصي يتواصل معه، إذاً لن يكون هناك حدثاً درامياً. النص يجب أن يكون مبني على عامل شخصي، وأحياناً يكون الموضوع تافهاً، ولكن على الخشبة سيأخذ أبعاداً ضخمة وكبيرة. هذا الأمر لم أخترعه أنا، بلّ أن كلّ الدراما الإغريقية بُنيت على مسألة وقصص شخصية. قبل أن أبدأ بكتابة "رُكب"، أقسمت لنفسي بأني لن أذكر كلمات مثل؛ استعمار، فلسطين، إسرائيل، عملية، إحتجاج، تفجير.. فكنت مضطراً لأجد استعارات لكلّ هذه المسميات، لعلّ وعسى أنجح بأنّ أحمل الجمهور من الحدث الإخباري إلى ما تبقى لدينا من الوجدان من خلال استعارة تجعل المشاهد يرى الأمور من منظار آخر.

– قام الفنان خليفة ناطور بتقديم "رُكب" عند بداية انطلاقها. تجولت في مدن وقرى فلسطينية عديدة وفي الخارج. اليوم، تعود المسرحية إلى الخشبة مع كاتبها. لماذا؟ وهل هي مرحلة جديدة يمرّ بها النص؟

كنت قد كتبت النص بالأساس كي أقوم أنا بتمثيله. وهذا الأمر مهم بالكتابة المسرحية. في "رُكب" أو غيرها، إذا الكاتب هو أيضاً ممثل، فيفكر أثناء الكتابة طوال الوقت بالممثل الذي سيقوم بتقديم الدور، هذه العملية تغنّي النص. هكذا كُتبت التراجيديا الإغريقية، وهُنا تكمن قوة "رُكب". كنت قد وضعت فيها كلّ ما أردته كممثل على الخشبة. بعد الانتهاء من الكتابة، اقترح عليّ صديقي الفنان خليفة ناطور أن يقوم بتمثيل الدور، وتفكيري بالأمر أخذ ما يقارب السنة. ولم أكن لأتنازل عن النص لشخص آخر غير خليفة ناطور. رافقته ورافقت المسرحية في جولاتها إلى أن حصل تحول بمشوار خليفة الفنّي والمسرحية لم تقدم عروضاً على مدار عامين برغم ازدياد الطلبات عليها، هُنا وجدت أن الوقت قد حان لأقوم أنا بتمثيلها وإخراجها وطرحها بشكل مختلف عن الإنتاجات الأربعة السابقة من حيث الإخراج والأداء لكن النص لم يتغير.

– ما هو سرّ نجاح "ركب" واستمرار عروضها منذ 7 سنوات في فلسطين وخارجها؟

لأنها تتضمن محاكاة ذاتية مكتوبة بشكل يثير تفكير المشاهد، هذه المحاكاة يعرفها كلّ فلسطيني بالتأكيد وكلّ عربي بشكل عام. لكن ولا مرة تم صياغتها بهذا الشكل الذي يعبر عنها بدرجة عالية. المحاكاة أمرٌ مهم. هذا المسرح الفلسطيني الذي أحبّه، هو الذي يحاكي الفلسطيني بلا علاقة مع "الآخر". أنا أريد أن أحكي وأكتب عن قصتي وأعرف نفسي بلا أن أكون مضطراً للمقارنة أو نسب نفسي لما يُسمى بالصراع العربي- الإسرائيلي. قبل كلّ هذا، يجب أن أسأل من أنا؟ هذا السؤال الذي يشغلني دائماً: ليش أنا؟ ولماذا يحدث كلّ هذا معنا نحن؟ لا يختلف اثنين على أنّ الاستعمار هو أبشع وأحقر ما على الأرض، لكن سؤالي لماذا يصبّ الاستعمار دوماً عندنا؟ لماذا الصليبيين والأتراك والإنجليز والآن الصهاينة جاءوا إلى هُنا؟ وحين سيرحل الاحتلال هذا، لن أكون سعيداً لأنه سيأتي من يبدله. ما هو الشيء الذي يستدعي الغريب دوماً أن يستعمر هذه الأرض. هل هذا الأمر متعلق بي كإنسان أو كمواطن في هذا المكان؟ أم الأمر يتعلق بالمكان فقط؟ أم الاثنين معاً؟

أجرت المقابلة: الصحفية رشا حلوة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة