الغلاء الفاحش … ما بين تلبد لبيد وسبات أحزابنا العربية

تاريخ النشر: 19/05/13 | 3:12

لا يشكل التصاعد الجنوني في حالات الغلاء الشبه يومية في الاقتصاد الاسرائيلي نقطة فاصلة بين مرحلتين تمثل مرحلة انتقال من نعيم الى شقاء بما يخص المواطنين العرب، فتلك الاقلية كانت وما زالت تنازع سكرات الفقر بكل خطوطه الحمراء في ظل صعوبات وتحديات متشعبة، لكن الحاصل من توجيه ضربات اقتصادية يتضرر منها العرب الفقراء، انما يشكل الضربة القاضية لأي مشروع نهوض بالإنسان العربي ان كان في مستوى التعليم او التأمين لحياة كريمة او من اجل توفير الرفاهية رغم ان الاخيرة تمثل حلما مستحيلا، اما الغريب في الامر فهو غياب ردود فعل جدية لمواجهة هذه السياسة الاجحافية بحق المواطنين العرب على المستوى القوى السياسية او الجماهير العريضة، وكأن هنالك تسليم بالأمر، وينسى هؤلاء ان السياسة فن، فأن عجزت القوى الممثلة لنا جماهيريا وسياسيا في مواجهة الغلاء فهي قادرة ان تطالب برفع مستوى المعيشة ان كان برفع الاجور او بتحصيل الحقوق المدنية.

ان حالة التسليم امام سياسة لبيد التدميرية ، ليبعث على القلق ازاء احزابنا وحركاتنا وسكونها امام العواصف الاقتصادية الحاصلة ، فهي المخولة بتحريض الجماهير وتحريكها اسوة باحتجاجات المجتمعات المتطورة والتي تتظاهر بصخب لتحصين حياتها ومستقبل ابنائها ، لكن هنالك تناقض فاضح يتمثل بان قوانا السياسية لا تعاني من فقر الجماهير ، انما تعاني الجماهير غنى وبطر تلك الاحزاب والحركات الثقيلة الحركة من تخمة الشبع ! ان هذا المشهد ليدل على طبقية سياسية تمثل فيها الولوج للسياسة كمدخل لرغد الحياة ونعيمها ، فذاك الغنى سيبدو مكشوفا اكثر في ظل ازمات اقتصادية كالتي نحياها ، ويكفي ان ننظر الى مشهد ايام الانتخابات المحلية والقطرية لنرى حالات التبذير لنستبين ان حالات الغنى هذه انما جاءت كادخار لتوظيف المال لأهداف سياسية ضيقة ومحصورة لا غير ، لذا فليس المطلوب من تلك القوى العربية الخوض في النضال الجماهيري فقط فقد حان الوقت لينسجموا انسجاما اقتصاديا كليا مع اوضاع الجماهير الاقتصادية المتردية ، وان يزجوا بأموالهم المكنزة في ميادين اجتماعية جادة تتعلق برقي المجتمع ثقافيا ورياضيا وفنيا ، فذلك خير من ضخ هذه الاموال لشراء وبيع ذمم على المستوى الفردي والجماعي ، اذ لا يعقل ان ينمو السياسي ويرقى ماديا في حين ان الكثير من الادباء والشعراء والكتاب والرياضيين والرسامين والفنيين والأكاديميين ينتظرون على ابواب الضمان الاجتماعي ! لأنهم لم يملكوا عدد من القطيع الذي يستطيع ان يضمن لهم تمثيلا سياسيا راقيا بالاقتصاد، او لان المجتمع بنيّ على مفاهيم سياسية منزوعة من الشمولية بمفهوم السياسي الحقيقي والذي يضم المجتمع موحدا تحت سماء فيها من الري ما يضمن نبات حسن ، لكن مفهوم السياسة في واقعنا اشبه ببهائم تقضم الاعشاب (الجماهير) ثم تترك فضلاتها بعد ذلك مبررة اقتصارها على القضم بأنها تركت خلفها السماد الطبيعي والذي ستحتاجه هذه الاعشاب لكي تنمو !

ان هذه الهوة بين الجماهير والأحزاب والحركات قد جعلت المجتمع يتخبط بين وعود وقصور، وتركت فراغا احس به المواطن انه وحيد في معارك مفروضة عليه ، مما أثر ذلك على سلوكه الاجتماعي وبدا وكأنه يعاني البطولة في مواجهة الفقر الموجه، فتراه يتصرف بغرابة مقيتة فلا يُحسن الحزن ولا يفرح للفرح ، فترى الاعراس عبارة عن مشروع تبذير في اطار غير حضاري ، حتى تحول اطلاق النار والمفرقعات كجزء من عادات وتقاليد مبتكرة ، بمعنى ان المواطن بات يسيطر على مناخ البلد بأسلوبه الذي يراه مناسبا لانعكاسات نفسه الخاضعة للظروف ، لأنه رأى قبل ذلك استيلاء القوى الممثلة له على اي بقعة من شأنها ان توفر للحركة اوز الحزب ارباحا مادية حتى لو كان الضحية هو المجتمع ، ولو رأينا كمثال مشروع الهوائيات على سطح البلدية وعلى سطوح وأراضي اناس مطروحون للعمل السياسي لعرفنا من اين يأتي احباط المواطن ، ولعرفنا من اين يأتي العبث الحقيقي ، واخشى ما اخشاه ان تتشكى تلك القوى الفقر وكأنها هي المصابة لا الجماهير ، لتبتكر اساليبا محرمة دينيا وإنسانيا لتنهض بها من ازمات مفتعلة اصلا لا تخصها.

وأخيرا فان المطلوب من قوانا المسيطرة على المناخ السياسي والمؤسساتي عندنا ان تباشر بالمكاشفة وان تخصص الميزانيات الرسمية والغير رسمية في مكانها الصحيح، وان تكف عن مسألة التلاعب بالموازنات ، وان تضع مصلحة الجماهير نصب اعينها ، لان الفساد برأس الهرم سيكون سببا للفساد العام ، ومن ثم العمل على احتجاجات لا متناهية في التحدي لان تلك السياسة الحكومية انما لا تهدد حياتنا فحسب بل مستقبل اجيال قد تسعى للانحراف وللإجرام للكسب السهل ، ثم على الجماهير ان تستغل هذه الازمة اخلاقيا لمراجعة نمط حياة مجتمعنا بكل ما يحيط به من تكاليف بالإمكان محاصرتها والتقليل منها، واخشى ما اخشاه ان الجماهير لن تكون مستعدة للمواجهة المشروعة بسبب قلة وقتها وانشغالها بالأعراس التي لا افراح فيها !

‫2 تعليقات

  1. استاذ علي ..بالنسبه لما ذكرت اعتقد كذلك اننا نحن لنا دور بالغ الاهميه في خلق ذلك المناخ الذي ساعد ويساعد على تدني اوضاعنا ككل وليست الماديه فقط كوننا رضينا لاولادنا التقوقع داخل التقليد الاعمى دون ان يصب في تحسين ثقافتهم وحضارتهم التي يستمدوا منها القوه للنهوض بمجتمع لا ينتظر من يملي عليه ويحاصر مادياته ..لو كل شخص منا ادرك حجم مسؤوليته وحاول ان يبني مجتمعه وليس تدميره لاصبح الفقر في مهب الريح لا نجده بيننا لان العزيمه والاراده هي من يصنعها الانسان فتصنعه ..فحينها لا ينتظر ان تشفع له الاحزاب ولا المؤوسسات الحكوميه ..فنحن بحاجه لانفسنا حتى نتحدى كل مظاهر الانحراف التي سببها الفقر الناتج عن قله الوعي والادراك باننا نستطيع صنع المستحيل ..

  2. “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” {حديث نبوي} .. الناس مش راحمه بعض ، لا الجار جاره ولا الولد والده ولا مساعدين الشباب تتزوج … وكيف بدكم الله يخفف الغلاء ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة