المنديل السحري
تاريخ النشر: 13/09/15 | 4:25كان يا مكان
فلاَّح ميسور يعيش في حقله مع زوجته وأولاده الخمسة. وذات موسم انحبس المطر فحزن الفلاَّح
وكان قد بذر الحب، فتوجَّه إلى حقله العطشان، ناظرًا إلى الغيم، منشدا
تعال يا مطر تعالْ
كي تكبر البذورْ
ونقطفَ الغلالْ
تعال لتضحكَ الحقولْ
وننشدَ الموّالْ
مضت الغيوم.. غير آبهة بنداء الفلاّح، فزاد حزنه، واعتكف في بيته مهمومًا حزينا
اقتربت منه زوجته مواسية
صلِّ على النَّبي يا رجل هوّن عليك مالك تصنع من الحبّة قبّة
دعيني يا أمّ العيال الله يرضى عليكِ ولا تزيدي همّي
طيّب إلى متى ستبقى جالسًا هكذا تسند الحيطان قم اخرج اسعَ في مناكبها
أسعى ألا ترين أنّ الأرض قد تشقّقت لكثرة العطش والحَبَّ الذي بذرته أكلته العصافير
دعيني بالله عليكِ فأنا لم أعد أحتمل لكنّك إذا بقيت جالسًا فسنموت
جوعًا لم يبقَ لدينا حفنة طحين قم واقصد الكريم، فبلاد الله واسعة
اقتنع الرّجل بكلام زوجته فحمل زاده وودّع أهله ثمّ مضى
كانت هذه الرّحلة هي الأولى لـه لذا كابد مشقات وأهوالًا فأحيانًا يظهر لـه وحش
فيهجم عليه بعصاه الغليظة ويطرحه أرضا وأحيانًا يعترضه جبل عال فيصعده وهكذا
إلى أن وصل إلى قصر فخم تحيط به الأشجار وتعرّش على جدرانه الورود
وما إن اقترب الفلاَّح من باب القصر، حتّى صاح به الحارس
هيه أنت، إلى أين
أريد أن أجتمع بصاحب القصر
ماذا تريد أن تجتمع بالسلطان
وسمع السلطان الجالس على الشرفة حوارهما، فأشار للحارس أن يُدخل الرجل وفور مثوله أمامه قال:
السَّلام على جناب السّلطان
وعليك السلام ماذا تريد
أريد أن أعمل
وما هي مهنتك
فلاَّح أفهم بالزراعة ثمّ سرد له قصّته
-إيه.. طيّب، اسمع ما سأقوله، أمّا العمل بالزراعة فهذا مالا أحتاجه، عندي مزارعون
لكن إذا رغبت في تكسير الصخور فلا مانع الأرض مليئة بالصّخور وأنا أفكر باقتلاعها والاستفادة من مكانها
موافق
إذًا اتفقنا على الأمر الأوّل بقي الأمر الثاني
ما هو
الأجر أنا أدفع للعامل دينارًا ذهبيًا كل أسبوع فهل يوافقك هذا المبلغ
حكّ الفلاّح رأسه مفكرًا قال
عندي اقتراح ما رأيك أن تزن لي هذا المنديل في نهاية الأسبوع وتعطيني وزنه ذهبًا
وأخرج الفلاّح من جيبه منديلًا صغيرًا مطرزًا بخيوط خضراء.
وفور مشاهدة السلطان المنديل شرع يضحك حتّى كاد ينقلب من فوق كرسيّه الوثير ثمّ قال
منـ.. منديل يا لك من رجل أبله وكم سيبلغ وزن هذه الخرقة أكيد أنّ وزنها لن يتجاوز وزن قرش من الفضّة ها ها ها أحمق مؤكد أنك أحمق
بلع الفلاّح ريقه وقال
يا سيّدي ما دام الرّبح سيكون في صالحك فلا تمانع أنا موافق حتّى لو كان وزنه وزنَ نصف قرش
لمس السّلطان جدّية كلام الفلاّح فاستوى في جلسته وقال
توكَّلنا على الله، هاك المطرقة وتلك الصّخور شمّر عن زنديك وابدأ العمل وبعد أسبوع لكل حادث حديث
أمسك الفلاّح الفأس بزندين فولاذيين مشى باتجاه الصّخور بخطا واثقةنظر إليها نظرة المتحدِّي
ثمّ وببسالة الباشق هوى عليها بمطرقته فتفتّتت تحت تأثير ضرباته العنيفة
متحوّلة إلى حجارة صغيرة وكلّما نزَّ من جبينه عرق الجهد والتعب أخرج منديله الصّغير ومسحه.
عَمِلَ الفلاّح بجدّ وتفانٍ، حتّى إنّه في تمام الأسبوع أتى على آخر صخرة، صحيح أنّ العرق تصبّب من جبينه كحبّات المطر، لكن ذلك لم يمنعه من المثابرة والعمل.
انقضى أسبوع العمل، وحان موعد الحساب.
عافاك الله أيُّها الفلاّح لقد عملت بإخلاص، هاتِ منديلك كي أزنه لك
ناولـه الفلاّح منديله الرّطب وضعه في كفّة ووضع قرشًا فضيًَّا في الكفّة الأخرى
فرجحت كفّة المنديل أمسك السلطان عدّة قروش وأضافها، فبقيت كفّة المنديل راجحة
امتعض أزاح القروش الفضيّة ووضع دينارًا ذهبيًا فبقيت النتيجة كما هي
احتار طلب من الحاجب منديلًا غمسه في الماء ووضعه مكان منديل الفلاّح فرجحت
كفّة الدّينار
زَفَرَ نظر إلى الفلاّح غاضبًا قال
أفّما سرّ منديلك أهو مسحور ظننت أن الميزان خَرب لكن وزنه لمنديل الماء صحيح
ابتسم الفلاّح
وشرع السلطان يزن المنديل من جديد فوضع دينارين ذهبيين
ثلاثة أربعة حتى وصل إلى العشرة حينها توازنت الكفّتان
كاد السلطان يجن، ماذا يحدث أيعقل هذا عشرة عشرة دنانير
نهض محموما أمسك بياقة الفلاّح وقال
تكلّم أيُّها المعتوه اعترف من سحر لك هذا المنديل
وبهدوء شديد أجابه الفلاّح
-أصلح الله مولاي السلطان القصّة ليست قصّة سحر فأنا لا أؤمن به
القصّة باختصار هي أنّ الرّجل عندما يعمل عملًا شريفًا يهدف من ورائه إلى اللقمة الطّاهرة
ينزّ جبينه عرقًا هذا العرق يكون ثقيلًا أثقل من الماء بكثير
هزَّ السلطان رأسه وابتسم راضيًا قال
سلّم الله فمك وبارك لك بمالك وجهدك وعرقك تفضل خذ دنانيرك العشرة واقصد أهلك غانما
قصد الفلاّح أهله مسرورا وأخبرهم بما جرى ففرحوا وهللوا وتبدلت