نحبك .. و نخشى عليك منا..!
تاريخ النشر: 30/04/13 | 3:40هل بك يا أردن كل ما بي من وجع ، كل مابي من هلع ، كل ما بي من ضلوع تتكسر كل يوم ألف مرة ، ثم تغفو تتدثر بألف ثوب على أمل أن تستيقظ على شمس صباح يوم جديد أرى فيه شيئا غير الذي أراه في كل يوم ، لقد شتمنا بعضنا حتى باتت مجاملاتنا شتائم ، و حبنا لك أغان وولائم ، قد فقدنا ذلك الشوق الذي كان حريا أن تغيب الشمس تبكي من ثناياه الجميلة ، من صفاء الأردنيين الذين يستحمون بعرق جباههم كل يوم ، من الحصادين الذين كانوا يقضون كل الصيف في حقول القمح في سهول حوران و يبيتون على ظهور بيادرهم يرقبون الفجر حتى يصلوا الفجر مع سنابل القمح المنحنية ركوعا لله .
هل بك يا أردن مابي من وحشة و اغتراب ، كنت أظن أنني لن اشعر بالوحشة وأنا فيك و أنت في ، كنت أظنك حنونا يتقطع قلبك علينا فإذا بك تقسوا و يصير قلبك مملوءا بالغضب المروي بالظمأ الجامح ، و غضبك يا وطن من غضب الله و غضب الوالدين فلا تقسوا علينا فقد أحببناك أكثر من أنفسنا و ما بنا من وحشة واغتراب ليس إلا الفقر في الوطن الذي تحدث عنه علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ، فقرنا إلى أن نفرح بك و تفرح بنا ، و فقرنا إلى أن نأكل من طحين قمحك أو حتى شعيرك الذي كنا نطعمه لبهائمنا فعز اليوم علينا ، فقرنا إلى نشم ريحك المدنفة التي كانت تهب فتملأ رئاتنا أملا ، و حبا ، و كان الفلاحين بعد يوم مضن من التعب يذهبون إلى المضافات ليتعللوا و ما عاد اليوم شيء يعللهم أو يعللنا ، و كانت النشميات من الأردنيات إن تبسمت واحدة في وجهنا أحسسنا أن الدنيا كلها تضحك و ترقص ، واليوم النشميات … ماذا أقول لك ، اسألهن يجبنك .
هل بك يا أردن كل مابنا من شوق و عتاب و هل بك ما بنا من ألفة مع الحزن ما ألفناها ، تحول خبزنا سياسة ، و فواتيرنا سياسة ، و تعليم أبنائنا سياسة ، و لم نعد يا أردن نحتفي بإبريق من الشاي على نار حطب البلوط نرتشف منه ، فنشعر بكل رشفة دفقا من الحب يتغلغل في شراييننا ، و يصل إلى أعمق أعماقنا ، لم نعد نجد من نرنوا إليه فنشعر بالدفء ، و نشعر بالأمان ، كنا ورغم كل ماكان وكنا ، كنا نرى في بعض من يقودون الوطن لوحات مرسومة على صخور شيحان أو على سنابل أربد سنبلة سنبلة ، كنا نسمع بهزاع فنطمئن و نستريح ، و نرى وصفي ببلوزته السوداء و سحنته الأردنية فنشعر أنه يحضن كل واحد فينا ، واليوم …
اليوم يا أردن نبحث في الوجوه فلا نرى وجها يطمأن ، و نقلب وجهنا في السماء علنا نجد قبلة لنا فلا ندري أين قبلتنا ، فأولى القبلتين ما عادت تفيد أن نستقبلها و قطعان اليهود يشوهون أرضها و سمائها ، و ثاني القبلتين عاتبون عليها فهي ترى فقرنا و ديننا و جوعنا و بطالتنا و قحطنا و محلنا فلا تقول وا ولداه ، ولا تنادي بارك الله في الشام و أهل الشام كما كان ينادي رسول الله صلى الله عليه و سلم .
اليوم يا أردن نخشى عليك منا ، و نخشى على أنفسنا منك ، أكاد أسمع في سمائك الوحي يقرأ " قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون " ، نرى الليل عتمة والسماء مكفهرة و الليل طويل سرمدي كأن لا نهاية له ، و كل وجع جديد يأتينا كل يوم نظن أنه كابوس لا يلبث ان ينجلي حينما نستيقظ من سباتنا فإذا بالليل سرمدي والكابوس أبدي و نسأل الله الستر في الدنيا و الآخرة .
اليوم، أشكوك يا بلدي، للواحد الأحد، تمضي و تتركنا في هذه اللحد لا ينحني فيها أحد على أحد، هل مات فينا الحب ، أم أدمنا غضب الوطن بعد أن أغضبنا الله و الآباء والأجداد..لست أدري ، سامحني يا وطني إن قسوت عليك فقد اتعبتنا بحبك و أتعبتنا بهجرك ، كلما اقتربنا منك ابتعدت و كلما ظنناك بين أيدينا تسربت " كباسط كفيه للماء ليبلغه وما هو ببالغه " صدق الله العظيم !!