كفانا تهجيراً وترحيلاً

تاريخ النشر: 23/08/15 | 14:00

لا تزال السلطات الإسرائيلية منذ عام 1948 تمارس التهجير، والترحيل القسري ضد عرب الداخل الفلسطيني بشتى الأشكال، والألوان فتارة بحجة الأمن، وأخرى بحجة حاجتها للأرض لتخصيصها للصالح العام الذي لا يشمل العرب طبعاً، والنتيجة في كلتا الحالتين واحدة لا تتعدى رغبة هذه السلطات في خلق تجمعات يهودية صرفة خالية ونقية من العرب.
وقد انتهجت السلطات الإسرائيلية نوعين من التهجير لتحقيق غرضها هذا حيث هجرت قسراً الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني إلى خارج البلاد، فخلقت مخيمات اللاجئين المتناثرة في الوطن العربي، وهجرت قسراً الغالبية العظمى ممن شاء لهم القدر بالبقاء في أراضيهم داخل البلاد حتى لا يكاد يبقى إلا القليل النزير في أرضه الأصلية، وخير مثال على ذلك سكان القرى المعترف بها في النقب، وسكان قرية دهمش، وسكان اللد، والرملة العرب على سبيل المثال لا الحصر، فمن منا لم يهجر مرة واحدة على الأقل، والحبل على الجرار فها هي التجمعات السكانية، أو ما تسميها السلطات الإسرائيلية القرى غير المعترف بها في النقب تمارس عليها ألوان الظلم، والحرمان من ابسط الخدمات الإنسانية ليجبر أهلها على الهجرة القسرية إلى قرى تقام لهم تخالف نهجم حياتهم، واسلوبها ليعيشوا فيها كالغرباء عن أنفسهم وعن عاداتهم وتقاليدهم.
فسكان القرى المعترف بها في النقب هجروا قسراً من مضاربهم التي كانت مقامة على أراضيهم الموروثة أب عن جد في أرجاء النقب بطرق ملتوية حتى لا تظهر هجرتهم وكأنها هجرة قسرية، وسكان قرية دهمش غير المعترف بها هجر أهلها من أماكن سكناهم، وقراهم الأصلية بنفس الطريقة، وسكان اللد، والرملة العرب الحاليين مورس عليهم نفس الاسلوب في جولة التهجيّر الأولى التي هجر فيها أهالي قراهم الأصلية إلى خارج البلاد لكن حفظ الله لهذه البلاد، ولهذا الشعب حفظ وجودهم ليعمروا غير قراهم الأصلية.
وهذا السلوك، أو هذه الممارسات العدائية التي انتهجتها، وتنتهجها السلطات الإسرائيلية ضد عرب الداخل ليس بمستهجنة، ولا بالغريبة بل هي طبيعية جداً في ظل عنصرية هذه السلطات العمياء الصماء التي لا تحترم حقاً لإنسان، ولا ترى غير عنصر واحد من مركبات سكان الدولة فقط.
لكن المفاجئ، والغريب، والمستهجن هو ما عاد طرحة كنوع من الهجرة الطوعية بخصوص انضمام قرية دهمش إلى مدينة اللد كحل لتفادي هدم البيوت المرشحة للهدم في القرية وكأنه لم يكن في اللد بيوتاً تابعة للسكان العرب مرشحة للهدم، أو كأن بيوت السكان العرب في اللد وأحيائهم أصبحت مرخصة، وقانونية بمنظور السلطة تماماً، لكنها في الواقع ليس كذلك، وحتى من دخل التخطيط من هذه الأحياء لم يحظ بأي خدمات تماثل الخدمات الممنوحة للأحياء اليهودية المرخصة، والقانونية بمنظور السلطة، فلماذا الانضمام إلى اللد بالذات؟
فحتى لو سلمنا جدلاً بأن بيوت قرية دهمش ستسلم من الهدم بمجرد انضمامها لمدينة اللد فإنها ستحتاج حتى تصل إلى وضع قانوني يمكن النظر في هدمها من عدمه فقط إلى عدة سنوات. نعم ستحتاج حتى تصل إلى وضع قانوني حتى يمكن النظر في جعلها قانونية بمنظور السلطة إلى عدة سنوات، فهي الآن تقع ضمن نفوذ المجلس الإقليمي عيمك لود وهذا أمر معروف للجميع ومعترف به حتى من قبل السلطات نفسها، فهناك لحنة حدود أقرت ذلك، وهناك توصيات من وزارة الداخلية بهذا الخصوص، وهناك بعض السكان يتلقون بعض الخدمات من المجلس الإقليمي عيمك لود، وإن كان ذلك قد حصل بحكم محكمة أجبرت المجلس على تقديم هذه الخدمات غصباً. من هنا ستكون مسيرة انضمام قرية دهمش لمدينة اللد وسلامة البيوت من الهدم المزعومة الخيالية، وغير الواقعية طويلة، وشاقة فأول خطوة في هذه المسيرة ستتم من خلال تقديم طلب بذلك للجهات المعنية والتي ستتوجه بدورها إلى بلدية اللد، ولسكان دهمش لسؤالهم وفي حال توصلت هذه الجهات المعنية لقناعة بشأن انضمام قرية دهمش إلى اللد ستقدم توصياتها إلى وزير الداخلية، أو إلى الجهات المختصة بالتخطيط لتشكيل لجنة حدود للنظر في هذا الطلب لكن النظر فيه سيكون أصعب، وأكثر تعقيداً من أمثاله لأن هناك قراراً من لجنة حدود سابقة يجب فضه، ونقضه ليتسنى تقديم تقريراً جديداً عوضاً عنه، وفي حال وافقت هذه اللجنة على انضمام قرية دهمش إلى اللد قد يعترض على هذا القرار بعض أهالي دهمش، أو بعض سكان اللد اليهود مثل هجرعين هتوراني على سبيل المثال لا الحصر، ناهيك عن وجود خارطة هيكلية لمدينة اللد مودعة لدى لجنة التخطيط والبناء في لواء المركز لا تزال في طور الاعتراضات، مما يعني أن هذه البيوت ستبقى في وضعها القانون الحالي طوال هذا الوقت أي أن قرارات المحكمة التي تقضي بهدمها ستبقى قائمة وسارية المفعول ويمكن تنفيذها في كل لحظة دون الرجوع إلى أي جهة كانت بما في ذلك هؤلاء الذين أحييوا ما كان قد مات، ويقترحون ضم قرية دهمش إلى اللد. فما دام هذا هو الحال فلماذا اللد؟
وما دامنا نحن العرب نوافق على ما يشبه الهجرة الطوعية هذه المرة بحجة سلامة بيوت قرية دهمش من الهدم ليبقى المجلس الإقليمي عيمك لود نقياً من العرب إذاً ما المانع من أن نكف أو نتوقف عن معارضة بناء كنيس أو مصلى لليهود في باحات المسجد الأقصى المبارك لكي نسلمه من الهدم اتباعاً لنفس المعادلة. فها هي السلطات الإسرائيلية نفسها تسعى من خلال مستوطنيها، ومتدينيها المتطرفين التي تحرص على خلق تجمعات سكانية يهودية خاصة بهم نقية من العرب لهدم المسجد الأقصى المبارك فإذا كان ثمن التنازل عن مبدأ حقنا في السكن في أي بقعة في أرض فلسطين حتى لو كان ذلك ضمن نفوذ سلطة محلية كل سكانها من اليهود هو سلامة بيت، أو بيتين من الهدم تصبح هذه المعادلة في ظل كون حياة الإنسان أفضل من الكعبة لأن سلب الأنسان لانتمائه لمسكنة الذي هو جزء من وطنة موت لهذا الإنسان صحيحة في حق المسجد الأقصى أيضاً.
لكن ليس هكذا تورد الإبل بل يجب علينا أن لا نتنازل عن حقنا في السكن في أي بقعة من أرضنا حتى لو كانت ضمن أي تجمع سكاني مهما كان جنس، وعرق سكانه بل علينا السعي والنضال لأجل البقاء والسكن في بقعة من أرضنا مهما كان سكانها لأن هذا حق شرعي لنا وليس ، أو معروفاً من أحد لذا علينا أن نقول جميعاً للجميع كفانا تهجيراً وترحيلاً.

إبراهيم أبو صعلوك

ibrahems3look

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة