ملخص دراسة أبعاد وانعكاسات التحوّل في سورية: قراءة في التداعيات الداخلية والإقليمية

الدكتور : عـمـر رحـال

تاريخ النشر: 03/07/25 | 17:08

تشهد سورية منذ العام 2011 تحولات عميقة وبالغة التعقيد، بدأت مع الحراك الشعبي المطالب
بالإصلاح، وتحولت إلى صراع مسلح متعدد الأطراف أفرز واقعاً جديداً على المستويين الداخلي
والإقليمي. سقوط نظام الأسد وتأسيس نظام سياسي جديد في سورية لم يعد مجرد انتقال في
السلطة، بل يمثل تحولاً بنيوياً في هوية الدولة، تركيبة الحكم، وموقعها الإقليمي والدولي، مع ما
يرافق ذلك من تحديات وفرص هائلة.
داخلياً، أدت سنوات الصراع إلى تفكك البنية السياسية والاجتماعية والمؤسساتية التقليدية، حيث
كشف النظام السابق هشاشة الدولة وتآكل شرعيتها، وهو ما يتطلب من النظام الجديد إعادة صياغة
العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس التعددية، والمواطنة المتساوية، وسيادة القانون. فإصلاح
المؤسسات، وخاصة الأمنية والقضائية، وإعادة بناء الاقتصاد المنهار، ودمج اللاجئين والنازحين،
وتحقيق العدالة الانتقالية، تشكل ركائز أساسية لأي استقرار مستقبلي. كما أن معالجة الانقسامات
الطائفية والإثنية والدينية أصبحت أولوية وطنية ملحّة، بما يعزز مفهوم المواطنة الجامعة ويُنهي
الانقسامات المجتمعية التي غذّتها سنوات الحرب.
وفي هذا السياق، تعد العدالة الانتقالية مدخلاً أساسياً لتحقيق المصالحة الوطنية، عبر كشف
الحقيقة، إنصاف الضحايا، محاسبة المسؤولين، وإصلاح مؤسسات الدولة، لضمان عدم تكرار
الانتهاكات الجسيمة التي طالت حقوق الإنسان السوري خلال الحرب.
إقليمياً، فرضت التحولات في سورية إعادة تموضع معقد في موازين القوى والتحالفات. فعلى
صعيد العلاقة مع إيران، يتوقع أن يعمل النظام الجديد على تقليص النفوذ الإيراني تدريجياً، خاصة
في ظل الضغوط الدولية والعربية، مع رغبة سورية في استعادة علاقاتها مع الدول العربية
والخليجية، مقابل إنهاء الارتهان لطهران.
أما العلاقة مع تركيا فتتداخل فيها قضايا الأمن القومي، وملف اللاجئين، والوجود العسكري
التركي في شمال سورية، ومسألة الأكراد. ورغم تعقيدات هذه العلاقة، إلا أن النظام السوري
الجديد يتقاطع فكرياً مع تركيا، ما يمهّد لتقارب سياسي واقتصادي مشروط بحل الملفات العالقة،
خصوصاً مستقبل قوات سورية الديمقراطية والوجود العسكري التركي.
في لبنان، شكل سقوط النظام السوري ضربة قوية لحزب الله، الذي كان يعتمد على سورية كممر
استراتيجي لوجستي وعسكري. التغيرات في سورية ستضع حزب الله أمام ضغوط داخلية وإقليمية
متزايدة، قد تدفعه نحو مراجعة شاملة لإستراتيجيته السياسية والعسكرية في لبنان، ما ينعكس على
التوازنات الداخلية وعلى مستقبل العلاقة اللبنانية – الإسرائيلية، وسط احتمالات لتطور العلاقات
باتجاه تهدئة أو حتى تسوية سياسية لاحقاً.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يتوقع أن يعيد النظام السوري الجديد ترتيب أولويات سياسته
الخارجية، ما قد يؤدي إلى تراجع مكانة القضية الفلسطينية كقضية مركزية في الخطاب السوري،
لصالح خطاب براغماتي يركز على إعادة الإعمار والانخراط الإقليمي. كما سيعاد النظر في
علاقة الدولة السورية بالفصائل الفلسطينية المسلحة، بحيث يتم ضبط وجودها وسلاحها ضمن
إطار الشرعية والسيادة السورية.
أما العلاقة مع "إسرائيل"، فتشير المعطيات إلى احتمالات انفتاح سوري تدريجي نحو مفاوضات
غير مباشرة في البداية أو ترتيبات أمنية محدودة، تحت ضغوط دولية واقتصادية، وقد يفضي ذلك
لاحقاً إلى تسوية سياسية تتضمن ترتيبات بشأن الجولان وأمن الحدود.

ختاماً، مستقبل سورية يتوقف على قدرة النظام السياسي الجديد على إدارة مرحلة التحول، من
خلال بناء دولة مدنية ديمقراطية تعيد الاعتبار للمواطنة وسيادة القانون، وتواجه التحديات
الاقتصادية والاجتماعية، وتوازن بين الانفتاح الإقليمي والحفاظ على السيادة الوطنية، مع ضرورة
الحفاظ على القضية الفلسطينية كقضية مركزية، ورفض تحوّل سورية إلى أداة في أي مشروع
إقليمي لتصفية هذه القضية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة