دروس في الفتنة.. والنصر

تاريخ النشر: 25/03/13 | 1:00

مؤخرا، في ظل الثورات التي جرت (ولا زال بعضها مستمراً) بالعالم العربي، وفي سوريا على وجه الخصوص، بدأنا نسمع بمصطلح "الفتنة" يتردد كثيراً على لسان بعض الدعاة، السياسين والكُتاب في أرجاء واسعة من العالم العربي والإسلامي، والذين بدأت تحوم علامات إستفهام كبيرة حول مدى فهمهم للفتنة، سبل منعها وأولويات التعامل معها. ويبدو من أرآئهم وتصوراتهم أن فهمهم للخلاف بين السنة والشيعة هو فهم سطحي لا يلامس عمق المسألة، ولا حتى يلامس الواقع والأحداث التي تجري في زماننا هذا، التي نسمعها ونشاهدها يومياً وفي كل لحظة.

ما يثير حفيظة المرء في هؤلاء هو أن وتر الفتنة أصبح دينهم وديدنهم، وأصبح كلامهم عن الفتنة الحجة الأولى والأخيرة للدفاع عن تخاذلهم وتقصيرهم في القيام بالواجب الذي تمليه عليهم اٌخوة الدين والعقيدة، فأخلدوا إلى النوم ورموا كل ما يحصل من موبقات وراء ظهورهم بدعوى التعقل ومنع الفتنة، فأصبح جل حديثهم عن الفتنة والقاء اللوم على الغرب الذي يحرضنا نحن السنة "للتجني" على الشيعة لكي تقع الفتنة، فلو سألتهم عن عقيدة الشيعة لقالوا بانه من الأفضل عدم الحديث بالموضوع خوفاً من الفتنة، ولو سألتهم عن سب الشيعية لصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام وسب الخلفاء الراشدين والطعن في أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام لقالوا نفس الجواب، ولو سألتهم عن الذبح الذي يتعرض له أهل السنة في إيران، الظلم الذي يتعرض له أهل السنة في العراق، الحرب المجرمة التي تدور ضد أهل السنة في سوريا والقمع الإرهاب الذي يتعرض له أهل السنة في لبنان لكرروا علينا نفس الشريط الممجوج: وهو عدم الحديث بالموضوع لمنع الفتنة.

وهناك ما هو أدهى وأمر من ذلك، وهو أنك أحياناً تجد بعض الكُتاب والمحللين الذين يعتقدون أنه لا يوجد صراع بين السنة والشيعة اصلاً، وهناك من يظن أنه لا يوجد حتى فرق بين أهل السنة والجماعة، وبين من ضل، ارتد أو كفر من الشيعة.

بهذه العقلية أصبح الحديث عن قتل أهل السنة – فتنة، الحديث عن هدم المساجد – فتنة، الحديث عن إستباحة أعراض أهل السنة – فتنة، الحديث عن إستهداف السنة- فتنة، إستغاثة النساء – فتنة، إستغاثة الأطفال – فتنة، لا إله إلا الله – فتنة، محمد رسول الله – فتنة، وآسلاماه – فتنة، نشرة الأخبار – فتنة، البندورة أغلى من الخيار – فتنة…

ومن هنا أقول لهم: ألا لقد وقعتم بالفتنة، ألا لقد غشيتكم الفتنة من أعلى رؤوسكم حتى أخمص قدميكم، فبالله قولوا لي كيف يكون الذب (الدفاع) عن عرض رسول الله عليه الصلاة والسلام فتنة؟، كيف يكون واجب نصرة المظلومين والمستضعفين فتنة؟، كيف يكون الدفاع عن بيوت، دماء وأعراض المسلمين فتنة؟، بالله عليكم، قولوا لنا كيف؟؟؟؟

أحبابي، إن الفتنة ليست بحاجة لمن يعلن عنها أنها قد وقعت، إنها جلية واضحة، ترفع رأسها في كل مشاهد المواجهة الممتدة من الأحواز (مناطق أهل السنة في إيران) وحتى بيروت (معاقل وشبيحة النظام الإيراني)، فغرس الرأس بالوحل، يا سادتي الكرام، وعدم مواجهة الحقائق لن يحل من القضية شيئ، ولن يجعل من الوضع يتحسن على الأرض، لا بل سيزيدها تعقيداً وإمتداداً بالوقت والجغرافيا.

كما وإننا إن وقعت الفتنة (وقد وقعت) لا نخافها، فالفتنة قد وقعت فعلاً قبل أكثر من ألف وأربعمئة (1400) عام ولا زالت، منذ أن قررت فئة من مجرمي المجوس الطعن في الإسلام منذ بداياته والتمرد على قيمه وأهم أساسته المتمثلة بالتوحيد الخالص لله تعالى. وعلى مدار كل تلك السنين والفتنة قائمة، والدم ينزف، إلا أن البعض إختار التعتيم ودفن الحقائق خوفاً من شيئ قد وقع أصلاً أو راجياً لأمر (توافق بين السنة والشيعة) لا نرى له من ذرة أمل في ظل الإختلافات (الدينية) والخلفات (السياسية) الجوهرية والعميقة بيننا وبينهم.

إن مشكلتنا مع الشيعة ليست بسيطة قابلة للحل، فالصراع معهم هو صراع عقدي، وجودي، ديني، سياسي وعسكري، فلا نحن نتفق معهم بالرؤية الدينية ولا حتى نلتقي معهم بالمصالح الدنيوية، لأن وجودهم يأتي على حساب وجودنا، وقوتهم تأتي على حساب ضعفنا، ومصالحهم تاتي على حساب مصالحنا، وأن الأمور التي يؤمنون بها تخالف أهم ركائز العقيدة عندنا.

ومن هنا أود أن أسأل كل من يصف لنا واقع وردي (وهمي) كان موجود بيننا وبين الشيعة يوماً ما، كم مرة منذ وقوع الفتنة في زمن سيدنا علي كرم الله وجهه وحتى اليوم كنا نحن والشيعة في صف واحد؟، أو قاتلنا معاً عدواً مشتركاً؟، أو حتى كانت علاقات تعاون بيننا ؟؟؟.

لا بل على العكس، إن أهم المعارك المفصلية بالتاريخ الإسلامي كانت تسبقها مفاصلة (معارك) مع الشيعة ويتم دكهم وإخضاعهم وإبطال مكرهم ثم كان يتفرغ المسلمون لحرب أعدائهم الخارجيين وينتصروا.

أبعد من ذلك، نحن أهل السنة لم نبدأهم بالحرب، بل هم الذين يتربصون بالدول الإسلامية، ويذبحون ويقتلون في كل مكان أتيح لهم فيه التعدي على أهل السنة، ويعتبرون قتل السنة هي قُربى يتقربون بها إلى الله ليدخلهم بها الجنة.

لذا، فدفاعنا عن أهلنا السنة هو واجب ديني قبل أن يكون واجب إنساني وأخلاقي، من قال لك غير ذلك فقد كذَبكَ وإن أراد أن يصدُقكَ، قد أضلك وضللك وإن أراد هدايتُكَ.

سادتي الكرام، أتريدون حقاً أن تعرفوا ما هي الفتنة، وكيف تكون؟، إن الفتنة هي أن تكون إيران، أتباعها، مجرميها وشبيحتها جالسون في بيوتهم، يؤمنون بما يؤمنون به من حق أو باطل، ولا يلوون على شيئ، ولا يلوون على احد، وان يكون في نفس الوقت اهل السنة آمنون في بيوتهم، يصلون، يصومون، يتعبدون، مساجدهم آمنة، عقيدتهم مصانة ومحفوظة، يخرجون للمدارس، للعمل، ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي فيأتي شخص ليحرض على الشيعة ويدعوا لحربهم وقتالهم على ما يقولون وما يفعلون سراً في بيوتهم ومعابدهم، عندها ربما كنت وافقت معكم بأن هذه دعوة للفتنة ولشق الصف (الغير قائم أصلاً) بين السنة والشيعة كما تدعون.

أخي بالله، إن الله أنعم علينا بعقل لنسمع، لنشاهد ثم نحكم على الأمور، تعالوا لنتفحص ونرى ما يجري من إجرام وتعدي من قِبَل إيران وأذنابها بالمنطقة على أهلنا من السنة في جميع نقاط الصراع المشتعلة حالياً، نجد (وبالأدلة القاطعة) أن أهل السنة يقعون تحت ظلم ظاهر، واضح لا لبس فيه، ظلم في أوطانهم، بلدانهم وفي عقر دورهم، وعليه فإن واجب النصرة (بالكلمة وبغيرها) في هذه الحالة أصبح فوق كل إعتبار، فأي فتنة أعظم من أن يُقَتّل وَيُذَبّح الكبار والصغار وأن يؤذوا في دينهم ودنياهم، أن تُنتَهك محارمهم، أن تُحَارَبَ عقيدتهم، أن يُهَجّروا أو أن يتم إرهابهم بألآت الحرب والقتل.

النصيحة، العبرة وفصل الخطاب:

عزيزي القارئ، أخي بالله، لا تَسمع أحد ولا تعر كلام من صَدّعوا رؤوسنا وأذلوا أنفسهم والناس بدعوى "منع الفتنة". فالفتنة هي ما يدعوننا إليه، إن الفتنة هي أن تُغتَصبَ النساء، يُقتل الأطفال، يُذبح الرجال ويُحارب الدين والعقيدة وأن نَسكُتَ على ذلك، فهل تفعل؟، أنا والله لا أفعل.

إن كانوا حريصين على عدم وقوع الفتنة، فليكفوا أيديهم عن اهل السنة:

ثم، إنّا نحن لسنا بأحرص على عدم وقوع الفتنة (وقد وقعت) من الذين إستلوا علينا سيوفهم، جاؤوا على دباباتهم، إستجلبوا مجرميهم وشبيحتهم وكتائب موتهم (المندحرة بإذن الله) لقتلنا ونهب أوطاننا ولإجتثاث أهل السنة من أرض الإسلام، وأنى لهم ذلك، ألا إن عليهم تدور الدوائر، وستنقلب مخططاتهم وأوهامهم وبالاً عليهم قريبا بفضل الله.

ومن هذا المقام أقول أيضا لكل من له عقل وقلب يبصر بهما، بأن إنتصار الاُمة على مدار التاريخ ما تحقق حتى تخلصت هذه الاُمة من أعدائها الداخليين أولاً، وحتى يَطّهر ويَنظُف صف المؤمنين، وحتى تصطف هذه الٱمة إلى صفين إثنين؛ صف إيمان لا كفر فيه، وصف كفر لا إيمان فيه. فمن رأى فيما تقول الشيعة وتفعل ذرة من إيمان فليصطف معهم، أما المؤمنون الصادقون فوالله لا يفعلون؛ لا يصطفون في صفِ شركٍ وفي حزب كفرٍ سيما وقد بآن الأمر وإستوضحت الصورة وكُشفت نواياهم الخبيثة.

إن المواجهة (والتي يطلق عليها البعض إسم الفتنة) بين أهل السنة وبين إيران وأذنابها ستكون حتمية وضرورية لا مفر منها إذا لم تتوقف الأخيرة عن العبث الخبيث في دول أهل السنة، ولم تُنصف أهل السنة في إيران، وهو أمر مستبعد ولا يبدو أن إيران تفكر في هذا الإتجاه على كل حال.

فيا أعوان إيران، أقتلوا واذبحوا وهَجِروا وارقُصوا على دمائنا حتى الثمالة، فلا مفر من المواجهه التي بدأتموها ولا زلتم تصرون عليها، وغدا عندما يلتقي الجمعان، لا بدَ ستعلو صولة الحقِ من جديد، وستولي كِسرى اليوم كما وَلت كِسرى الأمس، وعندها ستعلمون يا أحفاد رستم أيُ ذُلٍ وأيُ عارٍ سَتُكَلَلُونَ بِه.

وعندها يا رؤوس الكُفر، ستعلمون من يتولاهُ اللهُ بنصرهِ، ومن الذي تتخلى عنه آلهتةُ التي يدعوا من دون الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة