الأسس النفسية والتربوية لوسائل التعليم المبرمجة

تاريخ النشر: 22/11/12 | 23:46

وجه التربويون جل اهتمامهم إلى العناية بكيفية إعداد المواد المتعلقة بالوسائل التكنولوجية وإنتاجها بطريقة عالية الكفاءة تحقيقا للأهداف التربوية السليمة، كما انصب اهتمامهم على استراتيجية استخدام هذه الوسائل، إذ لم يعد الاهتمام مقتصرا فقط على العناية بكيفية استخدام الوسائل التكنولوجية في العملية التعليمية، وهذا ما استدعى مراعاة جملة من الأسس النفسية والتربوية والتي يمكن استعراضها كما يلي:

أولا: إن الأثر التعليمي لدى المتعلم يرتبط ارتباطا طرديا بمدى مساهمته في العملية التعليمية، فكلما زادت مساهمته فيها كلما زاد أثر التعليم في تغيير سلوكه وتعديله، لذا أصبح تصميم البرامج التعليمية يعتمد على أسلوب “الوسائل التكنولوجية المبرمجة للتعليم” مما يستدعي بالمقابل من المتعلم أن يساهم مساهمة فعالة ودائمة في العملية التربوية، وعلى أن يكون طوال مدة تعلمه ناشطا إيجابيا في برنامجه التعليمي.

ثانيا: أن يكون للتعلم أثر حياتي واجتماعي كبير، فينتقل المتعلم بهذا الأثر التعليمي من مجتمع المدرسة والصف إلى مجتمع الحياة لكي يستفيد المتعلم مما تعلمه في مواجهة ظروفه الحياتية إذ للوسائل التكنولوجية التربوية دور متميز في تضييق المساحة بين عالم المدرسة والعالم الخارجي للمتعلم.

ثالثا: إن أثر الاتصال عن طريق الكلام وحده لا يساعد التلميذ على الاحتفاظ به إلا إذا تم تعزيزه بالتعليم عن طريق استخدام أكبر عدد ممكن من الحواس، وهذا ما يمكن تحقيقه من خلال الوسائل التكنولوجية المبرمجة للتعليم.

رابعا: إن الإعداد الذهني المسبق لدى المتعلم من أجل استقبال المعلومات أمر أكدته التربويات الحديثة، فكان لابد لمصمم الوسيلة التكنولوجية من تضمينها الحوافز التي تتمكن من تعزيز قدرة المتعلم على مراقبة ومتابعة العناصر المعرفية المراد له تعلمها مما يسهل عليه توقع هذه المثيرات ومن ثم الاستجابة لها لمساعدته فيما بعد بإعادة وترتيب المجال الإدراكي عنده.

خامسا: إنّ إتاحة الفرصة للمتعلم للقيام بجملة استجابات منشطة تحقيقا لعملية تعليمية له اثر شديد في إدراك ما يتعلم، لذا كان من المحتم أن تحتوي الوسيلة التكنولوجية تحتوي على خبرات تشجع المتعلم وتمنحه الفرصة بأن يمارس نشاطات فعالة للمادة التعليمية ؛وبذلك تضمن له المشاركة في العملية التعليمية مشاركة جادة.

سادسا: لابد من اشتمال الوسيلة التكنولوجية على ما يعزز السلوك المرغوب لدى المتعلم لذا على مصمم الوسيلة أن يستخدم من خلالها عبارات التشجيع والاستحسان للاستجابات السليمة، ويمكن إعطاء الاستجابات الصحيحة ليقارن المتعلمون بينها وبين استجاباتهم.

الأسس النفسية والتربوية للإعداد الجيد لوسائل التعليم التكنولوجية:

1- تحديد الأهداف التربوية بدقة على المستوى السلوكي.

2- ارتباط الوسيلة بالمنهج وطرق التعليم وعلم النفس.

3- الأخذ بخصائص المتعلمين من العمر الزمني والعقلي، والميل والرغبات والخبرات والبيئة.

4- الأخذ بخصائص المعلم من حيث معرفة قدرته على استخدام الوسيلة بالاطلاع على أنواعها ومصادرها وطرق إنتاجها وكيفية تشغيلها.

5- تجربة الوسيلة عمليا في مرحلة الإعداد لها وقبل مرحلة استخدامها للتأكد من صلاحيتها.

6- توافر المناخ المناسب لاستعمال الوسيلة ومراعاة للظروف الطبيعية المحيطة باستخدام الوسيلة كالإضاءة والتهوية وطريقة وضعها.

7- عدم ازدحام الدرس بالوسائل التكنولوجية، ويتحقق هذا من خلال اختيار المعلم الوسيلة المناسبة لدرسه وطلابه وعلى ضوء الأهداف التربوية.

8- تقويم وتقدير قيمة الوسيلة ومدى ملاءمتها للدرس وللدارسين وذلك بـ:

أ- التقويم الداخلي للوسيلة، ويعني التقويم عند الإعداد والتصميم والتنفيذ.

ب- التقويم الخارجي والذي يعني تجريب الوسيلة على عينة ممثلة لمن يتعلم بهذه الوسائل التكنولوجية والتي تختار عشوائيا فإن حققت الوسيلة أهدافها تم تعميمها وإن فشلت يمكن مراجعتها للتعديل.

9- استمرارية الوسيلة بمعنى الحرص على عدم انتهاء الفائدة من الوسيلة بانتهاء استعمالها.

الأسباب الدافعة إلى استخدام الوسائل التكنولوجية في التعليم:

– الانفجار المعرفي:

تعيش البشرية الآن زمن تطور المعرفة بشكل متزايد وسريع حيث تطل علينا في كل يوم اختراعات واكتشافات وأبحاث جديدة في كافة المجالات المعرفية، ويتجلى الانفجار المعرفي في:

1- النمو المتضاعف وزيادة حجم المعارف.

2- استحداث تصنيفات وتفريعات جديدة للمعرفة الواحدة.

3- ظهور تقنيات جديدة رفدت العملية التعليمية وساهمت في نقل المعلومة والاحتفاظ بها مثل التلفاز والفيديو والسبورة الضوئية والكومبيوتر.

4-زيادة في عدد المتعلمين مما أدى إلى زيادة الإقبال على البحث العلمي الذي أدى بدوره إلى زيادة حجم المعرفة.

ـ الانفجار السكاني:

يعيش عالمنا اليوم مشكلة حادة وخطيرة تتمثل بزيادة عدد السكان وما يرافق هذه الزيادة من مشكلات اقتصادية واجتماعية، ومنوية، ولعل المشكلة التربوية من أهم تحديات العصر الراهن حيث تواجه التربية في كل مكان مشكلة زيادة عدد طالبي العلم والمعرفة، وذلك لإدراك الأمم ما في المعرفة من فائدة ونفع في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ولعلمها بأن أرقى أنواع الاستثمار هو الاستثمار العلمي الذي يقود إلى الاستثمار البشري، فأتاحت الفرصة للتعليم أمام كل مواطن، بغض النظر عن ظروفه المادية والصحية والاجتماعية، ليصبح واحدا من حقوق المواطنة التي تقاس بها حضارية الأمة مما دفع بها إلى فتح مدارس جديدة، وتسخير الإمكانيات الطبيعية والمادية والعلمية والكوادر الكفء لكل مدرسة، كما سعت إلى استخدام الوسائل التكنولوجية المبرمجة في التعليم لأجل تأمين فرص التعلم وإتاحته لأكبر عدد ممكن من طالبيه.

ـ تطوير كفاءة المعلم:

المعلم المعاصر يواجه تحديات عديدة تتمثل بالتطور التكنولوجي ووسائل الإعلام، وازدحام الصفوف والقاعات الدراسية، وتطور فلسفة التعليم مما جعل إعداده ضرورة حتمية ليس فقط قبل الخدمة بل أثناءها أيضا ليساير هذه التطورات ويتمكن من مواجهة تحديات العصر.

لم تعد التربية الحديثة تنظر إلى المعلم على أنه “الملقن والمحفظ” للمتعلمين بل ترى فيه الموجه والمرشد والمصمم للمنظومة التعليمية داخل الصف بما يقوم به من تحديد الأهداف الخاصة بالدرس، وتنظيم الفعاليات والخبرات، واختيار أفضل الوسائط لتحقيق أهدافه التربوية، ووضع إستراتيجية تمكنه من استخدام تلك الوسائط في حدود الإمكانات المتاحة له داخل البيئة المدرسية.

إذا تم النظر إلى المعلم بهذا التوصيف التربوي المعاصر فستظهر مشكلة هامة تتمثل في قلة عدد المعلمين المتصفين بهذه الصفات علميا وتربويا، ومن أجل معالجة هذه الإشكالية كان لابد من اللجوء إلى التقنية المبرمجة للتعليم.

ـ تشويق المتعلم في التعلم:

إن طبيعة الوسائل التكنولوجية، سواء أكانت مواد متنوعة أو أجهزة تعليمية أو أساليب عرض طبيعة، تتصف بالإثارة لأنها تقدم المادة التعليمية بأسلوب جديد يختلف عن الطريقة اللفظية التقليدية، وهذا ما يحبب إلى نفس المتعلم ما يتعلمه ويثير لديه الرغبة في تحصيله… كما أن التعليم التكنولوجي يتيح للمتعلم أنماطا عديدة من طرق العرض مما يتيح له حرية اختياره للخبرات التعليمية ولأسلوب تعلمه بما يتفق وميوله وقدراته فيزيد هذا من مشاركته في العملية التعليمية.

ـ جودة طرق التعليم:

يساعد استعمال الوسائل التقنية المبرمجة على تكوين مدركات ومفاهيم علمية سليمة مفيدة مستديمة، فمهما كانت اللغة واضحة في توصيل المعلومة للمتعلم فسيبقى أثرها محدودا ومؤقتا بالمقارنة مع أثر استخدام الوسائل التقنية التي تزيد القدرة على الاستيعاب والتذوق وتعين على تكوين الاتجاهات والقيم بما تقدمه لهم من إمكانية على دقة الملاحظة والتدريب على إتباع أسلوب التفكير العلمي للوصول إلى حل المشكلات وترتيب الأفكار، كما أنها توفر لديه خبرات حقيقية تقرب واقعه إليه مما يؤدي إلى زيادة خبرته فتجعله أكثر استعدادا للتعلم.

عند استخدام وسائل التعليم التقني المبرمج يتضح دور كل من المعلم والتلميذ في العملية التربوية كتحديد الأهداف التربوية وصياغتها و اكتساب الخبرات العلمية واختيار الأجهزة التعليمية ورسم استراتيجية استخدامها وتقرير نوع التعلم وواجب كل من المعلم والمتعلم تجاهه لكي يتم الوصول إلى مرحلة التقويم، وهذا ما يفعّل العملية التربوية التعليمية ويعمقها.

شروط الوسيلة التعليمية الناجحة:

1ـ أن تكون مناسبة للعمر الزمني والعقلي للمتعلم.

2ـ أن تخدم الوسيلة التعليمية المقرر الدراسي وتحقق أهدافه.

3ـ أن تجمع بين الدقة العلمية والجمال الفني مع المحافظة على وظيفة الوسيلة بحيث لا تغلب الناحية الفنية لها على المادة العلمية.

4ـ أن تتناسب مع البيئة التي تعرض فيها من حيث عاداتها وتقاليدها ومواردها الطبيعية أو الصناعية.

5ـ أن تكون الرموز المستعملة ذات معنى مشترك وواضح بالنسبة للمعلم والمتعلم.

6. أن تكون مبسطة بقدر الإمكان، وأن تعطي صورة واضحة للأفكار والحقائق العلمية شريطة عدم الإخلال بهذه الحقائق.

7ـ أن يكون فيها عنصر التشويق الجذاب.

8ـ أن تكون الوسائل مبتكرة بعيدة عن التقليد.

9ـ أن يكون بها عنصر الحركة قدر الإمكان.

10ـ أن يغلب عليها عنصر المرونة بمعنى إمكانية الوسيلة على التعديل لتحقيق هدف جديد من خلال إدخال إضافات أو حذف بعض العناصر فيها.

11ـ أن تحدد المدة الزمنية لعرضها والتي تتناسب مع المتعلمين وطبيعة المادة التعليمية

12ـ أن تكون قليلة التكاليف وأن يتناسب حجمها ومساحتها وصوتها إن وجد، مع عدد المتعلمين.

13ـ أن تكون متقنة وجيدة التصميم من حيث تسلسل عناصرها وأفكارها وانتقالها من هدف تعليمي إلى آخر والتركيز على العناصر الأساسية للمادة التعليمية.

ـ العلاقة بين التفكير الابتكاري وتكنولوجيا التعليم:

سبق وأن تمّ تعريف تقنية التعليم بمفهومها المعاصر بأنها طريقة في التفكير تعتمد على أسلوب المنظومات في تصميمها وإنتاجها وتطبيقها بمعنى أنها – تكنولوجيا التعليم- طريقة تتكون من مجموعة عناصر متداخلة ومتفاعلة فيما بعضها، ولا يمكن الاستغناء عن أي عنصر فيها أو تفضيل عنصر على آخر، فجميع هذه العناصر والأجزاء تمثل مكونات المنظومة، وهذه المكونات أو العناصر تقسم كما تمت الإشارة إليه إلى مدخلات المنظومة وعمليات المنظومة ومخرجات، والتي بها يستدل على مدى نجاحها في تحقيق أهدافها، وإذا لم تتحقق هذه الأهداف طبقا للمعايير والشروط المحددة لها مسبقا فإن ذلك يعود إما إلى عنصر المدخلات أو إلى عنصر العمليات داخل هذه المنظومة ويستدل على بالتغذية الراجعة.

مما تقدم يتبين لنا بأن تكنولوجيا التعليم هي طريقة في التفكير، وهي عملية تسير في خطوات منظمة يكتسب منها المتعلم خبرات جديدة تؤدي إلى تحسين أسلوب حياته ومعيشته وتنمي ذاته وشخصيته.. كما أن تقنية التعليم لها علاقة بالتفكير الإبداعي الابتكاري.

ويعتقد المختصون بأن برنامج التفكير الابتكاري في التعليم والتدريب يجب أن يتضمن التركيز على ثلاثة أبعاد رئيسية تساهم في تعميق فهمنا عن الابتكار ووسائل الابتكار لتنمية القدرة لدى المتعلم على التفكير الإبداعي.

ويمكننا تلخيص هذه الأبعاد بما يلي:

ـ الاتجاهات الابتكارية: وهي شرط للسلوك الابتكاري، ويمكن تطوير السلوك الابتكاري في اتجاه أكثر مرونة وأكثر قدرة على التخيل.

ـ القدرات الابتكارية الإبداعية: وهي قدرات فطرية يمكن تنميتها من خلال التدريب المتواصل.

ـ طرق ووسائل التفكير الابتكاري: وهي التي تعين المتعلم على الابتكار وتفعيل قابلية الإبداع لديه منها:

أـ طريقة التركيب الشكلي.

ب ـ طريقة قائمة المراجعة.

جـ ـ طريقة المجاز.

والطرق الثلاثة في مجموعها تهدف إلى مساعدة المتعلم وتدريبه على إنتاج الأفكار الجديدة، وإلى خلق حالة من التآلف بين هذه الأفكار.

من عدنان العلي الحسن

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة