التاريخ يعيد نفسه…

تاريخ النشر: 16/11/12 | 23:47

بعد زيارة رئيس الوزراء المصري لغزة وتهديده لإسرائيل وزيارة وزير خارجية تونس لغزة وتظاهرات حاشدة ومواجهات مع الإحتلال في مدن عديدة بما فيها رام الله معقل قصر الرئاسة وبعد مئات المظاهرات في عواصم العالم وبعد قصف تل أبيب ومستعمرات جنوب القدس المحتلة (سمعنا ورأينا من بيت لحم) وبعد استهداف الطائرات والسفن الحربية الإسرائيلية بعد كل هذا هل سمع الناس كلمة محمود عباس (أبو مازن)* وهل سيزور غزة؟ (والآن مواجهات في بيت لحم و 35 اصابة)

في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي وخلال العدوان البريطاني الصهيوني على شعبنا كان هنالك أكثر من 25 فصيل فلسطيني انتهت بانتفاضات الشعب مثلا 1929 و 1936-1939. ثم جائت فصائل أخرى تخدم شعبها وتضحي (الله يرحم آلاف الشهداء من كل الفصائل). لعل في التاريخ الذي دائما يقوي الضعيف ويضعف القوي عبر لمن يريد أن يعرف ويستفيد. وطبعا يجب أن لا نندفع وراء عواطف المرحلة وأن نخطط للمستقبل ولا يكفي أن نتفاعل مع الحوادث. هل من خطة فلسطينية عملية للسنوات العشر القادمات (مثل بسيط لخطة من مئات: خطة لتغيير سياسة دولة مؤيدة لإسرائيل لتصبح مؤيدة لحقوق شعبنا عمليا)؟

ابان الحرب على غزة قبل أربع سنوات كتبت في رسالة بعض الملاحظات وهنا أراجعها لأن التاريخ يعيد نفسه:

أ) عندما ينتهي هذا العدوان (وسوف ينتهي)فإن الجيش الإسرائيلي لن يخرج منتصرا (حصل وقتها وسيحصل الآن)

ب) الخريطة السياسية سوف تتغير ولكن ليس كما يريد القادة الإسرائيليين وقادة الولايات المتحدة أو حتى بعض الزعماء العرب (حصل وقتها وسيحصل الآن)

ج) نحن الفلسطينيون لنا فرصة لتحويل شرارات الوحدة إلى نار وحدة لا تطفأ حتى تغير هيكل القوة في الشرق الأوسط على نحو يؤدي إلى تحقيق العدالة في فلسطين وهزيمة للصهيونية والمتعاونين معها والمستفيدين منها. ولكن علينا أن نعترف بأخطائنا كأفراد وفصائل سياسية بما فيها حماس وفتح والجبهة الشعبية والجبهةالديموقراطية الخ. (لم يحصل وقتها وقد يحصل الآن)

وأضفت وقتها (2008):

يجب علينا كفلسطينيين أن نتحمل بعض المسؤولية عن هذا الوضع وهنا لا نعني الرؤساء فقط. نحن العرب والفلسطينيين كنا ضحايا الامبريالية الغربية والصهيونية ومخططات الاستعمار. نعم ومعظم مشاكلنا يمكن أن ترتبط بذلك. نعم ولكن “الزعماء” الذين نلومهم منا (ومنكم يولى عليكم). ولا يغير الله ما بقوم حتا يغيرو ما بأنفسهم ….

….العدوان كما هو الحال في قوانين الفيزياء يولد ردود فعل. ألم نرى أنه على مر السنين تعلم الفلسطينيين والعرب كيفية خوض الحرب؟ عندما نستخدم مصطلح الحرب لا يعني فقط مقاومة مسلحة ولكن كل أشكال وأساليب المقاومة….

هل يمكن أن نعمل على نحو أفضل؟ هل يمكن أن نتعلم القتال في ساحة وسائل الإعلام؟ بعد أن عملت على مدى 15 عاما في وسائل الاعلام الغربية أسأل نفسي لماذا لا يمكننا أن نفعل أفضل من ذلك. لماذا كان ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن خلال الفترات الحرجة من الانتفاضة الأخيرة لا يعرف الاعلام (أو على الأقل ليس لديه مصادر ومساعدات اعلامية جيدة تكتب له نقاط الحوار)؟ وكذا الحال في اعلام حماس الحماسي الموجه لمؤيديها. فلماذا لا نستخدم فلسطينيين متفوقين في مجال الاعلام الغربي؟ لماذا نتحدث عن ضرورة توافق فتح وحماس بينما مئات من الفلسطينيين يعيشون في نفس البلد ولا يتحدثوا مع بعضهم البعض لان لهم أفكار مختلفة حول التكتيكات؟ نتسائل هل سنرى قادة المنظمات الفلسطينية في الخارج والمجتمعات المحلية في مخيمات اللاجئين وغيرهم يدعون منافسيهم لاجتماعات تطلب نسيان خلافاتهم وبدأ صفحة جديدة وما إلى ذلك؟ ……

أعرف بعض الناس الآن يقولون أن هذا ليس هو الوقت لهذه التساؤلات عندما يذبح شعبنا. ولكن شعبنا تحمل 100 سنة من المذابح الصهاينة المدعومة من الغرب ونحن جميعا (جميع الفصائل ، جميع الأفراد) ناضجين بما فيه الكفاية لنتعلم من أخطائنا وتتطور. لسنا بحاجة للتذكير بقائمة طويلة من الاضطهادات والانتفاضات (1921 ، 1929 ، 1936-1939 ، 1947-1950 ، 1956 ، 1967 ، 1970-1977 ،…)؟ لسنا بحاجة للتذكير بالتضحيات والنجاحات التي تحققت مثلا انتفاضة 1936-1939 ، معركة الكرامة 1968 ، وانتفاضة الحجارة 1987-1991 وهل نتعلم بعض الدروس من الكثير الكثير من هذا التاريخ؟ الم تكن من هذه الدروس المستفادة الحاجة لمزيد من التنظيم والعمل وقلة الكلام؟ الم نعدل ونغيير ونتطور ونصمد؟ اليس البقاء على قيد الحياة على الأرض هو في حد ذاته أكثر من احباط لبرنامج التطهير العرقي؟ ألم تكن هذه المقاومة ما تركت 5.5 مليون فلسطيني يعيشون في وطننا التاريخي (4 اضعاف ما كان يوجد عام 1948 و 10 أضعاف 1918) رغم مواجهة استعمار من اكثر الشراسة والقوة في التاريخ؟

أليس قد حان الوقت لترك كل شيء وجمع كل الفلسطينيين (وليس فصيل معين أو أيديولوجية سياسية معينة) كل يوم للتحدث بتواضع وإخاء لتسوية الخلافات؟ ألا يمكن لنا جميعا استعمال الهاتف والبريد الإلكتروني وغيرها ودعوتهم لاجتماع فعلي واذا تعذر ذلك فاجتماع عبر الأثير؟ ما الذي يمكنك عمله لضمان حدوث هذه المصالحة؟ لماذا لا يذهب أبو مازن لغزة اليوم وليس غدا؟ ولكل فرد منا: لماذا لا نضيء شمعة بدل أن نلعن الظلام (والظلم)؟

ولا تزال هذه التساؤلات من 2008 عالقة لليوم.

بقلم  د. مازن قمصية

*(د قمصية , محاضر وباحث في جامعتي بيت لحم وبيرزيت)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة