مخيم نهر البارد: إخفاق دولي بإعادة الإعمار
تاريخ النشر: 20/01/15 | 9:31من المفترض أن يتم الإنتهاء من إعادة إعمار مخيم نهر البارد بعد ثلاث سنوات من تاريخ وضع حجر الأساس، ومعها يعود 27 ألف فلسطيني مهجر من المخيم وفقاً لإحصاء “الأونروا” بتاريخ 1/1/2007، لكن العدد الفعلي للمهجرين وصل إلى حوالي 36 ألف لاجئ، منهم غير المسجلين مِن اللاجئين، وفاقدي الأوراق الثبوتية، ومن الذين انتقلوا للعيش في المخيم من مخيمات وتجمعات ومناطق لبنانية أخرى؛ فقد تم التعهد بتوفير المبالغ المطلوبة، إلا أنه وبعد مرور حوالي ست سنوات على وضع حجر الأساس، لم تتجاوز نسبة الإعمار 30%، ولم يعد من اللاجئين سوى 2250 عائلة، أي حوالي 12 ألف لاجئ، ووعود بعودة 103 من العائلات خلال الشهرين القادمين و625 عائلة مع حلول شهر نيسان/إبريل 2015، مما يطرح تساؤلات مشروعة حول أسباب عدم الإلتزام، ومن هي الجهات المستفيدة، ولصالح من يجري التأخير في إعادة الإعمار؟.
تحديد الثلاث سنوات جاء على لسان المستشار الإعلامي للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني زياد الصايغ أثناء الإحتفال الذي أقيم بوضع حجر الأساس لإعادة الإعمار في 9/3/2009، وشارك فيه ممثلون عن “الأونروا” والسفارة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والحكومة اللبنانية، وقائد الجيش اللبناني، وسفيرة الإتحاد الأوروبي، وممثلين عن الدول المانحة، وسفراء دول رئيسية (أمريكا وبريطانيا وإيطاليا والصين ومصر)، والفصائل الفلسطينية، ومؤسسات المجتمع المدني، واللجنة الشعبية واللجنة الأهلية لإعادة الإعمار وحشد من الأهالي.. فهي خطوة انتظرها أهالي المخيم بفارغ الصبر، ولم تكن لتتحقق لولا تلبية المجتمع الدولي دعوة وكالة “الأونروا” والحكومة اللبنانية وعقد مؤتمر خاص في العاصمة النمساوية فيينا لإعادة الإعمار بتاريخ 23/6/2008 وتم التعهد بدفع مبلغ 445 مليون دولار.
اندلعت المعارك في مخيم نهر البارد بين تنظيم “فتح الإسلام” والجيش اللبناني بتاريخ 20/5/2007 أدت الى تدمير المخيم القديم تدميراً كاملاً، وتدمير جزئي للمخيم الجديد، وتهجير أهالي المخيم الى مختلف المناطق اللبنانية والخارج. انتهت الأعمال القتالية بتاريخ 2/9/2007 وكانت نتيجتها سقوط 48 مدنياً فلسطينياً من أبناء المخيم وجرح العشرات وسقوط 163 عنصراً من الجيش اللبناني وعدد آخر من الجرحى، ومقتل 222 من “فتح الإسلام” وتوقيف 202 عنصر حسب المؤتمر الصحفي لوزير الدفاع اللبناني آنذاك الياس المر بتاريخ 4/9/2007.
أن “تتعهد” الدول المانحة بالمساهمة في ميزانية محددة؛ يعني بأن تلك الدول قد أجرت مراجعة سياسية وإقتصادية واتخذت القرار عن سابق دراسة بأن يكون لها دور في إعادة الإعمار وفق سقف زمني محدد، ولم يبد أي من تلك الدول أي سبب لعدم الإيفاء أو استكمال المبالغ التي تم التعهد بدفعها مما يدفع بالسؤال عن الأسباب الحقيقية، هل هي ضائقة اقتصادية تعرضت لها إحدى تلك الدول؟، أم أن شروط الدفع غير متطابقة؟ أم أن عملية إعادة الإعمار أصبحت ضحية فساد مالي وإداري وفي هذا لا إستثناء، في المقابل نُدرك بأن الدول المانحة التي تساهم في إعادة الإعمار طوعاً، لا تقدم وجبات مجانية بل لها أهدافها الخاصة، فهي ستُسأل من قبل الإدارات والمرجعيات واللجان المعنية عن البُعد الإقتصادي والإجتماعي والسياسي من دفع المبالغ، أما تحديد فترة الثلاث سنوات، لا شك بأنه يعود لتقدير خبراء في الهندسة وإلاعمار وحصر دقيق للأضرار.
ما يؤخر إستكمال إعادة الإعمار هو “عدم توفر، أو عدم التزام الدول المانحة بالمبالغ المطلوبة” هذا ما يتم الإعلان عنه مراراً وتكراراً من قبل جميع الأطراف المعنية بإعادة الإعمار لا سيما الحكومة اللبنانية ووكالة “الأونروا” المخولة رسمياً بتنفيذ إعادة الإعمار، وآخرها ما أعلن عنه المفوض العام لـ”الأونروا” بيير كرينبول في تقريره أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 4/11/2014 عن حاجة الوكالة لمبلغ 142 مليون دولار لإستكمال إعادة إعمار المخيم.
في تنفيذ مشاريع مفصلية في البُعد الإنساني والسياسي كإعادة إعمار مخيم نهر البارد، يقع دائماً هامشاً معقولاً ومقبولاً من الخطأ في التقدير الزمني أو التكلفة الإجمالية لأسباب موضوعية..، لكن أن يقع هذا المستوى من التقدير الخاطئ وعلى حساب معاناة آلاف اللاجئين المهجرين لسنوات..، هذا يستدعي بتقديرنا تشكيل لجنة دولية محايدة للتحقيق في الإخفاقات وأسبابها ومن يتحمل مسؤوليتها سواءً على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي ومن كافة الأطراف، واتخاذ ما يلزم من إجراءات تحفظ كرامة اللاجئين وتعيد إليهم ما فقدوه من حقوق وتُسرِّع في إعادة الإعمار..
علي هويدي