دلال ابو اَمنة تحكي عنها وعن بلدها

تاريخ النشر: 01/03/12 | 5:49

تعبي من الفن يدفعني إلى اللجوء إلى بحثي، وعندما تُتعبني دراستي، أجد نفسي مدفوعة إلى الغناء، أهربُ من الضغط النفسي للعلم، واختبئ بين الاثنين، لأكون دلال المتوازنة الفن بالنسبة لي رسالة، لا تختلف عن رسالة العلم…وإن لم يكن لما أقدمه مضمونًا إنسانيًا وأخلاقيًا فلا شيء يجبرني على اعتلاء خشبة الغناء فكرة “عن بلدي احكيلي”، ورسالة الدكتوراة، قالبان يلخصانني..بشخصيتي وأسلوبي الخاص، وفكري.. وأخيرًا سيكون لي استقلاليتي، وهويتي الفنية الخاصة، والعلمية أيضًا وما يميز هذا العمل أنه يجمع بين نخبة من المبدعين الفلسطينيين من مراحل زمنية مختلفة..من ملحنين وشعراء لمعوا في الستينات وشباب في أول طريقهم الإبداعي، وما الأمر سوى تأكيدٍ على استمرارية الإبداع الفلسطيني في ذاك المساء البارد، الذي أضفى الحديثُ الصريحُ عن الذات دفئًا في ثناياه، كان اللقاءُ مع دلال، صوتُها ذو البحةِ ونبرة الهدوء الصريحة باح بِما يختلجُ داخلها مِن حديثِ الروح والعقل والوجدان. ولأنّ بداخلها الكثير مِما يُقال، قد لا يكفينا مِن الوقتِ ما استقطعناه مِن وقتِ دلال… قررتْ هِي بذاتها ما تريدُ الحديثَ عنه، واختارت كلماتها المنتقاة بُحبٍ جليّ للغةِ العربية الفصحى، وبعباراتٍ دقيقة، كي لا تضيع مِنها الفكرةُ ولا الحكايةُ بتفاصيلها. تجولت دلال في ثنايا حكايتها، واقتبست بعضًا مِن عبقِ الذكريات، وتفاصيل دقيقة عن البداية، عن الفنِ والغناء، عن العلم والأبحاث، عن الأمومة، عن التوازن الذي تصنعه بينها في مفاعلات ذاتها. عرّجت دلال على أهمِ حدثٍ في حياتها، تُلخّص من خلالها ما فيها، وما تحمله مِن حُبٍ وشوقٍ لجمهورها، لتُقدّم له باقةٌ عطرة مِن أجملِ أغانيها هي، أغانيها الخاصة. وتستمر دلال في حكاياها، عن بلدها، عن ناصرتها، عن عكا والقدسِ والقرى المهجرة، عن الإنسان والفنِ والموسيقى، عن التاريخ وعبقِ الذكريات… عن الفلسطيني، لتتجلّى بعرضٍ خاص وقريب: “عن بلدي احكيلي”. أراد أولُ سؤالٍ أنّ يلخّص حياةً طويلة كاملة، عاشتها دلال: أهم المحطات في حياتك!! ولفنانةٍ كدلال مليئة بالمحطات، ردّها عليه، كما قالت، سيحتاجُ إلى ساعةٍ كاملة، “كثيرةٌ هي المحطات المهمة في حياتي، وفي كل محطة اعتبرتُها انطلاقتي، لاحقًا سأعود بذاكرتي إلى الوراء”، فقررنا أن تأتي بتفاصيل الإجابة لاحقًا، فالوقت لا يتسع للحكاية، فكان الانسياب في الحديث، سمعتها تحكي وأطربني الحديث.

ثلاثية دلال: الأسرة، العلم والفن!

“بدأتُ الغناء من جيل 13 عامًا، ثم احترفتُ الفن منذ جيل 16 عامًا، وتحديدًا في الصف العاشر، إذ بدأت العروض تنهال عليّ، شاركتُ في مهرجاناتٍ دولية: تونس، اليونان، عروض في دار الأوبرا، كان مصدر رزقٍ لي، باكرًا، فطورتُ نفسي نفسيًا ودراسيًا”. “لم أكن يومًا أطمح أن أكون مطربة، كنتُ طوال فترة طفولتي طالبة مجتهدة، وأحصل على علاماتٍ ممتازة، فكان من المنطقي أن أختارَ موضوعًا جيدًا يستغل طاقاتي، هذا الاهتمام تحوّل إلى عشقٍ للعلوم، هو رسالتي وغايتي، من خلال أن أساهم في اكتشاف وسيلة علاجية مختلفة، تغيّر للأفضل حياة كثيرين، بينما لا يعرف كثيرون أنّ الفن شيءٌ مكمّل في حياتي، لا يقف على رأس أجندتي، وقد يستهجن كثيرون وجودي في مكانٍ آخر، وهنا لا بُدّ من التوضيح و”كشف الحقيقة كاملةً”، أنني أولاً إنسانة تعيش أدوارًا أخرى في الحياة، ويقف على رأس سلم أولوياتي دوري كأمٍ وكزوجة، ثم كباحثة، وبعد يأتي الفن”. “هذا التدريج الطبيعي في حياتي، لا يعني أنني لا استمتع في عالمي الفني، بل على العكس، أولوياتي لا تأتي من باب المقارنة بين المجالين، فلكل مجالٍ أهميته ورسالته، لكن برأيي الشخصي فإنّنا كمجتمع عربي وعالمٌ عربي ينقصنا الطاقات العلمية، ونحنُ بحاجة لتنمية هذا المجال، شبه المختفي، وقلةٌ هم مَن لمع نجمهم وبفضل الجامعات الأجنبية، وليس بمجهود العالم العربي من بينهم: العالم أحمد زويل، ويهمني أن نتحوّل إلى أكثرية في مجتمعنا ووطنا العربي”. تتحدث دلال عن مجال تخصصها العلمي في علم الدماغ بحبٍ وشغفٍ كبيرين: “تخصصتُ في دراسة علم الدماغ منذ اللقب الأول وكنت أولُ فتاةٍ عربية أدرس هذا الموضوع في الجامعة العبرية، ثم تابعت اللقب الثاني في كلية الطب في معهد التخنيون، والآن أنا في المراحل الأولى للقب الثالث في نفس المجال، واخترتُ الموضوع البحثي الذي أحاول من خلاله إيجاد علاج لأمراض عصبية مزمنة كالزهايمر، وتصلب الشرايين اللويحي وللباركينسون، عن طريق وسيلة علمية ابتُكرت حديثًا يتم من خلالها السيطرة وراثيًا على الخلايا الدماغية من خلال الضوء”. “ثم يأتي عامل الصدفة الذي فرض وجودي في عالم الفن، وكأنّ الأمور تسيرُ مع التيار، بشكلٍ سلسٍ، دون أن أسعى إليه، فشاءت الظروف أن تدفعني إلى هذا العالم الجميل، الغناء، وهو مجالٌ مختلف، عاطفي، فني، خيالي وإبداعي مثلما الأبحاث هي أيضًا إبداع، ثم تكونت الأسرة وصارت الأمومة بالنسبة لي أهم رسالة يؤديها الإنسان، والمرأة على الأخص، فدورها في تربية الأجيال لتخرج سليمة من أجل أن يكون لنا استمرارية، وهي رسالة ليست سهلة، بل تتطلب الاهتمام الكبير بالتربية والعطاء، إنها حياتي التي أحبها”.

هل تجدين لكِ متنفسًا للراحة في ظل هذه الأدوار؟

“في الحقيقة، أنا مُقلة، وهذا أمرٌ أنتقَد عليه، أنني لا أشارك بحفلاتٍ كثيرة، في فترةٍ ماضية كنتُ أشارك في الكثير من الحفلات، عندما كنتُ صغيرة، لكنني بعد فترةٍ من حياتي قررتُ أن أجلس مع نفسي وأخطّط لحياتي القادمة، خاصةً أنّ لدي أدوارٌ أخرى في الحياة لا تقل أهمية، ولا أريد أن أخسرها، فقررتُ أن أضع لنفسي مخططًا وأبني معادلة معينة، تضمن ليَ التوازن والملائمة بين جميع أدواري في الحياة، فصرتُ إذا كان قبلتُ عرضًا معينًا، يكون على حساب الطرف الثاني، ثم أعود لأصحح مساري العلمي على حساب العروض، وبعدها يعود الأمر ليتوازن لينصب في النهاية بالمسار الصحيح”. “كلنا نحتاج لهذا المتنفس من الراحة، أخلو خلالها إلى نفسي، ألتقي بصديقاتي، أعيشُ حياةً عادية، وطوال الوقت كانت رجلاي تحطُ على الأرض، وأظلُ واقعية، رغم ضغوطاتٍ ومطالباتٍ من الناس، وفكرة أنني يجب أن أعيش الفن “فما شأنك والطب؟!”، “كم هم عدد الفنانين المتميزين، مقابل الأطباء؟!”، لكني طموحاتي ورغباتي تجاوزت هذه المرحلة، عندما وجدتُ نفسي أتساءَل: “ماذا لو قررتُ ألا أغني، فهل أجلس مكتوفة الأيدي، منعزلة، بلا بديل؟!”، فكانَ أن قررتُ المضي في طريق البحث، وركزت جميع طاقاتي في عرضٍ واحد مميّز، صرتُ لا أرضى بالكثير مِن العروض، لأنني فعلاً لا أملك الوقت الكافي، ولأنني أبحثُ مِن خلال العروض التي أقدمها عما أستطيع تقديمه للناس مِن جديد، ناقلةً لهم رسالةً سامية، فالفن بالنسبة لي رسالة، لا تختلف عن رسالة العلم، همي الرئيسي أن أقدّم ما يستحق المُشاهدة والاهتمام، وإن لم يكن لما أقدمه مضمونًا إنسانيًا وأخلاقيًا فلا شيء يجبرني على اعتلاء خشبة الغناء”.

احكي لي عن دلال الجديدة؟!

“يعاتبني كثيرون لماذا لا أغني لهم أغنياتي الخاصة، كثيرون قالوا لا نريد دلال التي تغني لأم كلثوم، نريد دلال التي تغني عن نفسها وعن بلدها”. “وكنتُ قد وعدتُ نفسي ووعدتهم أن أكون أنا، “عن بلدي احكيلي” بنفسي، وهي أغانٍ جزءٌ منها عمره 10 سنوات من التلحين، حضرتها منذ مدة، لكنّ نجاحي في تأدية أغاني أم كلثوم والطرب، وفوق ذلك تعليمي وزواجي والإنجاب، جعلني أتأخر، وها هو الوقت الحاسم قد أزف. قررتُ أن أقول “ستوب”، يكفي، وضعتُ نقطة في أول السطر، بعد ولادة ابنتي أخذتُ الوقت الكافي لأستريح وأفكر في المراحل القادمة من حياتي، أيامٌ معدودة، ويأتي المولود الجديد، هذا المولود الذي أعتزُ به، وهو مِن اختياري، ولا أحملُ في نفسي أيُ حسرةٍ أو أسف إذا ما رفضتُ عروضًا مغرية مالية لا تُضيف لمسيرتي الفنية جديدًا، وفضلتُ الانتظار مِن أجلِ قادمٍ أفضل، وفي كلِ مرةٍ حاول البعض إغرائي بالمال الكثير والاسم الساطع والنجومية، فضلتُ أن أكون دلال التي يحبها الآخرون”.

كيف اجتمعت الكتابة بالغناء في بيت الزوجية؟!

“تعرفتُ على زوجي الطبيب والشاعر عنان عباسي قبل 10 سنوات، يوم كتب لي أغنية “أنا قلبي وروحي فداك”، كنتُ في الصف الحادي عشر، وكان هو طالبُ طبٍ في السنة الرابعة، تعارفنا خلال مهرجان عرفزيون الأول، وربطت بيننا علاقة حبٍ تتوجت بالزواج وبطفليْن جميلين هما لور (البياض الناصع)، وعمرها ثلاث سنوات، وهشام وعمره الآن سنة”. “أنا وزوجي نتشارك في الفن والعلم وفي التوجه العلمي وفي الأفكار أيضًا، وهو شاعرٌ متميّز، ورث اتقان اللغة العربية والشعر من عمه الشاعر الكبير الراحل عصام عباسي، وفي العرض القادم سأغني له أغنيتين، علمًا أنه كتب لي أغنية رغم اللي صار، التي تحكي عن الوحدة المجتمعية الفلسطينية ليس حماس وفتح فحسب، بل عرب الـ 48 و67 واللاجئين في كل مكان، وقد تمّ انتاج فيديو كليب للأغنية من انتاج تلفزيون فلسطين، وكتب لي أغنية للشهر الفضيل تذاع في الكثير من الإذاعات المحلية، باختصار أنا وعنان نتواصل فنًا وإحساسًا:.

تأخرتِ في التحرر من حصار أم كلثوم؟!

“أنا التي حصرتُ نفسي، لا يضايقني، لكن برأيي هي عتبة لا بُد منها لكل مطربٍ أو فنان، إنها مدرسة كبيرة، ولا بد للفنان أن يطرق جميع المدارس التي من خلالها يكتسب الأدوات التي تناسبه، فمثلما هناك مدرسة أم كلثوم وفيروز ووجدتُ فيهما ما يلائمني، إضافة إلى عمالقة آخرين، بينهم سيد درويش. والذكاء ألا تترفع عن هذه المدارس، بل يمكن الاستفادة من فنانين حديثي العهد، فقد يستفيد البعض من نانسي عجرم، ما المشكلة؟! أنا شخصيًا تعجبني جوليا بطرس، وأفتخر بأغانيها وبفنها، ولا يكتمل الحديث إلا بالعودة إلى الجذور”. “والاستناد إلى المدارس برأيي أمرٌ طبيعي، وهو جواز دخولي إلى الجمهور، ولا يبتعد هذا الأمر عن فكرة الطالب الذي يتعلم كافة العلوم، وفي مرحلةٍ معينة، يبدأ بإظهار إبداعه من خلال رسالة الدكتوراة مثلاً، حيثُ يضع هو سؤال البحث الذي يهمه. أنا شخصيًا التقت عندي مرحلتا الفن والعلم معًا بنفس الوقت… صدفة لم أكن قد خططتُ لها، لكنها فعلاً تلخّص مقصدي، ففكرة “عن بلدي احكيلي”، ورسالة الدكتوراة، قالبان يلخصان دلال بشخصيتها وأسلوبها الخاص، وفكرها واختيارها، وأخيرًا سيكون لي استقلاليتي، وهويتي الفنية الخاصة، والعلمية أيضًا”. “وبرأيي الأمرُ لم يأت متأخرًا، لكنني فضلتُ أن يبدأ قبل ذلك بقليل وبما أنه لدي أشياءٌ أخرى في حياتي المليئة. ومن ناحيتي لم يكن هناك أي ندم على أي شيءٍ فالفنان الذي يتخرج من مدرسة العمالقة، لن يجد له سبيلاً سوى النجاح”.

ما مدى تحضيرك ولهفتك على المولود الجديد “عن بلدي احكيلي،”؟

“أستعد، بكل شغفٍ واهتمامٍ، لعرض عن بلدي احكيلي واخترت أغنية فيروز لتتوّج ولادة هذا العرض، تأكيدًا على انبثاقنا من زمن العمالقة، وتأكيدًا أنني لم آتِ مِن لا شيء، بل من مدرسة عظيمة، وما عرضي سوى استمرارية لرسالتي، وتأكيدًا على نفس الطرح من خلاله نحافظ على الأصالة ونجسد فنًا جميلاً يتبناه الجميع، هذه المدارس التي لا بد لنا جميعًا أن نمر بها ونتعلم منها، حتى يظهر أسلوبي الغنائي الجديد، مستندًا إلى فنٍ له تاريخٌ وركائز”. “أحاول في عرضي أن أُظهر أسلوبًا خاصًا وفكرًا موسيقيًا خاصًا يخصني، ويميزني، من خلال أغانٍ لحنت لي، لصوتي وقدراتي، جزءٌ من الأغاني لُحن في الستينات ولكنه خُبأ لم يظهر للناس وظُلم فقررت أن تنثر عنه الغبار وأعيده لأصالته للناس، وهناك أغانٍ لُحنت خصيصًا لي عن طريق ملحنين شباب وشعراء كلهم يتحدثون عن البلد بالمفهوم الاجتماعي الإنساني الوطني، أغانٍ تتحدث عن العذراء في الناصرة، المبنى القديم يستحق مكانة خاصة، بما يحمله من تاريخٍ ورمزٍ دينيٍ كبير، ولدي أغنية عن المَعلم التاريخي الذي لم يُغنَّ له، وهناك أغنية عن الناصرة، ناصرتي، بلدي، وأغنية عن ربى الكرمل عن حيفا، عن القدس، وهناك أغانٍ ذات علاقة وتحكي عن العودة للطبيعة والابتعاد عن الآفات الاجتماعية المختلفة لدينا، اسمها “يلا معي”، أغاني أخرى مثل “رغم اللي صار”، تتحدث عن شيء مفهوم البلد الأشمل، الوطن، من خلال الوحدة الاجتماعية بين أطياف الشعب الفلسطيني، وهناك أغنية تتحدث عن قرية مهجرة، وأغانٍ أخرى أتركها مفاجئها، بعضها باللهجة العامية، وأغانٍ أخرى بالفصحى”.

مَن هو جمهور دلال؟!

“أعتقد أنني حتى الآن، لا أملك جمهورًا بمفهوم “جمهوري أنا”، إنهم يسمعونني، لكن يصبح هذا الجمهور “جمهوري” أنا عندما يبحثون عن عروضي أنا فقط، لا عن أغانٍ لفيروز أو أم كلثوم، هم يحبونني، ويستمتعون بغنائي، لكنني لا أستطيع أن أنسبهم لي، عرض “عن بلدي احكيلي”، سيحدّد مَن هو جمهوري”. “أما نوعية الجمهور الذي يتابعني حاليًا فهم فوق الثلاثين من العمر، تبعًا للوني الغنائي، لكن عندما أشارك في الحفلات الوطنية يحضرني الكثير من جيل الشباب، وخلال استفتاءاتٍ في الجامعات، كنتُ أحصل على مراتب متقدمة، وهذا يعني أنهم يريدونني، ويفضلون سماعي، لكن ربما لا يلائمهم طرحي، ويريدون أن أغني لهم ما يرغبون بسماعه، لذا لا أستطيع أن أحكم ما هي شريحة الجمهور الذي يحضرني؟!”

هل تعيشين قلق ما قبل العرض، حالًيًا؟!

“بالتأكيد، فأنا إنسانة ملتزمة ومسؤولة، وهذا الشعور بالالتزام والمسؤولية التي لدي يجعلني أعيشُ قلقًا متواصلاً إزاء مشروع معين جديد، وهو أمرٌ طبيعي، فماذا لو كان الأمر عرضًا مختلفًا، مشروع جديد لأول مرة يُعرض، ولدي إيمان وقناعة وأمل أن أكون عند حسن ظن المُشاركون، لكن يظل التخوف هاجسي، من كافة الجوانب سواء الجانب الموسيقي أو التسويقي، صورة العرض، صوتي، شكلي، طرحي، تصميم المكان، البعد المسرحي، التناسق مع روح العرض، وهو هاجسٌ دائم طوال الوقت أفكر في التفاصيل”. “وما يميز هذا العمل أنه يجمع بين نخبة من المبدعين الفلسطينيين على مستوى اللحن والشعر من مراحل زمنية مختلفة ابتداءً من ملحنين لمعوا في الستينات وانتهاءً بملحنين شباب في أول طريقهم الإبداعي، وما الأمر سوى تأكيدٍ على استمرارية الإبداع الفلسطيني، رغم الاحتلال والظروف السياسية التي نعيشها، والتي بالتأكيد لن تؤثر على إبداعنا وتميزنا”. “ويبدو لي هذا القلق ما قبل الولادة، جميلٌ، بانتظار مولودٍ جديد، لكنني متفائلة وبلهفةٍ أنتظر”.

حدثيني عن المشاركين في عرض “عن بلدي احكيلي”؟!

“سترافقني فرقة موسيقية من أمهر العازفين، بقيادة المايسترو والموسيقي كميل شجراوي، وتربطني به علاقة شخصية، علاقة صداقة، على البعد الانساني والفني، ويشرفني أنه يقود العرض ويديره، بمشاركة عازفين آخرين، ولأول مرة تشاركني الحفل الفنانة الرائعة الحان أشقر حلو، ابنة الموسيقار مارون أشقر وسأغني بعضًا من أغاني والدها خلال العرض، وألحان عازفة بيانو ماهرة جدًا، ومربية لموضوع الموسيقى يعرفها الكثيرون، بهذا المجال، وتربطني بها علاقة انسجام فني، وشاركنا معًا في عدة عروض بمفردنا”. “لؤي خليف عازف العود والبزق، يساعدني بإدارة وكتابة الموسيقى وبكتابة الموسيقى للعرض والتحضير للفرق. وغسان زيتون عازف الجيتار المبدع، ولأول مرة تشاركني هذه الآلة على المسرح، وكنتُ سابقة أعتبرها غريبة عني، لكن في العرض وجدتُ أنها ملائمة وتضيف بعدًا شبابيًا، بالإضافة إلى كلاسيكية هذه الآلة، وهذا هو التجديد بعينه. وأيضًا العازف والملحن والشاعر بطرس خوري الذي سيشارك على آلة الرِق، وسأغني واحدة من أغانيه خلال العرض. كما يصحبنا الفنان المبدع وسام عرام على الايقاع”.

هل تعتبرين نفسكِ فنانة ملتزمة؟!

“لكلمة ملتزم مفهومٌ واسع بالنسبة لي، ليس فقط على المستوى الغنائي، بل على مستوى اللحن الموسيقي، يهمني الحفاظ على الرقي في الاختيار، والالتزام بالمستوى الفني الموسيقي، لكنني لستُ مع فكرة أنّ هناك فنانة ملتزمة، وأخرى “مشلطة” (على سبيل المُزاح)، الالتزام بمفهوم هو تقديم فنٍ محترم يعكس وجه المجتمع، يضيف له، لكنني لستُ مع أغنية الموسم، التي ترتبط بمناسباتٍ ثم تختفي بسرعة البرق”. “وفي عرض “عن بلدي احكي لي”، مفهومٌ أوسع للالتزام، نتحدث عن جميع المشاعر الإنسانية والاجتماعية وليس بالضرورة السياسية والوطنية فقط”.

هل مِن مشترك بين بحثك وفنك؟!

“بالتأكيد هناك مشترك، في كليهما إضافة إلى شغفي بهما، فهما أي “الأبحاث العلمية” والفن يجتمعان في القدرة على الإبداع، وكي تكوني فنانة، تملكين اسمًا يجب أن تكوني مبدعة، وأنتِ كباحثة عليك خلق أفكارٍ جديدة، وطرق علاجية مختلفة”. “ثم كلا الموضوعين يحملان في طياتهما رسالة عظيمة، أقدمها لمجتمعنا، وأحاول من خلال طرح قضايا معينة تمس المجتمع أن نحللها ونبحث عن حلولٍ لها، وفي النهاية تصُب في باب التوعية للناس، والأغنية جزءٌ من هذه الرسالة، فهي تحمل في طياتها أيضًا إرشادًا وتوعية”. “وعن طريق البحث أجد رسالة سامية، علاج لمرضٍ معيّن لآفة معينة في الجسم، في المجتمع، إنه تشابهٌ إلى حد كبير، صحيحٌ أنّ الانشغال اليومي مختلف تمامًا، وربما هذا فرصة ومتنفس بالخروج من هذا الباب إلى الآخر وبالعكس، فتعبي من الفن يدفعني إلى اللجوء إلى بحثي، وعندما تُتعبني دراستي، أجد نفسي مدفوعة إلى الغناء، أهربُ من الضغط النفسي للعلم، واختبئ بين الاثنين، لأكون دلال، المتوازنة، التي تعرفُ ماذا تريد، وكيف ومتى ولماذا تصنع حياتها بنفسها وفق حياتها اليومية؟! ودلال الفنانة التي تقف أمام الأضواء وتكون مُشرقة، قد تجد نفسها أيضًا في عملية تشريح “لفأرٍ”، تفتح مخه وتشرّح دماغه بأجهزة معقدة، وبملابس بسيطة، لا تعني لها الشكليات، هما عالمان مختلفان مشتركان، وفي داخلهما خلاصة وعصارة تاريخٍ وشخصية وهدفٍ واحدٍ يعني الكثير بالنسبةِ لدلال أبو آمنة”.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة