الأديب… والأنواع الأدبية

تاريخ النشر: 07/06/14 | 11:30

لا غضاضة على الشاعر أن يبدع في القصة، ولا على القاص أن يكون ناقدًا، ولا على المبدع في لون أدبي أن يصول ويجول في لون آخر أو أكثر من لون.

أقول هذا بعد أن سمعت تساؤلات كثيرة حول من يكتب أكثر من لون أدبي (جانر)، فيقولون له:
لو تركزت على ميدان واحد لكنت مجليًا أو متعمقًا فيه أكثر، فالموسوعية انتهى أوانها…..

إزاء ذلك دعنا نتساءل:

ما يمنع الأديب في عصرنا الحاضر، وقد اختزلت المسافات، وتواشجت الألوان الأدبية، وتعانقت القيم أن يكتب ما يكتب – بصدق – وبغض النظر عن النوع الأدبي الذي يكتب فيه؟؟!

كم يصدق هذا التصور في عصر سيتجاوز عصر الحاسوب الذي نشهده اليوم.
وإذا أجزت لنفسي التخيل فسيأتي يوم قريب ستكون كلماتنا الكثيرة وثرثراتنا منظمة في إشارات وسيميائيات وعلامات، وستكون الطاقة الإبداعية موجهة لغرض ما يحمل شحنات مكثفة من المتعة والخيال. وعندها قد نفهم معنى أن يكون كل من أدونيس وصلاح عبد الصبور وعز الدين إسماعيل شعراء وناقدين من غير ضرورة لتصنيف اللون أو تحديد صعيد الشعر أو النثر، وعندها أيضًا نفهم معنى أن يكون فلان كاتبًا في القصة وأدب المقالة بنفس الطرافة والرشاقة، وأن يكون آخر شاعرًا وناقدًا وقاصًا ووو.
إنها عبر النوعيـــة.

وقد يصح التصور أن هذا الأديب أو ذاك يبرز في لون أو نوع أكثر من سواه، ولكن هذا التصور نسبي، تمامًا كبروز الشاعر في قصيدة دون أخرى، أو في أي عمل أدبي دون عمل آخر، ضمن اللون الأدبي نفسه، ذلك لان الأدب هو تكامل ورؤية وموقف من الحياة، وتعبير عن هذا كله، فقد يكون لي موقف ما من حدث ما، لكن هذا الموقف – مهما يكن – لن يكون بعيدًا عن مسار الشخصية ونسيج العلائق الإنسانية كلها. وما التفاوت في هذه العلائق إلا تجليات أو ضرب على الوتر الأدبي بإيقاعات متباينة.

ومع ذلك – وبرغم ذلك – فلا يعني هذا أنك إذا كنت ناقدًا فيجب أن تكون بالضرورة شاعرًا، ولكنه يعني ألا أغمطك حقك إذا كتبتَ الشعر والنقد معـًا، فقد تكون قصيدة واحدة لك أيها القاص تعادل ما كتبه شعراؤنا جميعًا، وقد يكون لك مقال نقدي أيها الشاعر يكون له أثر أي أثر.

إن الأديب كلٌّ واحد.
هو عملية نقدية من الحياة.
هو تعبير شخصي عن رؤية ذاتية وموضوعية.
وليس بالضرورة أن ننصب من أنفسنا حكامًا قساة….
ثم، من قال إن القسوة في الأحكام تمنع عملاً أدبيـًا جيدًا من بقائه في ذاكرة القراء والمهتمين بالأدب؟

إذن، لندع كل نبتة تبسق فلعلها تزهر وتثمر، ولا نكن من يدعو لاجتثاثها واستئصالها.

وإذا عدنا إلى موضوعنا فإننا نرى أن الناقد الفرنسي (فنسنت) قد عالج هذا الموضوع في كتابه المترجَم إلى العربية -نظرية الأنواع الأدبية- (ص 48 -49) يقول:

“ ينبغي أن تعلم أن هذه الأنواع الأدبية ليست أشكالاً منفصلة ولا هياكل مغلقة، قد فصل بعضها عن البعض بواسطة حواجز معينة، كما تراءى ذلك لبوالو وفولتير بصفة خاصة، بل هي على العكس من ذلك أشكال مرنة تتقارب وتتداخل في نقط عديدة. إنه لمن الصعب في التاريخ الطبيعي أن نحدد بالدقة متى ينتهي العصر المعدني، ومتى يبدأ العصر النباتي.. ففي العصر الواحد تتوالى الأنواع متقاربة بدرجة نكاد لا نحس بها، وكذلك الشأن في الأدب…. وتداخل نوع أدبي في نوع أدبي آخر يشبه واقع هذه الأنواع وحقيقتها التي ينبغي ألا تغيب أبدًا عن نظر الفن”.

ما ينطبق على النص الأدبي ينطبق على المبدع نفسه، وقد استرعى انتباهي مؤخرًا ظهور لون أدبي جديد بعنوان (كتابة) أو (نص) يَكتب في إطاره الكثيرون وكأنهم يتجاوزون بذلك عملية التصنيف والتحديد، ومن شاء التوسع فليتابع رؤية إدوار الخراط حول الحساسية الجديدة.

وإن كنت مصرًا – يا صديقي – على التحديد وإعطاء الهوية المطْلقة، فإنك ستجد الغبن في الاكتفاء بتعريف واحد لإيليوت ووردزوورث والمعري ونازك الملائكة وسلمى الخضراء الجيوسي وصولاً إلى عز الدين المناصرة وأحمد حسين وجميل البرغوثي وأحمد دحبور وثمة أسماء أخرى، ولا ريب أن صفة قد تغلب على الأخرى، ولكنها لا تنفي سواها……
…………………………………….
فاروق مواسي: أدبيات – مواقف نقدية. القدس- 1991، ص 59- 53.

ب.فاروق مواسي

faroq

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة