إفسادُ فهم السفر عبر الزمن!
بقلم : د . ادم عربي
تاريخ النشر: 02/07/25 | 12:46
ليس من السهل على المرء، حتى لو امتلك قسطاً وافراً من الثقافة في ميدان الفيزياء، أن يستوعب ويدرك بعمق العديد من المفاهيم والأفكار التي تطرحها “نظرية النسبية” بنسختيها الخاصة والعامة لآينشتاين. هذه الحقيقة لا تُقلِّل من شأن الجهد المطلوب لفهمها. ومع ذلك، فإنَّ آينشتاين نفسه أشار في إحدى المناسبات إلى أن الفهم الحقيقي لأي نظرية فيزيائية أو كونية معقَّدة لا يتحقق إلا إذا استطاع المرء أن يشرحها ويبسِّطها لطفل لا يتجاوز السادسة من عمره.
يُعَدّ مفهوم “السفر عبر الزمن” من أبرز الأفكار التي تناولتها “النسبية العامة”، غير أنَّ كثيرين يسيئون فهمه، كما يتجلى ذلك في منشور فيزيائي عربي جاء فيه: إذا كان الانتقال عبر الزمن ممكناً، وافترضنا أن شخصاً ما عاد إلى الماضي ليقتل هتلر قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، فإنه – من الناحية المنطقية – لن ينجح في ذلك؛ إذ إن تمكّنه من قتل هتلر ومنع الحرب سيؤدي إلى انتفاء السبب الذي دفعه أصلاً إلى السفر إلى الماضي.
لكن هذا الطرح يعكس فهماً مغلوطاً للفكرة. فمثل هذا المثال يُظهر إلى أي حدٍّ يمكن لسوء الفهم أن يشوّه تصور “السفر عبر الزمن”.
والصحيح أن “السفر عبر الزمن”، إنْ اقتصر معناه على الانتقال إلى المستقبل دون الماضي، هو فكرة علمية راسخة، أكّدتها وأثبتتها عدة تجارب واقعية.
لقد ألفَ الإنسان، أو لنقل العقل البشري، مفهوم “السفر عبر المكان”، إذ إنَّ التنقُّل من موقع إلى آخر هو أمر مألوف يتم خلال مدة زمنية تطول أو تقصر حسب “سرعة الانتقال”، وهذه السرعة تتحدد بحسب “وسيلة التنقُّل” المستخدمة، سواء أكانت مشياً على الأقدام، ركضاً، أو باستخدام وسائل مثل الحصان أو السيارة. في هذا النوع من السفر، أي “السفر المكاني”، تبقى “المسافة” ثابتة لا تتغير، في حين أن “الزمن المستغرق” هو الذي يختلف تبعاً للوسيلة المستخدمة في الحركة.
إنَّ السفر عبر الزمن” يختلف جذرياً عن السفر في المكان؛ فهو في جوهره انتقال إلى المستقبل، لا إلى الماضي. هذا النوع من السفر ليس مجرد خيال، بل نتيجة حتمية لما يُعرف بـ “تمدُّد الزمن” أو “تباطؤه” أو “انحنائه”. ويحدث هذا التمدد الزمني في حالتين: إما عندما يقترب الشخص في حركته من سرعة الضوء – وهي نحو 300 ألف كيلومتر في الثانية – دون أن يبلغها أو يتجاوزها، أو عندما يوجد في مجال جاذبية شديدة القوة تؤثر على سريان الزمن من حوله.
يبقى هذا الشخص، أو الراصد، سواء كان في حالة السرعة العالية أو تحت تأثير جاذبية قوية، يعيش ويتقدَّم في العمر بحسب إيقاع الزمن الخاص به؛ أي وفقاً لإحداثيات “الزمكان” التي تخصه هو تحديداً.
لو تواجد هذا الشخص داخل مركبة فضائية تسير بسرعة تقارب سرعة الضوء – وهي الحد الأعلى للسرعات في الكون – فإنَّ الدقيقة الواحدة التي تمر عليه ستساوي، على سبيل المثال، آلاف السنين بحسب توقيت الأرض. فالمراقب الأرضي، إذا راقب ساعته، سيلاحظ أن كل دقيقة تمر على المسافر تُعادِل عدة ساعات، أو أيام، أو حتى سنوات أرضية.
لكن هذا المسافر لن يشعر بأي فرق، ولن يلحظ تغيراً في الزمن داخل مركبته؛ فكل شيء في “كونه المصغَّر” يبدو طبيعياً تماماً. نبضات قلبه ما زالت نحو 75 في الدقيقة الواحدة وفق ساعته هو، والمسافة التي يقطعها مشياً داخل المركبة تستغرق نفس الخمس دقائق المعتادة، وإعداده لفنجان من القهوة لا يزال يتطلب عشر دقائق كما اعتاد، بحسب توقيته الشخصي.
باختصار، من داخل عالمه الصغير لا تبدو هناك أي إشارة على تغيّر الزمن؛ كل ما يجري حوله يحدث كأنه لا يزال على سطح الأرض.
أين يتجلّى إذن “السفر إلى المستقبل” في هذا السياق؟
لو عاد هذا المسافر إلى الأرض بعد أن قضى، حسب ساعته الخاصة، سنةً واحدة في رحلة ذهاباً وإياباً، فسيفاجأ بأن الأرض قد تقدّم بها الزمن 200 ألف سنة، على سبيل المثال. وبهذا المعنى، يكون قد قفز فعلياً إلى المستقبل، إذ زار كوكب الأرض بعد مرور 200 ألف سنة أرضية منذ انطلاقه.
عمره الشخصي ازداد عاماً واحداً فقط، بينما عمر الأرض زاد 200 ألف عام، وهذه هي الصورة الدقيقة لفكرة “السفر إلى المستقبل” كما تصفها النسبية.
هل يمكن لهذا المسافر أن يعود إلى الماضي؟
الإجابة: لا، لا يمكنه ذلك، ولن يكون بمقدوره أبداً، والسبب ليس منطقياً بل فيزيائي بحت؛ فـ”سهم الزمن” يتحرك دائماً إلى الأمام، ولا توجد آلية طبيعية تجعله يرتد إلى الخلف.
صحيح أن بعض التصورات التي تنتمي إلى عالم الخيال العلمي تدّعي أن تجاوز سرعة الضوء قد يسمح بالعودة إلى الماضي، كالسفر إلى ماضي كوكب الأرض مثلاً، لكننا نعلم يقيناً من قوانين الفيزياء أن لا شيء في هذا الكون يمكنه تجاوز سرعة الضوء.
ومن زاوية المنطق أيضاً، نجد أنه من غير الممكن العودة إلى الماضي؛ تخيّلوا، مثلاً، أن هذا الشخص تمكن من السفر إلى زمنٍ سابق لولادته، وزار والدته قبل أن يُولد بشهر واحد، ثم أقدم على قتلها. فكيف يمكن له، منطقياً، أن يولد لاحقاً ليقوم بهذه الرحلة إلى الماضي؟! هذه المفارقة المنطقية تُبيِّن بوضوح استحالة السفر إلى الماضي.