شوقية عروق منصور: صوت فلسطين الأصيل بين الشعر والإعلام والقلم الحر
بقلم: رانية مرجية
تاريخ النشر: 28/05/25 | 7:18
حين نتحدث عن الأصوات التي شكلت المشهد الثقافي والإعلامي الفلسطيني المعاصر، لا بد أن نذكر اسمًا يتردد صداه بين القصيدة والمقالة، بين الكلمة والفكرة، بين الحلم والواقع، اسمًا مثل نهر لا ينضب، يسري في أعماق القضايا الوطنية والإنسانية بكل صدقٍ وشفافية… تلك هي الشاعرة، الكاتبة، الإعلامية شوقية عروق منصور.
شاعرة الموجوعات، وراوية فلسطين الحقيقية
في عالم شاعري كثيرًا ما يحاول أن يُجمّل الحزن، وتحول المشاعر إلى رموز بعيدة، تأتي شوقية عروق منصور لتؤكد على ضرورة البقاء قريبين من نبض الواقع.
شعرها ليس شعراً مجردًا من الحياة، بل هو حكاية نساء فلسطين، الأمهات، البنات، الجدات، اللواتي يحملن ذاكرة الجرح وصوت المقاومة. كلماتها تخترق الصمت وتُرادف الألم الوطني بالوجدان الإنساني، ليُشكّل نصها كصوت احتجاج وتوثيق معًا.
من خلال ديوانها، ومنشوراتها الشعرية، نستشعر حركة النهر المتدفقة بين أمواج الوجع والفرح، بين صرخات الأرض وجمالها. هذا التوتر بين الرقة والقوة هو ما يجعل تجربة شوقية الشعرية فريدة، إذ تفتح أبوابًا واسعة لتجربة المرأة الفلسطينية بكل أبعادها.
الكاتبة ذات القلم الحي… من الجرح إلى القلم الحارق
لم تكتفِ شوقية بكتابة الشعر فقط، بل كان القلم الصحفي والمقالة تحولا طبيعيًا في تجربتها الإبداعية، حيث أخذت تحلل الواقع الفلسطيني بموضوعية ولكن بعين مشتعلة بالضمير.
في مقالاتها التي نشرت في منصات إعلامية مختلفة، لا تخشى شوقية أن تطرح الموضوعات الحساسة. من معاناة المهجرين في الشتات، إلى قضايا الهوية واللاجئين، مرورًا بحصار غزة، واحتجاجات الداخل، تستعرض القضايا بشجاعة نادرة، منطلقة من إرادة حقيقية لتغيير الواقع وليس مجرد سرد مؤلم له.
شوقية هي صوت النساء المهمشات، الأطفال الذين تكبرهم الحواجز، والرجال الذين يكافحون في صمت خلف الكواليس. مقالاتها تدعو دائمًا إلى توسيع دائرة العدالة، لتشمل كل من وقعوا تحت وطأة الاحتلال والتمييز.
إعلامية من الطراز الرفيع… لقاء الكلمة بالصورة
إن تأثير شوقية في الإعلام لا يقل أهمية عن حضورها في الشعر والكتابة.
في زمن كثرت فيه الأصوات الملتوية، وجاء الإعلام أحيانًا كأداة تزييف، كانت شوقية عروق منصور ظاهرة إعلامية تحمل رسالة الصدق والشجاعة، تقدم رؤى واضحة، وتحلل بموضوعية، دون أن تفقد لمسة إنسانيتها العميقة.
ظهورها في البرامج الحوارية والتلفزيونية، وإدارتها للمناقشات السياسية والثقافية، تكشف عن قدرة على التفاعل مع الجمهور، وقدرة على إيصال الصوت الفلسطيني بكل قوة وإصرار. لم تكن إعلامية جامدة أو بعيدة عن الناس، بل كانت دائمًا في قلب الحدث، تستشعر نبض الناس، وتلتقط همومهم لتوصلها للعالم.
تأثري العميق بشوقية عروق منصور… الصحافة كرسالة وليست مجرد وظيفة
شخصيًا، لم أكن لأصل إلى ما أنا عليه اليوم في مجال الصحافة والإعلام دون وقفات شوقية.
لقد كانت شوقية مثالًا حيًا على أن الصحافة ليست مجرد نقل أخبار، بل هي رسالة إنسانية وأخلاقية.
تعلمت منها أن أكون صوتًا للذين لا صوت لهم، وأن أتمسك بالموقف مهما كانت الضغوط، وأن أستخدم الكلمة كسلاح لا يُقهر في مواجهة الظلم.
شوقية ليست فقط قدوة في المهنية، بل هي مدرسة في حب المهنة، في الإخلاص للمجتمع، في تحمّل المسؤولية، وفي رفض كل أشكال التنازل عن المبادئ.
التحديات التي واجهتها شوقية… وإصرار المرأة الفلسطينية
لم تكن طريق شوقية مفروشة بالورود. بين تحديات المجتمع، وضغوط الاحتلال، ومحاولات التهميش، كانت شوقية تواجه كل ذلك بعزيمة نسائية لا تلين.
هي صورة المرأة الفلسطينية التي لا تتوقف، التي تسير وسط كل العواصف، والتي تعرف أن الكلمة هي حقها وأن الدفاع عن قضية شعبها هو واجبها.
لقد استطاعت أن تُثبت أن المرأة ليست فقط حاملة للمعاناة، بل صانعة للقرار، ومؤثرة في المجال الثقافي والإعلامي، ورافضة لكل أشكال الاستسلام.
شوقية… ليست مجرد اسم، بل علامة مضيئة
إن تجربة شوقية عروق منصور المتعددة الأبعاد، بين الشعر، والكتابة، والإعلام، تقدم نموذجًا يُحتذى به لكل جيل من النساء والرجال الفلسطينيين والعرب.
هي صوت الحق، ضمير حي لا يخشى قول الحقيقة، وقدوة لمن يطمح في أن يمزج بين الفن والالتزام، بين الجمال والصدق، بين الإبداع والمقاومة.
في الختام…
شوقية عروق منصور ليست فقط شاعرة وكاتبة وإعلامية، بل هي حالة نضال فكري وإنساني، امرأة صنعت من قلمها جسرًا بين القارئ والحقيقة، بين الصوت والصمت، بين القلب والعقل.
وأنا، رانية مرجية، أفتخر أنني تعلمت الصحافة من شخصيتها، أنني تأثرت بموقفها، وأجد في مسيرتها مصدر إلهام دائم لأواصل الرحلة، وأجعل من كل كلمة أكتبها إعلانًا أن الحرية والعدالة هما نبض الحياة الحقيقي