*ثمانية أعوام على رحيل الشيخ المؤسّس عبدالله نمر درويش رحمه الله*
*بقلم: الشيخ صفوت فريج، رئيس الحركة الإسلاميّة*
تاريخ النشر: 17/05/25 | 1:52
تمرّ ثمانية أعوام على رحيل الشيخ عبدالله نمر درويش، مؤسّس الحركة الإسلاميّة في الداخل الفلسطيني، والّذي غرس شجرة الصحوة في أرضٍ جفّت فيها الروح، فأعاد لها الحياة والمشروع والانتماء. {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ}، وقد كنّا أرضًا هامدة، الدِّينُ فينا غريب، حتّى أحياه الشيخ في قلوب الناس من جديد، بالحكمة والموعظة الحسنة، فربّى وأنبت، بعلمٍ راسخ وفصاحة لسان، وطيب لقاءٍ ومعشر، ليدخل قلوب الناس بلا استئذان. وقد أسّس حركته المباركة في أوائل السبعينيّات، ليطلق بعدها “أسرة الجهاد” في منتصف العقد ذاته، كإطارٍ جهاديّ مسلّح، ويجمع حوله نخبة من الشباب المؤمن بقضيّة أمّته.
لكنّه كان على موعدٍ مع السجن في مطلع الثمانينيّات. وعجبًا لأمر المؤمن، فإنّ أمره كلّه خير، حيث جعل الشيخ جدران سجنه منبرًا للتأمُّل وإعادة النظر، فأطلق مراجعات جريئة ومسؤولة، معلنًا ترك العمل المسلّح، والتركيز على العمل الدعوي والتربوي والسياسي السلمي، دون المساس بقوانين الدولة الّتي نعيش فيها، كي لا يُلقي بمجتمعه إلى التهلكة، مع الحفاظ على الثوابت الوطنيّة والدينيّة. وما بدا ظاهريًّا عقوبةً، أصبح مع الأيّام ميلادًا لصحوةٍ وفكر جديد، {فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.
خرج الشيخ من السجن ليبني من جديد، فأسّس الفروع، وشكّل المؤسّسات، وأطلق المشاريع، ناشرًا فكر الإسلام الحضاري المعتدل، فجعل من حركته مرآةً تعكس عظمة الرسالة وكرامة الإنسان. لينتصر بذلك على سجّانه، لا بالسيف ولا بالبندقيّة، بل بعقله وفكرِه ومشروعه الحضاري.
وعندما جاء الانشقاق عام 1996، لم ينكسر الشيخ رغم صخب الانقسام وحدّته وألمه، وفقدان معظم المؤسسات، بل مضى في دعوته، مجدّدًا البناء على قاعدة الشورى والمَأسسة، زارعًا الثقة في نفوس أبناء الصحوة الإسلامية وعموم الناس، ومعيدًا البوصلة إلى موقعها الطبيعي.
لم يكن الشيخ عبدالله مجرّد قائد، بل مدرسة فكريّة متكاملة، في الدين والسياسة والاجتماع والتربية والوحدة، خرّج أجيالًا من القادة وأعلامًا، وما زالت رسالته ممتدّة تلهم الأجيال. يموتُ نِعْمَ الرجال، ويبقى عظيمُ الأثر!
في 14 من أيّار 2017، رحل الشيخ المؤسّس عن صهوة الدنيا، لكنّ روحه لم تغادر ميادين العمل والعطاء، بل بقيت حيّة نابضة في كلّ مشروع خير، تُلهم كلّ دعوة إصلاح، وتُظلّل كلّ راية وحدة.
ونحن أبناؤه وتلاميذه، نحرص على أن يظلّ عمله متّصلًا لا ينقطع إلى يوم يُبعثون، من كلّ ما أخبرنا به عليه الصلاة والسلام، (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتَفع به، أو ولد صالح يدعو له)، فأجرينا صدقة جارية على اسمه من خلال صندوق المنح، وعلمه ما زلنا نحمله وننتفع به حين تنزل فينا الملمّات وتظلم الطرق، ودعاؤنا له لا ينقطع، نهمس به في الغيب كما نصدح به في الحضور والعلن.
رحم الله الشيخ، وجزاه عن شعبه وأمّته ومجتمعه خير الجزاء، وجعل الفردوس الأعلى مأواه.