سبع صفعات ترامبية لنتنياهو
د.جمال زحالقة
تاريخ النشر: 15/05/25 | 14:33
أثارت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة، فيما أثارته، موجة من التساؤلات والتكهنات حول حقيقة التوتّر بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وذهب الكثير من المحللين إلى أن إحجام ترامب عن زيارة إسرائيل هو مؤشّر لعدم رضاه عن سياسات نتنياهو ولاعتبارها عائقا أمام المضي في صياغة الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط. وتعالت في تل أبيب الأصوات، التي تلوم ترامب لأنه «يهمش إسرائيل»، وارتفعت، في المقابل، أصوات أخرى تتهم نتنياهو بالمسؤولية عن هذا التهميش لأنّه، وفقها، «يفضّل مصلحته الشخصية ويضحي لأجلها بالمصالح العليا للدولة».
لقد نشر نتنياهو أجواءً من التفاؤل المفرط عند قدوم ترامب إلى البيت الأبيض، وتحدّث عن مرحلة جديدة من العلاقات وعن دعم أمريكي غير مشروط لإسرائيل في حربها على «الجبهات السبع»، وعن عدم طرح الأسئلة حول المس بالمدنيين في غزة، وحول المساعدات الإنسانية. وفعلا منحه ترامب دعما كبيرا، فملأ المخازن الإسرائيلية بالأسلحة والذخيرة من الأنواع كافة، التي طلبها الجيش الإسرائيلي، حتى تلك التي فرضت الإدارة الأمريكية السابقة حظرا عليها. وأطلق ترامب كذلك تصريحات تدعو إلى تهجير أهالي غزّة، وشدد العقوبات على الأونروا، وواصل دعم حرب الإبادة على غزة، وأرسل التهديدات إلى المحكمة الدولية دفاعا عن إسرائيل وعن نتنياهو شخصيا. واعتقد نتنياهو ومن حوله أن ترامب سيعمّق التنسيق مع إسرائيل، وسيلبّي طلباتها دون تردد. وقد صعق هؤلاء حين اكتشفوا أن الولايات المتحدة هي دولة مستقلة، لها مصالحها ولها سياساتها، التي لا تتطابق بالكامل مع تلك الإسرائيلية، وقد تكون في بعض تفاصيلها مناقضة للتوجّهات الصادرة عن تل أبيب.
لقد علمتنا التجربة التعامل بحذر شديد مع ما يطفو على السطح من خلافات بين واشنطن وتل أبيب. فكثيرا ما يجري تضخيمها من قبل أطراف لها مصالح ومآرب في منحها حجما أكبر من حقيقتها. كما أنه جرى مرارا وتكرارا احتواء مثل هذه الخلافات وعادت الأمور إلى مجاريها، كأن شيئا لم يكن، بالأخص مع غياب فعل عربي لاستغلال الوضع. هذا لا ينفي أهمية ما يبرز من خلافات بين الطرفين، خاصة أن السياسات والممارسات الإسرائيلية الإجرامية تتّكئ بكل ثقلها على السند الأمريكي. والسؤال هو: كيف ومتى يتحوّل الخلاف إلى ضغط فعلي؟ لقد حدث ذلك، مثلا، حين أجبر ترامب نتنياهو على القبول بهدنة مؤقّتة في يناير 2025، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي استغل الهدنة واستفاد منها، لم ينس «الطريقة الأمريكية» التي جرى فيها فرض الصفقة عليه، ويخشى أن تتكرر «زيارة ويتكوف العاجلة». لقد تراكمت ملفات خلافية عديدة بين نتنياهو وترامب، والمهم أنّ جزءا منها لم يقتصر على تباين في التوجهات والمواقف، بل وصل إلى حد الفعل والممارسة، وهذا أكثر ما يقلق إسرائيل ويجعل نتنياهو يحس بالخيانة من قبل ترامب. في كل الأحوال يجدر التعامل مع التوتّر بين الرئيسين الأمريكي والإسرائيلي بلا تهويل وبلا تهوين، وعدم الانجرار خلف تحليلات تضخم الخلاف وتراهن على أن ترامب سيكبس على نتنياهو ويجلب «الأمن والسلام» للمنطقة، ومن ناحية أخرى التشكيك في منطق التشكيك والاستخفاف بالموضوع وحتى الذهاب إلى أن الخلاف هو مسرحية وجزء من مؤامرة. هذا لا يعني بالطبع أن ليس هناك تنسيق واسع بين تل أبيب وواشنطن، ولا ينفي أن أشكالا من المؤامرات تحاك.