دروز سوريَة بين نار داعش ونار إسرائيل!

تاريخ النشر: 09/05/25 | 19:21

درامقاليّة (مقالة دراسيّة)
وقفات طويلة على المفارق
(1)الجهل (2) تقسيم سوريَة والهوى (3) الجبل والفصائل ومرجعيّاتها (4) هذا الواقع والدويلة الدرزيّة! (5) وإسرائيل وحبّها الدروز هنا (6) وإسرائيل وحبّها الدروز هنالك (7) والدولة اليهوديّة وهل غدرت إسرائيل بمواليها؟! (8) والدعوات إلى التدخّل العسكري الإسرائيلي (9) والزيارات في غير أوانها (10) ومسؤوليّة النظام الجديد (11) والقلق والحوار (12) وجنبلاط والحوار وقول أفلاطون (13) وهل من نور في آخر النفق؟!

الوقفة الأولى… والجهل
إن الجهل أساس كل الشرور؛ فالجهل مع الدين إرهاب، والجهل مع الحرية فوضى، والجهل مع الثروة فساد، والجهل مع السلطة استبداد – أفلاطون.
فأيّ منها هو القائم في سوريَة هذه الأيّام؟
أم أنّها اجتمعت فيها؟!
يصعب على المراقب وكذا المتابع، وكم بالحري الإنسان العاديّ المعني، أن يقرأ المشهد السوري الوعِر وأيّ ادّعاء غير ذلك هو من باب التباهي ليس إلّا. يصعب المرور ويستحيل أحيانًا في هذه الغابة الوعِرة من الضخّ الإعلامي الموجّه من ناحية، والسائب والمُغرض على وسائل التواصل الاجتماعي من ناحية أخرى. يزيد الأمر صعوبة كثرة اللاعبين الخارجيّين على الساحة السوريّة وما يحيكونه في الغرف المغلقة اقتسامًا للغنيمة التي سقطت مضرّجة بين أنيابهم.
ورغم ذلك سأحاول ولي العزاء في الحديث الشريف: “من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجرٌ”. وإنّي لمكتفٍ بأجر واحد!
الوقفة الثانيّة… تقسيم سوريَة والهوى
صار من نافل القول تكرار المخطّطات القديمة الجديدة لتقسيم سوريَة. كتبت ونشرت غداة سقوط النظام السابق وتحديدًا يوم 11 كانون الأوّل 2024، الآتي:
“بحكم الواقع الجديد فإنّنا اليوم أمام العودة على المخطّط الانتدابيّ\ الاستعماري الفرنسيّ لتقسيم سوريا. فالتخوّف المسنود جيوسياسيّا أنّنا بصدد أربع دويلات \ كنتونات تمامًا كما رسم المنتدَب\ المستعمر الفرنسيّ حينها وفشل؛ سنّية تركيّة الهوى مدينة لتركيا، وعلويّة روسيّة الهوى مدينة لروسيا، ودرزيّة إسرائيليّة الهوى مدينة لإسرائيل، وكرديّة أميركيّة الهوى مدينة لأميركا… هذا التقسيم الميدانيّ سيبقى إلى أجل غير مُسمّى إن لم يحدث تطورٌ “فوق العادة”، بغضّ النظر عن النوايا ومهما طابت. وأمّا الحكم المركزي فسيكون “إسلاميّا” على الطريقة التركيّة (حزب العدالة والتنمية)، ولعلّ في ذلك بعض تغيير إلى أفضل…وإلى أن يفعل الله أمرًا كان مفعولا!”

الوقفة الثالثة… والجبل والفصائل ومرجعيّاتها
هذه الوقفة هي للمعنيّين من العرب في البلاد والعرب الدروز منهم، وهي بتحفّظ ما فيما يخصّ بعض الأسماء ودورها… عانى الجبل سنوات طوالا من غياب أو تغييب القيادات التقليديّة رغم أهميّتها في مجتمع عشائريّ كمجتمع الجبل، واقتصرت العناوين على مشيخة العقل؛ أحمد سلمان الهجري (قُتل في حادث طرق عام 2012 في ظروف اكتنفها الغموض) فاستُدعي أخوه حكمت الذي كان يعيش في فنزويلّا وسُلِّم وتبوّأ المشيخة وهو الشيخ الأبرز اليوم حكمت سلمان الهجري، والشيخ حمّود الحنّاوي، والشيخ حسين جربوع (توفيّ العام 2012) فخلفه ابن أخيه الشيخ الحالي يوسف جربوع. وانقسمت المشيخة بغضّ النظر عن الأسماء بين موالٍ للنظام السابق وبين موالٍ لروحيّة الموقع.
عندما انطلقت في السويداء وقفات “ساحة الكرامة” وعلى مدى سنتين كاملتين من القوى التقدّمية؛ وطنيّا وقوميّا وعروبيّا لم تقف المشيخة جانبًا وأعلنت عن تأييدها لها، رأى الشيخ حكمت الهجري أنّ الساعة مواتية فاستثمرها؛ عاملًا على أن يجمع بين المشيخة والقيادة السياسيّة.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ القوى التنويريّة التي قادت الحراك ورحّبت بدخول الشيخ الهجري على الصورة، وجدت نفسها اليوم مهمّشة أمام المدّ الشعبويّ وما وراءه، وما زالت تراوح متخبّطة وقد سرقوا منها المشهد. وبالمناسبة هذه حال مثل هذه القوى على كامل التراب السوريّ، وهذا سببٌ ومدعاة للتفكير وربّما إعادة الحسابات.
قبل هذا، وكثيرًا، كانت تنشط “مليشيات” معارضة تحت اسم “مشايخ الكرامة” قادها وحيد البلعوس وكان أوّل تنظيم أطلق شرارة المعارضة للنظام السابق. قُتل وحيد البلعوس فتولّى القيادة رفيقه يحيى الحجّار تحت اسم “حركة رجال الكرامة” وأمّا ابنه ليث البلعوس فتولّى قيادة من لم ينضوِ تحت قيادة الحجّار تحت اسم “مضافة الكرامة” ولكنّ الفصيلين هذين متناسقان. هذا التشكيل والذي أخذ بمرحلتيه أخذ مكانته ميدانيّا وصار يتصدّر المشهد أثار الحفيظة لدى قيادات تقليديّة زمنيّة ودينيّة.
مع سقوط النظام كانون الأوّل 2024 تشكّل “المجلس العسكري” وأعلن دعمه للشيخ الهجري وهو دعامته العسكريّة الأساسيّة حتّى اليوم، وجلّه من عسكريّين قدامى. وهنالك العديد من الفصائل الأخرى؛ عائليّة ومناطقيّة وغير ذلك!
تحرّكت القيادات التقليديّة وقد رأت أنّ البساط القياديّ يُسحب من تحت رجليها، فتداعى آل الأطرش ومؤيّدوهم وانتخبوا أميرًا جديدًا مكان السابق لؤيّ الأطرش؛ هو الأمير حسن الأطرش، وآل عامر شكّلوا فصيلًا مسلّحًا وعاد إلى الصورة أميرهم؛ يحيى عامر. وهكذا فعل آخرون من العائلات التقليديّة الكبيرة.
ويظلّ السؤال: من هي المرجعيّات؟! ومن هو المموّل؟! وإلى أين الولاءات؟!
الوقفة الرابعة… هذا الواقع والدويلة الدرزيّة!
الكلام في الوقفة الثانية والثالثة والدويلة الدرزيّة وهواها، لم يأتيا من فراغ ولا ترف أكاديميّ وقد استغرب البعض قولي هذا. ومن نافل القول مرّة أخرى إنّ مخطّط التقسيم لم ينزل عن جدول الغرب وربيبته إسرائيل يومًا وقد قيل وكتب فيه الكثير، هذا من ناحية، أمّا من الأخرى فإنّ التدخّل “الدرزي الإسرائيلي” الموجّه بدأ مع بدايات العشريّة السوريّة الدمويّة؛ لقاءات مع معارضين علنيّة وسريّة بمشاركة فاعلة لا بل موجِّهة إسرائيليّة، وإغداق الدعم الماليّ تحت شعار الدعم الإغاثيّ بحملة شعبيّة واسعة ما لبثت أن دارت حولها التساؤلات، وخصوصًا حين بدأت ترشح من الجبل المعلومات عن عناوين هذا الدعم وأبواب صرف غالبيّتها ليس في وجهتها الإغاثيّة، وما فتئ الرشَحان أن صار علنيّا على رؤوس الأشهاد بالصوت والصورة.
يجدر الذكر أنّ مثل هكذا تدخّل موجّه من الحركة الصهيونيّة لم يكُن الأوّل في تاريخ التّماس بين الدروز والحركة الصهيونيّة، فقد حدث في ثلاثينيّات القرن الماضي في خطّة الترحيل \ الترانسفير لدروز فلسطين إلى الجبل “حماية” لهم و”تقوية” الوجود الدرزي في الجبل في الدويلة الدرزيّة التي كان أقامها الاحتلال الفرنسي حتّى العام 1936. (راجع كتابي: العرب الدروز والحركة الوطنيّة الفلسطينيّة حتّى ال-48، الصادر بطبعته الأولى في الأردن عام 2009 والثانية عام 2010 عن الدار التقدّمية لبنان، على المدوّنة: saeid-naffaa.com)
هذان الأمران وترابطهما العضويّ خلقا تبعيّة عند بعض الفاعليّات تُوخِّي منها أن تؤتي أكًلها، ولذا لم يكن من الصعب أن نقرّر أنّه في حال تأتّى الأمر، “التكنتُن” أو “الدويلة”، فالهوى سيكون إسرائيليّا (ومرّة أخرى في حال تأتّى الأمر)، وإسرائيل سيكون حالها كمن “يُحكّ له على بيت جرب” وهي على أبواب تحقيق حلم الحركة الصهيونيّة تجاه سوريَة كجزء من أمنها القوميّ كما تدّعي.
الوقفة الخامسة… وإسرائيل وحبّها الدروز هنا
حبّ إسرائيل الجارف للدروز هنا حدّ الهيام (!) عبّرت عنه بقانون القوميّة – سلّة مهملات كلّ القوانين العنصريّة – حين جرّدتهم من مواطنتهم المنقوصة أصلا، رغم خدمة قطاعات واسعة منهم في أذرع الخدمة الأمنيّة. تجدر الإشارة هنا للقارئ غير المطّلع أنّ الخدمة هي إجباريّة وبقوّة القانون، وإنّ قطاعات واسعة من شبابهم يرفضونها. التعامل الإعلاميّ العربيّ مع الدروز في إسرائيل كوحدة واحدة هو إجحاف وأحيانًا تضليل، ففيهم الموالون وإن كانوا الغالبيّة والمنصّات الإعلاميّة مفتوحة أمامهم على مصاريعها، ولكن فيهم المعارضون وهمّ قلّة كبيرة ولكنّها نخبويّة والتعتيم الإعلاميّ على نشاطهم هو السائد إسرائيليّا ولشديد الأسف عربيّا.
الوقفة السادسة… وإسرائيل وحبّها الدروز هنالك
إسرائيل احتلّت إضافة لاحتلال ال67 الجولان، كل الجنوب الغربي السوري فعليّا واحتلّت القسم الآخر منه ناريّا ميدانيّا، وتسرح وتمرح جويّا أينما شاءت وكلّما شاءت. إسرائيل هذه والتي مدّت كلّ مقوّمات الدعم لجناح جبهة النُُصرة في الجنوب السوري ولم تبخل عليها بالدعم حتّى عندما كانت تهاجم الجبل، ولنا في الهجوم على الجبل في معركة “الثعلة” حينها البيّنة، لا تتصرّف إلّا وفق مصلحتها كان وقودها من كان وما كان، وهذا من نافل القول.
إسرائيل هذه والتي “أقضّ مضجعها” حبّها للدروز في سوريَة (!) انبرى رئيس حكومتها بالتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور لمن يمسّ ب”الأخوة” الدروز. هذا ال-نتانياهو والذي أعطاه شعبه في كلّ استطلاعات الرأي عن الكذب درجة امتياز، ومؤخّرا بالمقارنة فيما بينه وبين رئيس جهاز الشاباك، انطلت أكاذيبه على الدروز هنا بقياداتهم التقليديّة الموالية؛ الدينيّة والسياسيّة وراحوا يروّجونها من على كلّ وسيلة إعلام مُغرضة، وتبنّتها بعض الجهات بين دروز سوريَة.
انفجر الوضع في جرمانا وصحنايا والأشرفيّة وسال الدمّ، وتعرّضت “الفزعة” من الجبل إلى كمين في طريق السويداء الشام قُضي فيه عليها (هذه موضوع الفيديو المتداول)، وجيش إسرائيل وكلّ أجهزته الإلكترونيّة “لا من شاف ولا من دري”، فأُسقِط في يد المروّجين وراحوا يخبطون خبط عشواء؛ هنا وهنالك. وما استفاقوا من صدمتهم حتّى كان الهجوم على بلدة الصورة الكبيرة وقراها غربيّ الجبل برتل كبير بدأ في التجمّع قبل أيّام، ومرّة أخرى عميت مناظير ومسيّرات الجيش الإسرائيلي عن رصده. (في هذا السياق كتبت في منشور على وسائل التواصل، أنّ شريكي في المقابلة على فضائيّة الغد يوم 30.4.25 الدكتور عمّار وقّاف مدير مؤسّسة جنوست للأبحاث في لندن، أشار وأكثر من مرّة في المقابلة عن معلومات لديه عن هذا التجمّع الذي يتحضّر للهجوم على الجبل: youtu.be\n0kGXNrdqAl? …)).
فأين كانت إسرائيل حبيبة الدروز؟!
الوقفة السابعة… والدولة اليهوديّة وهل غدرت إسرائيل بمواليها؟!
إسرائيل (حاشاها) لم تغدر بمواليها من دروز البلاد وهم الكثرة ولا ممّن راهنوا عليها من دروز سوريّا وهم قلّة القلّة. هم لم يفهموها ولن يفهموها على ما يبدو إلى أن “يفعل الله أمرًا كان مفعولا”، فوقعوا من حيث يدرون وعلى الغالب لا يدرون أدوات في يدها.
إسرائيل ومن ورائها الحركة الصهيونيّة لم تتنازل يومًا عن مخطّطاتها تجاه العرب؛ بدءًا بورقة قسم التوجيه في المنظّمة الصهيونيّة من العام 1920 والقاضية باللعب على الورقة الطائفيّة، مرورًا بورقة يتسحاك بن تسفي من العام 1932 فيما يخصّ الدروز، وبمشروع ترحيل الدروز إلى الجبل في ثلاثينيّات القرن الماضي. (راجع كتابي: العرب الدروز والحركة الوطنيّة الفلسطينيّة حتى ال-48 الصادر عام 2009 في الأردن وعام 2010 عن الدار التقدّمية لبنان، على المدوّنة:saeid-naffaa.com) وإسرائيل عملت على تجريدهم من فضائهم الوطنيّ والقوميّ والإسلامي بعد قيامها. (راجع كتابي: العرب الدروز ال48 وحجارة الرحى، الصادر عن دار الرعاة رام الله وجسور الأردن، في المدوّنة: saeid-naffaa.com).
الدويلات الطائفيّة هي مصلحة عليا للحركة الصهيونيّة ويهوديّة دولتها؛ إسرائيل. وسوريّا بتركيبتها هي أكبر المرشّحين لتحقيق هذا الهدف. ما يحرّك إسرائيل أكبر من أن يدركه مثل هؤلاء وأولئك فالدويلات القائمة على الطائفيّة هي شرعنة ليهوديّتها أمام العالم كما تصبو، مصرّة على (يهوديّتها) طائفيّتها أمام عالم ينادي بدولة المواطنة.
حين استدعت مصلحتها ضرب نظام الأسد وقد تمادى في تحالفه مع إيران وحزب الله، دعمت جبهة النصرة في الجنوب السوريّ بكلّ ما أوتيت حتّى عندما كانت هذه تهاجم دروز الجبل. اليوم رأت أنّ الفرصة ربّما سانحة لتحقيق حلمها بتقسيم سوريَة إلى دويلات وأحداها درزيّة صديقة عازلة ما بينها وبين الخطر الشرقيّ.
رأت ذلك حين توهّمت أن دروز سوريَة والجبل عينيّا يمكن أن يكونوا الوقود، فرأت أن دروز الجبل بأكثريّتهم الساحقة الماحقة ضدّ تقسيم سوريَة ويرون أنفسهم ليس فقط سوريّين وإنّما “أم الولد” في سوريَة، فرأت أن رهانها سقط حتّى بين أولئك الذين غُرّر بهم من “دروزها” إذ لم يجرؤوا على الخروج عن هذه الأكثريّة الساحقة الماحقة علنًا، ولذا رأت أنّ الحلم بعيد المنال فتبخّر الحبّ (!)، وبقي لها أقصى ما تتمنّاه هو التخريب على أيّ حوار وإن كان ثمنه “قناطير” من دماء السوريّين؛ دروز وغير دروز.
هذا يعيدني إلى وثيقة صهيونيّة رقمها في الإرشيف أ. ص. م. 6638\25 س. من الأربعينيّات، فقد كتب القسم العربي في الوكالة اليهودية في تقرير من يوم 27.01.1947: “خسارة على وقتنا فتجربتنا مع الدروز مرّة ويجب ألا يهمّونا…” (انظر المصدر أعلاه).
وما أشبه اليوم بالأمس!

الوقفة الثامنة… والدعوات إلى التدخّل العسكري الإسرائيلي
طبعًا إسرائيل تتدخّل كانت وما زالت وليست بحاجة لمن يدعوها، وأولئك من الدروز الذين يدعون إلى تدخّلها حماية للدروز يعرفون جيّد جدّا أنّهم هم ودعواتهم “لا في العير ولا في النفير!”. ولكن ما لا يدركونه أنّ مثل هذه الدعوات تزيد نقمة المعادين للدروز داخل سوريَة ولا تجلب عليهم إلّا المزيد من التشكيك والمصائب، وسيجد أعداؤهم في هذا سببًا إضافيّا للاعتداء عليهم.
إسرائيل غائصة إلى أنفها مع بضع عشرات الآلاف من المقاتلين الفلسطينيّين في 300 كم2 في غزّة قرابة السنتين، فأيّ عمى بصيرة لدى “دروزها” الموالين من الاعتقاد أنّها ستقاتل مع دروز سوريَة ضدّ مئات آلاف من المقاتلين وممّا هبّ ودبّ على مساحة 185 ألف كم2 كُرمى للدروز أحبابها هنا؟!
الوقفة التاسعة… والزيارات في غير أوانها
قُلنا في الحركة التقدّمية للتواصل- درب المعلّم في الوفد الأول: “هذا الوفد هو استغلال سياسيّ رخيص لمحتلّ (حضر) على يد محتّل (إسرائيل) احتلّت البلدة كما غيرها مُقطّعةً بأهلها السبُل لموطنها وأهلها في الوطن. هذا الوفد، بشكله وتوقيته، هو حلقة في اللعبة الإسرائيليّة التي تلعبها إسرائيل في سوريّا لدقّ الأسافين بين مكوّنات الشعب السوريّ وبين الدروز أنفسهم؛ سوريّا وإقليميّا، خدمة لمخطّطاتها ومخطّطات من وراءها في المنطقة، مستغلّة الواقع المعقّد في سوريّا والمنطقة.”
وقلنا في الوفد الثاني: إنّ هذه الخطوة تكتنفها العوامل السياسيّة، ونحذّر من أن يقع القيّمون عليها، ومهما تنوّعت أدوارهم وحسُنت نواياهم، فريسة لهذا الاستغلال خدمة لمصالح سياسيّة محليّة وإقليميّة، خصوصًا على ضوء الحرب العبثّية التي تخوضها الحكومة الإسرائيليّة المتطرّفة كذلك ضدّ سوريّة. ونحذّر من الانزلاق في التحريض الطائفيّ على العرب الدروز عامّة بوفد وبغير وفد، والتحريض الداخلي على بعض الرموز العربيّة الدرزيّة والذي يستشري على وسائل التواصل الاجتماعيّ.”
ونقول اليوم أنّ هذه الخطوات وفي هذا التوقيت شكّلت عامل استفزاز للسوريّين كانوا وكنّا في غنى عنه، وما من شكّ أنّها سكبت على النار وقودًا علّى أوارها.
الوقفة العاشرة… ومسؤوليّة النظام الجديد
الادّعاء الذي تتناقله وسائل الإعلام الداعمة للنظام الجديد وكأنّ الاعتداءات وشكلها الوحشيّ المقزّز، إن كان ضدّ العلويّين سابقًا أو ضد الدروز في الأيّام الأخيرة هي من قبل فصائل منفلتة، هي ادعاءات فارغة ولذرّ الرماد في العيون، وإن كانت صحيحة فالطامّة كبرى. الدّماء التي سالت في الساحل والجبل وجرمانا وصحنايا وأشرفيّتها والصورة الكبيرة هي في رقبة النظام المركزيّ، وهو يتحمّل كامل المسؤوليّة وهو المطالب الأوّل والأخير بضبط الأمر إن كان يصبو إلى بقاء، فالشعوب تمهل ولا تهمل والبيّنة بين يديه!
ومع هذا؛ المفروغ منه يجب أن يكون أن العدو أو الخصم لن ينوي لك الخير وسيتآمر عليك ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولكن هل أنت تنوي الخير لنفسك وتتحمّل القسط من المسؤوليّة عن فتح تلك السبل بأمراضك الطائفيّة؟!
ما شقّ يومًا عدوّ لأمّة العرب بابها إلَا من باب الطائفيّة!

الوقفة الحادية عشرة… والقلق والحوار
هذا النظام الجديد في سوريَة، أحببته أم كرهته، هو واقع وقد حظي على اعتراف جارف من الكثير من القوى الإقليميّة والعالميّة الغربيّة، بعد أن غدا القصر الجمهوريّ “محجّا”. وقد لبس أحمد الشرع البدلة الغربيّة “آخر صرعة” بديلًا عن لباسه التقليديّ؛ الداعشيّ – النُُصرويّ وحتّى الزيتيّ؛ هيئة تحرير الشام.
تاريخ هذا الرجل وهذا الظهور وهذه الزيارات أثارت العديد من الأسئلة مبهمة الإجابات. وأثارت القلق والتخوّف لدى قطاعات واسعة من الشعب السوريّ، وجاءت سريعًا المذابح في جبل العلويّين والساحل السوريّ لتؤجّج هذا القلق والتخوّف.
القلق والتخوّف في مثل هذا الحال أمران مشروعان، ولكن إذا صارا أداة عملٍ فهذا يثير الكثير من التساؤلات، خصوصًا عندما يقترنا ب”لاءات” لكلّ حوار.
وهنا انقسمت القوى الفاعلة في الجبل في التوجّه؛ البلعوس والحجّار وبدعم الشيخ الحنّاوي والشيخ الجربوع تبنّوا الحوار طريقًا لترتيب العلاقة مع النظام الجديد، بينما وقف الهجري واضعًا شروطًا مسبقة لأيّ حوار بلغت حدّ المطالب السياسيّة المحضة على المستوى السوريّ العام. نجح أصحاب الحوار في وأد النار التي شبّت في جرمانا قبل شهر ونيّف، وتوصّلوا إلى صيغة توافقيّة مع النظام الجديد تحفظ لأهل الجبل أمنهم وأمانهم، على الأقل من وجهة نظرهم. هذه التوافقات الحواريّة تفجّرت إن كان في جرمانا أو الجبل بفعل فاعل، والسؤال هنا من الفاعل؟!
هل هو الشرع؟! أم عصابات منفلتة؟! أم أيادٍ معادية للحوار؟! أو تدخّل خارجيّ؟!
بغضّ النظر أدّى الأمر في الأسبوع الأخير إلى صدامات دامية يندى لها الجبين راح ضحيّتها العشرات قتلًا وتنكيلًا… وعدنا مرّة أخرى إلى الحوار والتوافقات ولكن هذه المرّة بعد دفع الدمّ!
الوقفة الثانية عشرة… وجنبلاط والحوار وقول أفلاطون
أمّا وقد “ذاب الثلج وبان المرج” انبرى الموالون لإسرائيل رغم وقوعهم في الفخّ الذي نصبته لهم إسرائيل موقعين معهم بعض العناوين بين دروز سوريَة، وبدأوا بالتطاول على وليد جنبلاط الذي رأى أنّ الخطر على الدروز كامن في سياسات إسرائيل ومخطّطاتها وفي كلّ من يروّج لها، والحلّ هو في الحوار مع النظام الجديد كأمر واقع. بلغ التطاول حدّا في التمادي على درزيّة وليد جنبلاط وهذا يعيدنا إلى قول أفلاطون: “الجهل مع الدين إرهاب”.
وبغضّ النظر، هذا الحوار والذي دعوت له في كلّ المقابلات الكثيرة التي أُجريت معي في الموضوع، والذي مارسه جنبلاط قبلًا والآن، عاد ليتصدّر الواجهة واتّفقت فاعليّات الجبل على مسودّة توافق بعد أن بدأت بيانات الهجري تعتدل يومًا بعد يوم وقد رأى على ما يبدو بالدليل القاطع، ولكن وللأسف من خلال الدماء، أنّ وعود إسرائيل كوعد ابليس في الجنّة.
التوافق الأخير؛ ورقة العمل التي تبنّتها كل الفاعليّات المذكورة أعلاه في الجبل، هي عودة على ما كان تمّ التوافق عليه قبلا ولكن هذه المرّة بعد أن سالت الكثير من الدماء. تثبت هذه العودة إلى الحوار والتوافق أيّا من وجهات النظر هي الحقّة؛ الوجهة التي تنادي بالحوار أم تلك التي تنادي بالنار.

الوقفة الثالثة عشرة والأخيرة… وهل من نور في آخر النفق؟!
حقيقة من الصعب بمكان أن يُرى مثل هكذا نور فما زالت الأمور على “كفّ عفريت”. إذا ركب النظام رأسه وقرّر الدخول إلى الجبل عنوة وبقوّة السلاح فنحن في انتظار مذابح لا يعرف نهايتها إلّا علّام الغيوب. قلنا وكرّرنا أنّنا على ثقة أنّ أهل الجبل محصّنون بتراثهم النضاليّ القوميّ العروبيّ ولن يفرّطوا بهذا التراث المجبول بدمائهم كما تراب الجبل، هذه الثقة تتعزّز كذلك في هذه الأيّام العصيبة حين نرى منهم المواقف التي نعهدها فيهم؛ الاستعداد للتضحية وردّ أيّ عدوان والاحتكام إلى العقل والحوار. النور في آخر النفق حتمًا سيظهر إذا احتكم النظام إلى العقل واحترام التوافقات، وإذ قُطِع دابر أيّ تدخّل خارجيّ ادعاؤه حبّه للدروز ما هو إلّا سكب السمّ في الدسم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة