المَوَاكب –

( شعر : الدكتور حاتم جوعيه - المغار - الجليل - فلسطين )

تاريخ النشر: 04/02/24 | 10:50


هذه القصيدة الطويلة هي معارضة لقصيدة جبران خليل جبران الشهيرة ( المواكب ) وعلى نفس النمط والأسلوب..وقد نظمت معظم أبيات القصيدة إرتجالا ) .

لقد أعجبني هذان البيتان من الشعر المنشوران على صفحة أحد الأصدقاء في الفيسبوك للأديب والشاعر المهجري الكبير ” جبران خليل جبران ” من قصيدته ( المواكب) ، وهما :
( فجمالُ الجسم يفنى مثلما تفنى الزُّهُورْ
وجمالُ النفسِ يبقى زهرًا مَرَّ الدُّهُورْ)

فنظمتُ أنا هذه القصيدة الطويلة من الشعر معارضة لقصيدة جبران المشهورة ، وتحمل نفس الإسم ” المواكب ” :
هذي الحياةُ كحلمٍ كلّها عِيَرُ – إنَّ اللبيبَ بها مَن كانَ يَعتبرُ
كم عالم ٍ صارَ مَنبوذا وَمُكتئبًا – والجاهلُ النّهمُ ثيابَ العلمِ يتّزرُ
وَمُعظمُ الناسِ كالقطعانِ سائرةٌ – وراءَ وغدٍ وزنديق كما البقرُ
نراهُمُ مثلَ آلاتٍ تُحَرِّكُها – أيدي البغاةِ .. غدًا لا بُدَّ تنكسرُ
مَنْ قد ترفَّعَ عن إثمٍ وعن عُهر ٍ – أراهُ جَاورَ منْ حارَتْ بهِ الفكرُ
وكلُّ من كان صراط الرّبِّ دَيْدَنَهُ – فإنَّهُ رابحٌ في السعيِ مُنتصِرُ

هذهِ دنيا الغُرُورْ مثلُ دولابٍ تدُورْ
لم يدُمْ فيها سرُورٌ – وابتهاجٌ وَحُبُورْ
نحنُ فيهَا كضيُوفٍ – لو سكنَّا في قصُورْ
إنّما الأجسامُ تفنى – إنَّها مثلُ القشُورْ
وَجمالُ النفس ِ يبقى .. وَشَذاهُ كالعطورْ
جوهرُ الرّوح ِ خُلودٌ – ليسَ تفنيهِ الدُّهُورْ
معدنُ الجسم تُرابٌ – تسطعُ الرُوحُ بنورْ
وَحبيبُ الروح حَيٌّ – في حياةٍ أو نُشُورْ

أعطِني النايَ وَغنِّ – كلَّ صُبح ٍ وَمَساءْ
إنّما العيشُ كحُلم ٍ – ليسَ في الأرضِ بَقاءْ
وإذا الأيّامُ جَارتْ … وابتلينا بالشَّقاءْ
لا نُجَدِّفْ بإلهٍ – وبأحكام ِ السَّماءْ
مثلُ أيوبٍ سنغدُو – سوفَ نرضَى بالقضاءْ
كلُّ حيٍّ لزوالٍ – ما على الأرضِ رجاءْ
ومن الأرضِ ارتحالٌ – وإلى الخُلدِ ارتقاءْ

إنَّ الغنيَّ غنيُّ النفسِ ما كذبُوا – يحيا الحياةَ سعيدًا .. حُلمُهُ نضِرُ
وكم غنيٍّ يعيشُ العُمرَ مُكتئِبًا – لا الجَاهُ يُسعدُهُ والمالُ والدُّرَرُ
وآخذُ الشيءِ لا يُعطيهِ قد صدقُوا – أمَّا الغنيُّ بنفس ٍ جُودُهُ مطرُ
إنَّ السَّعادةَ بالإيمانِ مُترعة ٌ – وَنفحة ُ الرَّبِّ تُحيي كلَّ مَنْ قُبِرُوا
إنَّ الحكيمَ لفعلِ الخيرِ مُدَّخِرٌ – أمَّا الجهُولُ فللاموالِ يدَّخِرُ
ويومَ يقضي فلا الاموالُ تنفعُهُ – نارُ الجحيمِ لِمَنْ في الإثمِ قد عبَرُوا

أعطني النَّايَ وغنِّ – كلّما حَلَّ الظلامْ
إنَّ صوتَ الناي عَذبٌ – عندما الكونُ ينامْ
فيهِ دِفءٌ وَعزاءٌ – لكئيبٍ مُستهَامْ
مثل صوتِ العودِ حلوٌ – مثل عزفي في انسجَامْ

قد ملأتُ الكون عطرًا – ثمَّ ألحانا عذابا
وأنا المكلومُ دومًا – كم تجرَّعتُ المَصابا
وَرَشفتُ الكأسَ صَابًا – ليسَ شهدًا وَرضَابا
وتحدَّيتُ المَآسي – وَتجاوَزتُ الصّعابا
إنَّ إيماني بربِّي – جعلَ الهمَّ سَرابا

أعطِني النايَ وَغنِّ – كلّما جاءَ النَّهارٍ
إنَّ صوتَ النّاي عذبٌ فيهِ يرتاحُ الكنارْ
وبصوتِ النايِ دفءٌ – هُوَ للروحِ انتصارْ
وبصوتِ النايِ بَوْحٌ – ولِمَنْ يُكْوَى بنارْ
وأنينُ النَّايِ يبقى – بعدَ أن تغفُو الديارْ

إنَّ البعيدَ عن ِ الأوباشِ قاطبة ً – وعندَ أهلِ الشّرِّ مَنبُوذ ٌ وَمُحتقرُ
وَصاحب الفكر ِ..أحلام مُجَنَّحَة – الفجرُ عمَّدَهُ والأنجمُ الزّهُرُ
هُوَ النبيُّ بُرودُ النورِ تحضِنهُ – بهِ البغاةُ وأهلُ الإفكِ كمْ سَخرُوا
يبقى الغريبَ بكون ٍ كلهُ دجَلٌ – لم يكترِث هُوَ لامَ الناسُ أم عذرُوا
هُوَ القويُّ بإيمانٍ يُوَاكبُهُ – ولم يُبالِ إذا عنهُ الورى نفرُوا

أعطني النايَ وَغَنِّ – إنَّني صَبٌّ عَليلْ
غنِّ ألحانَ خُلودي – أيُّهَا الشَّادي الأصيلْ
نحنُ في عصرِ ضياع ٍ – قتلوا اللحنَ الجميلْ
وَأدُوا وردَ جنان ٍ – ثمَّ أثمارِ النخيلْ
نحنُ في عصرِ انحطاطٍ – فيهِ قد سادَ الرَّذيلْ
كلُّ مأفون ٍ جبان ٍ … وخؤُون ٍ وَدَخيلْ
أصبحَ الشهمُ كئيبًا – وَشريدًا وَضئيلْ
عصرُنا عصرُ انتكاس ٍ – هل لهذا من بديلْ؟
إنَّ قلبي لبلادي – لا لمسؤُولٍ ذليلْ
لا لحزبٍ أو زعيمٍ – خائنٍ نذلٍ عميلْ
كم سياسيٍّ كقوَّا – دٍ هو الشهمُ الجليلْ
تاجرَ الأوغادُ في آلا – مِنا الدّهْرَ الطويلْ
إنَّ قلبي لبلادي – لا لحزبٍ أو دليلْ
إنَّني أفدِي بلادي – ماؤُها لي سَلسَبيلْ

في مجمع ِ الرِّجسِ والأوغادِ قد رَتعَتْ – كلُّ الزَّعانفِ ..كم أرْغُوا وكم نخَرُوا
مثلُ البَهائم ِ مهما كان مركزهُمْ- طولَ السّنينِ دروبَ العُهر ِ قد عبَرُوا
الأسدُ نامَتْ كلابُ العصر ِ قد نهَضَتْ- ماتَ الضَّميرُ وَصَوْتُ الحقِّ مُستترُ
قد وَظّفُوا كلَّ مَعْتُوهٍ وَمُذدَنبٍ- والجهبذ ُ الحُرُّ مَنبُوذٌ وَمُنبَهِرُ
الثّائرونَ على الجلادِ قد رقدُوا -لكلُّ يصمتُ لا ناهٍ وَمُزْدَجِرُ
الحقُّ مُنتهَكٌ والمَجدُ مُنتكِسٌ – الوردُ يُحْرَقُ والأقمارُ تنتحرُ
كلُّ الأراذلِ في لهو ٍ وفي مَرَح ٍ – العصرُ عصرُهمُ .. أهلُ الخنا كُثُرُ
الإمَّعاتُ هُمُ الأسيادُ في زمَن ٍ- الحقُّ يُصلبُ والأوباءُ تنتشرُ

إنَّ المواخيرَ في عصرِ الخَنا ازدَهرتْ – رُوَّادُهَا البُهْمُ والأدوارُ تنتظرُ

( إنَّ قلبي لبلادي لا لحزبٍ أو زعيمْ )
إنَّ قلبي لبلادي – إنَّهُ قولٌ حكيمْ
قالها قبلَ عقودٍ – شاعرٌ فذ ٌّ عليمْ
قالها ( طوقانُ ) يدري – حالَ أوطاني الأليمْ
والذي كانَ سيجري – وَمِنَ الخطبِ العظيمْ
قالهَا قبلَ نزوحٍ ٍ – واغترابٍ وَهُمومْ
قبلَ تشريدٍ وَحُزن ٍ – وَضياع ٍ وَوُجومْ

أعطني النَّايَ وَغنِّ – إنَّني نبضُ الشُّعُوب
والتي تسعَى لحَقٍّ – كان مَنسيًّا سليبْ

أعطني النَّايَ وَغنِّ – إنَّني صوتُ الضَّميرْ
كمْ بريىءٍ يتلظّى – وأنا أحيا أسيرْ

كم عميلٍ وهبيلٍ – ناقدٍ … أضحَى يصُولْ
كانَ شُعرُورًا قميئًا – كلُّ مسعاهُ هزيلْ
كانَ مَنبوذا طنيبًا – وجبانًا وذليلْ
خدمَ الأعداءَ رَدْحًا – أصبحَ الفذ َّ المَهُولْ
وَظّفُوهُ لانحطاطٍ – ينشرُ الفكرَ المَحيلْ
وَظّفُوهُ لدَمار ٍ – عكّرَ الجوَّ الجميلْ
هُوَ للطبيع ِ يبقى – لمثالا ودليلْ
إنَّمَا التطبيعُ ذلٌّ – وَهَوانٌ لا مَثيلْ
كُلُّ مَنْ يُعطى مِنَ التّطبي – ع ِ تكريمًا أقولْ :
إنَّهُ ساءَ صنيعًا – إنَّهُ ضَلَّ السَّبيلْ

إنَّ شعري وَفُنوني – لبلادي ثمَّ شعبي
إنَّني أفدِي بلادي – هي في روحي وَقلبي
هيَ في الوجدانِ تبقى – وَبعينيَّ وَهُدبي
لم أخُنْ ميراثَ أجدادي – لمْ أبعْ أهلي وَصَحبي

شاعرُ الأحرارِ أبقى – بينَ قومي كَنَبِي
وَبشعري يتغنَّى – كلُّ شَهم ٍ وَأبي
إنَّ دربي من لهيبٍ – مُنذ ُ أن كنتُ صبي
أتغنَّى باعتزاز ٍ – أنا دومًا عَربي

أعطني النَّايَ وَغنّ – فالغنا كلُّ الأملْ
إنَّ صوتَ الناي يبقى – بعدَ أن تغفُو المُقلْ

أعطني النَّايَ وَغنّ – فالغنا يُذكي الشَّجَنْ
إنّ صوتَ النَّاي يبقى – بعدَ أن يمضي الزَّمنْ

أعطني النَّايَ وَغنِّ – إنَّني نبضُ الشُّعُوب
والتي تسعَى لحَقٍّ – كان مَنسيًّا سليبْ

إنَّ صحرائي انبثاقٌ – تهتدي فيها القبائلْ
هيَ فجرٌ وانطلاقٌ .. وَمسارٌ للقوافلْ
وبها النخلاتُ تسمُو – وَكم ِ ارتاحَتْ رَوَاحِلْ
وبها النَّسماتُ تصفُو – والعصافيرُ تُغازِلْ
وَسُهيلٌ ضاءَ دومًا – في لياليهَا الطوائِلْ
لم تُكدِّرْهَا صراعا تٌ -وأشباحٌ غوائِلْ
هيَ دفءٌ وَملاذ ٌ – رَتعَتْ فيهَا الاصائِلْ
هيَ حُبٌّ وسلامٌ – هيَ شدوٌ للبلابلْ

أعطنِي النَّايَ وغنِّ – وأنْسَ ما مَرَّ وفاتْ
لا تقُلْ : أمسي كئيبٌ – فالذي قد غابَ ماتْ
فلتعِشْ عيشًا هنيئًا – واغتنِمْ ما هُوَ آتْ

عاهرٌ ذاكَ الذي يَخْ طو ويجري في السّياسَهْ
قالهَا فذ ٌّ حكيمٌ – ولكمْ عانى ابتئاسَهْ
إنَّما السَّاسة ُ دومًا – هُمُ أنذالٌ خساسَهْ
إنَّهُمْ رمزُ انحِطاطٍ – هُمُ عُنوانُ النَّجاسَهْ
والذي صَارَ زعيمًا – ولهُ كلُّ الرّئاسَهْ
محورَ الأكوانِ أضحَى – إنَّنا عُفنا انتكاسَهْ
وَهُراءً منهُ دومًا – ونرى دومًا نُعاسَهْ
حَذِرٌ في كلِّ أمر ٍ – وَنرى نحنُ احتراسَهْ
هوُ طنجيرٌ غبيٌّ – ما تحلَّى بالفراسَهْ
بيدِ الأوغادِ طفلٌ – مثلُ كلبٍ للحراسَهْ

كم سياسيٍّ وَضيع ٍ – عندنا باع الضَّميرْ
محورَ الأكوانِ أضحَى – قالهَا النذلُ الحقيرْ
خلفهُ الاوباشُ تجري – مع حُثالاتِ الحميرْ
والعضاريط ُ صُنوجٌ – بهُتافٍ وَصَفيرْ
عصرُ لكع ٍ وابنِ لكْع ٍ – فيهِ قد ساءَ المَصيرْ
عصرُنا عصرُ انحطاطٍ – ليسَ فيهِ من نصيرْ

كم هبيلٍ صَحفيٍّ – صيتُهُ صارَ شهيرْ
إنَّهُ نذلٌ عَميلٌ – ومعِ الخزيِ يسيرْ
هُوَ لا يعرفُ حرفَ الْ – لام ِ من قافٍ تدُورْ
هُوَ لا يفهمُ ما المَكْ – تُوبَ في كلِّ السطور
وَظفُوهُ … جَعَلوهُ الْ – كاتبَ الفذ َّ الخطيرْ
ينشرُ الإفكَ وَخزيًا – وَهُراءً … كلَّ زورْ
يخدمُ الأوغادَ والأضْ – دادَ … كالجَرْوِ الصَّغيرْ
بيدِ الأوباشِ أضحَتْ – كلُّهَا تجري الامورْ
إمَّعَاتُ العصرِ سَادَتْ – أمرُنا أضحَى عسيرْ

كلُّ رعديدٍ جبان ٍ – صارَ مقدامًا جَسُورْ
ينفث الرِّيشَ كطاوو – س ٍ .. كما الثّور يَمُورْ
والصَّناديدُ نيامٌ – كلُّ رِئبال ٍ هَصُورْ
وَضعُنا قد يُضحكُ الثكلى .. وَمَنْ هُمْ في القبُورْ
عصرنا عصرُ انتكاس ٍ – عصرُ خزي ٍ وَفجُورْ
عصرُ لكع ٍ وابن لكع ٍ – قد دنا يوم النّشورْ

ليسَ في الغاباتِ عدلٌ – قالَ جبرانُ الحكيمْ
إنَّ عدلَ الناسِ زيفٌ – ليسَ يرضاهُ الفهيمْ
إنّها الأرزاءُ سادتْ – في دُجى الليلِ البهيمْ
إنَّ في الأرضِ شقاءٌ … وظلامٌ وَسَديمْ
كلُّ حُرٍّ يَتلظّى وَأبيٍّ وَكريمْ
إنَّما عدلُ إلهي – – دائمًا حَقٌّ قويمْ
في السَّماواتِ سلامٌ – وصراط مُستقيمْ

في الأرضِ عدلٌ لهُ الشّيطانُ مُبتسمٌ – إبليسُ يعجزُ ما يأتي بهِ البشَرُ
كم أمَّةٍ تحتَ نيرِ الظلم ِ قابعة ٌ – والكونُ يصمتُ لا حِسٌّ ولا خبَرُ
فسارقُ الدّار ِ والأوطانِ مُفتخرٌ – وسارقُ الخبز عندَ الكلِّ مُحتقرُ
وكلُّ ذي سطوةٍ الناسُ تتبعُهُ – أمَّا الضَّعيفُ فمَنبوذ ٌ وَمُنتَهَرُ
الأرضُ أضحَتْ جحيمًا كلّها كدرٌ الليلُ خيَّمَ … نارُ الظلمِ ِ تستعرُ
والناسُ مليونُ وجهٍ بئسَ نهجُهُمُ – باعُوا الضَّميرَ بخمرِ العُهر ِقد سكرُوا

ليسَ في الغاباتِ عدلٌ – لا ولا فيها المُدَامْ
إنَ كُنهَ الغابِ يبقى – طلسَمًا أعَيا الأنامْ
كمْ رجالٍ كشمُوس ٍ – أصبحُوا اليومَ نيامْ
وَبُدُور ٍ أطفأتهَا – طغمُ الغدرِ لئامْ
حُكّمَتْ فينا ذئابٌ … وَمُسُوخٌ وَهَوَامْ
عصرُنا عصرُ انحِطاطٍ – فعلى الدُّنيا السّلامْ

أعطني النّايَ وَغنِّ – فالغنا وَردٌ وَماءْ
إنَّ صوتَ النَّاي يبقى – رغمَ أنهارِ الدّماءْ
لمْ نُسلّمْ لمَصير ٍ – وَمصابٍ وشقاءْ
ولنا باللهِ عَونٌ – إنَّهُ كلُّ الرَّجاءْ

الكذبُ صارَ شعارَ الناسِ في زمنٍ – ماتَ الضّميرُ وفيهِ الحقُّ ينحصرُ
الرّجسُ قدعمَّ أهلَ الأرض ِ قاطبة ً – الزهرُ يبكي ودمعُ الطهرِ ينهمرُ
كم من دَعيٍّ ومأفونٍ هنا نتن ٍ – أضحى تقيًّا بثوبِ الدين يَتَّزرُ
فوقَ المنابر كم طالتْ لهُ خطبٌ – والموبقاتُ جميعًا خاضها القذرُ
يصطادُ في الماءِ ضحلا كان أو كدرا – مصيرُهُ في غدٍ نارُ اللظى سَقرُ

ليسَ في الغاباتِ حَقٌّ – لا ولا فيها الصَّفاءْ
إنَّ صوتَ الظلمِ يعلوُ – واختفى ذاكَ الضياءْ
وَحُشودُ الشَّرِّ تعدُوْ – هيَ تمشي الخُيلاءْ
لم يُحَجِّمْها نظامْ – لا ولا حُكمُ السَّماءْ
لمْ يَعُد في الغابِ عدلٌ – لا ولا فيهِ الرَّجاءْ
لم يعُدْ فيه جمالٌ – هو مَهدٌ للشَّقاءْ

أعطني النَّايَ وَغنِّ – قبلَ أن تخبُو النجومْ
كلُّ سرٍّ سوفَ يبدو – بعدَ أن تجلو الغيومْ

أعطنِي النَّايَ وَغنِّ – قبلَ أن يغفُو الزَّمانْ
إنَّ هذا الكونَ وَهمٌ – ليسَ في الدُّنيا أمَانْ
لم يدُمْ فيها سرورٌ .. يتلاشى العُنفوانْ
ويموتُ الزَّهرُ والفلُّ – وَسحرُ البيلسَانْ
لا تقُلْ أصلي وفصلي – إنَّ لي جَاهٌ وَشانْ
كلُّ حَيٍّ لتُرابٍ – مثلما في البِدءِ كانْ

أبناءُ آدمَ ما كلّوا وما وَهَنُوا – الظلمُ فيهمْ مدى الأيام ِ مُنتشرُ
تفّاحةٌ هيَ قد ساقتْ مَصيرَهُمُ – فعلُ الخطيئةِ مَورُوث وَمُعتمَرُ
اللهُ أعطاهُمُ الآياتِ ساطعة ً – كلَّ الدروسِ ِ لكي يصحُو ويعتبرُوا
لكنّما الشرُّ فيهم دائمًا أبدًا – الأرضُ تنزفُ والأزهارُ تنتحرُ
هذي البسيطةُ مُذ كانت وَمُذ وُجِدَتْ – فالكلُّ فيها لفعلِ الشَّرِّ يبتدرُ
الكونُ نامَ حشودُ الظلمِ صائلة ٌ – طولَ الدُّهُورِ ونارُ البغي ِ تستعرُ

أعطني النايَ وَغنِّ – فالغنا نارٌ ونورْ
إنَّ صوتَ النايِ يبقى – بعد أن تفنى الدُّهورْ

لم نُخلَّدْ فوقَ أرضٍ – فعليهَا الكلُّ فانْ
عُمرُنا يمضي سريعًا – يتلاشَى كالدُّخانْ
نحنُ كم نبكي عليهِ – بعدَ أن مَرَّ الزَّمانْ
عيشُنا مَدٌّ وجزرٌ – هكذا كُنَّا وكانْ
كم شبابٍ كشُمُوس ٍ – مثلُ أزهارِ الجنانْ
قطفَ الموتُ شذاهَا – قبلَ أنْ يأتي الأوانْ

أعطِني النايَ وَغنِّ – إنَّني نسرٌ جريحْ
كم خُطوبٍ داهمَتنِي – وأعاصير وَريحْ
فغدًا تُطفأ شمسي – إنَّني أغدُو طريحْ
وَغدًا يُحفرُ رَمْسِي – من عذابٍ أستريحْ
فأنا قربانُ حقٍّ – مثلما كانَ المَسيحْ

أعطني النايَ وَغنِّ – إنَّني لحنُ السَّلامْ
سأغنِّي لودادٍ – وَلِحبٍّ وَوئامْ

أعطني النَّايَ وَغنِّ – إنَّني نَبْضُ الوَطنْ
فهَوَاهُ خالدٌ … يَبْ – قى على مَرِّ الزَّمَنْ
سأغنِّي حُبَّهُ المَنْ – شُودَ حتَّى في الكفنْ

أعطني النَّايَ وَغنِّ – فالغنا نبضُ الحياةْ
إنَّ صوتَ النَّايِ يبقى – بعدَ أن يأتي السُّباتْ

كم جلستُ العصرَ وَحدي – بينَ أفياءِ النَّخيلْ
واحمرارُ الأفقِ يبدُو – عندما يأتي الأصيلْ
أنشدُ الآمالَ … ثمَّ الحُبَّ واللحنَ الجميلْ
ونسيمٌ يتهادَى – يُنعشُ القلبَ العليلْ
وَطيورُ الرّوضِ تشدُو – تُطربُ الصَّبَّ النَّحيلْ
ولقد طالتْ صلاتي … ولمَسْعَايَ النّبيلْ
لمسةُ الرَّبِّ عَليَّ – لِيَ قد ضاءَ السَّبيلْ
وَإلهي لي نصيرٌ – في دجى الدَّربِ الطويلْ

دربي طويلٌ وآمالي مُضَمَّخةٌ – بالعطرِ والنُّور ِ.. بالإيمانِ أنتصرُ
وَحيث سرتُ ملاكُ الرَّبِّ يحرسُني – النّورُ حولي ووردُ الطّهرِ ينتثرُ
أنا الوداعةُ في حزن ٍ وفي فرح ٍ – مَسعايَ حقٌّ . دُروب الخيرِ أقتصرُ
وفاقدُ الحِلم ِ فالشّدَّاتُ تقتلهُ – لا يُرهبُ المُؤمنَ الأهوالُ والخطرُ
الأرضُ تنزفُ مُذ كانتْ وما برحَتْ – فيهَا الشَّقاءُ ونارُ البغضِ تستعرُ
مَنْ يجعلِ اللهَ نبراسًا لهُ سندًا – مَآلهُ سيكونُ النّصرُ والضَّفرُ

أعطني النَّايَ وَغنِّ – أيُّها الشَّادي الوَديعْ
في الغنا كلُّ عزاءٍ وَلمَنْ أضحَى صريعْ
لِمُحِبٍّ يتلظَّى – نارُهُ بينَ الضلوع
ليلهُ حُزنٌ وَهمٌّ – نازفٌ فيضَ الدُّموعْ

أعطني النَّايَ وَغنِّ – إنَّني أحْيَا الغرامْ
صرتُ في الحُبِّ مثالا – وَمنارًا للأنامْ
إنَّ روحي تتلظّى – إنَّ قلبي في اضطرامْ
إنَّني مُضْنًى نحيلٌ – أنا صَبٌّ مُستهَامْ
أنا مجنونٌ بليلى – وَهْيَ مثلي لا تنامْ
هل سيشفينا غناءٌ – وكؤُوسٌ من مُدَامْ ؟

إنّني قيثارةُ الأحْ – لام ِ واللحنِ الجميلْ
معدني نورٌ وَطهرٌ – إنَّ نبعي سَلسبيلْ
إنَّ فنِّي خالدٌ يَبْ – قى وَمِنْ جيلٍ لجيلْ
وَبشعري يتغنَّى – كلُّ شهم ٍ وأصيلْ
وَبشعري يتسامى الْ فخرُ – والمجدُ الأثيلْ
فيهِ إعجازٌ وَعُمقٌ – فاقَ إبداع الفحولْ
لا لصحراء وَنوق ٍ – وَرُسوم ٍ وَطلولْ
يُنعشُ الأنسامَ والأشْ – واقَ والوَردَ الخضيلْ
يسكرُ الكونُ على – إيقاعهِ العذبِ الجميلْ

أعطني النَّايَ وَغنِّ – في الغنا سحرُ الجمَالْ
إنَّ صوتَ النَّاي يبقى – بعدَ أن تغفُو الرِّمال
لا تقُلِ : ذاكَ وهذا – لا تسَلْ عنْ قيلٍ وقالْ
عُمرُنا يمضي كحلم ٍ – فاغْتَنِمْ طيبَ الوِصَالْ

إنَّ الجمالَ بهِ الأفذاذ قد فُتِنوا – وكم تسامَتْ بإبداع ٍ لهُمْ صُوَرُ
إنَّ الجمالَ جمالُ الرّوح قد صدقُوا – يمضي الزّمانُ فلا شيبٌ ولا كبَرُ
ويعشقُ الوردَ ذو شمٍّ وَذو بصَر ٍ – وليسَ مَنْ لا لهُ شمٌّ ولا بَصَرُ
الوردُ يُنعشُ إرواحًا مُعَذّبة ً – يَسبي قلوبَ الوَرَى إذ ما هُمُ نظرُوا
وفاقدُ الذوقِ والإحساس لا أملٌ – منهُ.. ولا يُرتجَى خصبٌ ولا ثمَرُ
وَمَنْ لا يجودُ بما تسخو الحياةُ لهُ – فإنّهُ الكفرُ والإفلاس والضّرَرُ
وباذلُ النّفس ِ من أجلِ الحبيبِ غدَا – مثلَ النّبيِّ ولا يثنيهِ مُزدَجِرُ
لهُ القضيَّة قد شَعَّتْ عدالتُهَا – وكانَ بالرَّبِّ .. بالإيمانِ مُصطبَرُ
الرّوحُ تبقى مدى الأجيال خالدةً – والجسمُ تحتَ ترابِ الموتِ يستترُ
وَعاشقُ الجسم ِ لا خُلدٌ ولا نِعَمٌ – وعاشقُ الرّوحِ مَنْ يُقضَى لهُ الوطرُ

كنتُ أحيا مثلَ ملكٍ – وبأحلامي أطيرْ
كنتُ في عيشي هنيئًا – وأنا طفلٌ صغيرْ
كنتُ في لهو ٍ ولعبٍ – في ابتهاجٍ وَسُرُورْ
كالفراشاتِ تهادَتْ – بينَ أفواجِ الزُّهُورْ
كظباءِ البَرِّ أعدُو – لستُ أدري ما الشُّرُورْ
كلُّ يومٍ ليَ عيدٌ – كلُّ أجوائي عُطُورْ
كانَ كوني في سلام ٍ – لستُ أدري ما الشُّرورْ
إنَّما الدَّهرُ خؤُونٌ – قاهرٌ فينا الغُرُورْ
هُوَ لا يبقى بحالٍ – وعلى الحُرِّ يَجُورْ
لمْ يثقْ فيهِ حكيمٌ – كانَ في الدُّنيا خبيرْ
إنَّني اليومَ أعاني – عالمي أضحَى مريرْ
طالَ في الليلِ سُهَادي – لم أنَمْ فيهِ قريرْ
عوسَجٌ أضحَى وسادي – بعدَ أن كانَ حريرْ
أقطعُ الايَّامَ كدًّا – واللظى حولي تَمُورْ
والرَّزايا في طريقي – كيفما سرتُ تسيرْ
كلُّ آمالٍ تلاشَتْ – وغدَا القلبُ كسيرْ
أنا أحيا في زمان ٍ – فيهِ قد ماتَ الضَّميرْ
أصبحَ الحُرُّ كئيبًا – ليسَ يدري ما المَصيرْ
في انزِواءٍ وَشُرُودٍ – صامتًا مثلَ القبُورْ
فظلامُ الليلِ يطغى – عالمٌ أمسى ضريرْ

أعطني النايَ وَغنِّ – أيُّهَا الشَّادي الفصيحْ
مُذ دُهُور ٍ كم أعاني – مثلما الطير الجريحْ
في لظى الأهوالِ أمشي – ابدًا لا أستريحْ
في سبيلِ الحقّ أمضِي – إنَّ مَسْعَايَ صَحيحْ
حاملٌ صُلبانَ شعبي وَجراحاتٍ تصيحْ
حاملٌ تاريخِ مأسا – تي وآلامَ المَسيحْ

أعطني النَّايَ وَغنِّ – إنَّني ذقتُ العذابْ
إنَّ في صمتي نزيفا – إنَّ في روحي اكتِئابْ

أعطني النايَ وَغنِّ – فالغنا روحُ الوجودْ
إنَّ صوتَ النايِ يسمُو – كلَّما طالَ السُّجودْ

أعطني النّايَ وَغنِّ – أيُّهَا الشَّادي الجميلْ
إنَّ في الشَّدوِ عزاءً – للذي باتَ قتيلْ
كم فرشتُ الأرضَ عطرًا – واستنارتْ بي الفصُولْ
وجعلتُ القفرَ خصبًا – وصنعتُ المُستَحيلْ
سوفَ آتيكَ انتصارًا – طالعًا من كلِّ جيلْ
أقهرُ الموتَ وأبقى – مثلَ صُوَّانِ الجليلْ
فمَخاضُ البرقِ يأتي – قبل أن تُروى الحقول

أعطني النَّايَ وَغنِّ – فالغنا دِفءٌ وَظِلُّ
كلُّ خطبٍ يتلاشَى – كلُّ هَمٍّ يَضْمَحلُّ

أعطني النَّايَ وَغنِّي – فالغنا يُحيي النّفوسْ
إنَّ صوتَ النَّاي يحلو – بعدَ أن نجلو الكؤُوسْ
بعدَ أنْ تسمُو صلاةٌ – هيَ ليستْ كالطقوسْ
……………………………..

يشتاقُ نيسانَ أهلُ الأرضِ قاطبة ً – وَمنبعُ الشوقِ يبقى زهرُهُ العطرُ
إنَّ المصالحَ هَمُّ الناس ِ ما برحَتْ – والبعضُ منهمْ لفعلِ الخيرِ يقتترُ
إنَّ الحياةَ بهذي الأرضِ مرحلة – وكلُّ ما جاءَنا قد خطهُ القدَرُ
على الجبينِ يكونُ الحَظ ُّ مُرْتَسِمًا – ونحنُ في رحلةٍ والموتُ ينتظرُ
وكلُّ حيٍّ غدًا لا بُدَّ مُرتحلٌ – أيَّامُهُ سوف تمضي ينتهي العُمُرُ

إنَّ في الغابِ ملاذا .. وَهُدوءً وَسُكونْ
للذي يبغي خلاصًا – من صراع ٍ وَظنُونْ
للذي يبغي سلامًا – من أذى دهر ٍ خَؤُونْ
إنَّ في الغاب انطلاقًا – لا قيودٌ أو سُجونْ
وَبهِ الأرواحُ تسمُو – فوقَ كون ٍ من شُجونْ
عالمُ الأرضِ ضياعٌ – واكتئابٌ وَمَنُونْ

أعطني النّايَ وَغنِّ – فالغنا يشفي الحزينْ
إنَّ صوتَ النّاي يُحيي – كلَّ مكلوم ٍ طعينْ

كم زهور ٍ أدرجَتْ – تحتَ أحضانِ الثّرى
ونجوم ٍ أطفِئَتْ – هيَ ما عادَتْ تُرَى
بعد أن كانتْ منارًا – وضياءً للوَرى
لا تسَلْ عَمَّا سيأتي – لا تقُلْ ماذا جرى
إنطلقنا في شُموخٍ ٍ – وَرجعنا القهقرَى

أعطني النَّايَ وَغنِّ – فالغنا يُذكي الشَّجَنْ
إنَّ صوتَ النَّاي يبقى – بعدَ أن تجلو المِحَنْ

إحمليني يا جراحْ – فوقَ أجفانِ النّجومْ
عَلَّ ألقى راحة ً – من لظى خَطبٍ أليمْ
فحياتي أثقِلتْ – بالمآسي والهُمومْ
أنا أحيا تائهًا – بينَ نار ٍ وَسَديمْ
مثل نسر ٍ نازفٍ – رغمَ آلامٍ ٍ يحُومْ
يتلظى في الفضا – بينَ طيّاتِ الغيومْ
لم يعُدْ صوتي صُدا – حًا .. شفاءً للكلومْ
إنَّ صوتي لنُوا – حٌ وَحُزنٌ وَغمومْ
إنَّني لحنٌ كئي – بٌ يتهادى في وُجُوم
عَوْسَجًا كانت طَري – قي وَقتادًا وَرُجُومْ
لم أجدْ لي مخرجًا – من أذى دهر ٍ غشُومْ

أعطني النايَ وَغنِّ – إنَّني صرتُ المِثالْ
في عذابٍ وشقاءٍ – وَهُموم ٍ واعتلالْ
إنَّني مثلُ ملاكٍ – وَبخلق ٍ وامتثالْ
أنا إنسانٌ تقيٌّ – لم أصلْ حدَّ الكمال
أعطني النَّايَ وَغنِّ – في انتشَاءٍ وَدلالْ
إنَّ عزفي من نزيفي – ليسَ في اللحنِ ابتذالْ
إنَّ صوتَ النَّاي عذبٌ – فيهِ سحرٌ وَجمالْ
إنَّ صوتَ النَّايِ يبقى – بعد أن تهوي الجبالْ

مثلُ أيُّوبٍ أنا – في عذابٍ وَعَنا
زارعُ الوردِ هُنا – والأسَى كانَ الجَنَى
سرتُ في دربِ اللظى – وَعبرتُ المِحَنَا
رغمَ هَمِّي لم أزلْ – في طريقي مؤمنا
قلمي كان المُنى – ليسَ سيفًا وَقنا
أنا للسلمِ هُنا – لستُ للشَّرِّ أنا
كم نثرتُ النُّورَ والْ – فُلَّ ثمَّ السَّوسَنا
هذهِ الأرضُ طغَتْ – لم تكُنْ لي مسكنا
منزلي حِصنُ السَّمَا .. وسيبقى المَوطِنَا

أعطني النَّايَ وَغنِّ – فالغنا يجلو الصُّداعْ
أنا في الكون وحيدٌ – إنَّني أحيا الضَّياعْ
إنَّني أحيا كئيبًا – في شرُودٍ والتياعْ
لم أزل صوتَ الغلابى – وترانيمَ الجياعْ

النَّاسُ تجري وراءَ المالِ في زمن ٍ – الكلُّ فيهِ بوحلِ الإثم ِ مُنغمرُ
الحقُّ ضاعَ فلا عدلٌ ولا قيمٌ – الحُرُّ يُظلمُ والمأفونُ يأتمرُ
الأسدُ نامَتْ وأربابُ الخنا رَتعُوا – كلُّ المواخيرِ بالأوباشِ تعتمِرُ
إنَّ العدالة وَهْمٌ لم تزلْ حُلمًا – فوقَ البسيطةِ سادَ الظلمُ والضَّررُ
ماتَ الضّميرُ بكونٍ فاسق ٍ نهم ٍ – والكلُّ يصمتُ لا رفضٌ ولا ضَجَرُ

صارَ دهري أرقما .. وَسُقيتُ الألمَا
كلُّ ما حولي غدَا – صامتًا بل مُبهَمَا
وأرَى الدَّربَ طوي لا .. وكوني مُظلمَا
حائرٌ بل ضائعٌ – بينَ أرضٍ وَسَمَا
سائرٌ .. لستُ أدري هل – فقدتُ الحُلمَا
كانَ سعيي للعُلا كي – أطالَ الأنجُما
كنتُ دومًا في شُمو خ ٍ أحاكي القشعَمَا
وَغدا ما أبتغي هِ – بعيدًا مُعتِمَا
كلُّ شيىءٍ كَسَرا بٍ – وَجَوِّي أضْرِمَا
كلُّ ما أبغيهِ وَهْ مٌ – وَصَرحي حُطّمَا
بفمي قد أصبحَ الشَّهدُ مُرًّا علقمَا
إنَّ هذا الكونَ أضْ – حَى ظلامًا وَعَمَى
وَغدَا الكلُّ بخُلْ – ق ٍ فقيرًا مُعدَمَا
إنَّني نسرٌ جَري – حٌ تهاوِى وارتمَى
ولهُ هيهاتَ يَلْ – قى بأرضٍ بَلسَمَا

أعطني النَّايَ وَغنّ – فالغنا يشفي القلوبْ
إنَّ صوتَ النّايَ يسمُو – في شرُوق ٍ وَغرُوبْ

أعطني العودَ وَمنِّي – تسمعُ اللحنَ الطّرُوبْ
إنَّ صوتَ العودِ يحلو – بعدَ أن تبدُو الدّروبْ
كلُّ سرٍّ سوفَ يخبُو – وسنجتازُ الخطوبْ
إنَّ صوتَ العودِ يبقى – بعدَ أن ينضُو الشُّحُوبْ

أعطني النايَ وَعنِّ – في سُموٍّ وافتخارْ
إنَّ صوتَ النَّاي عذبٌ — في مساءٍ وَنهارْ
ينتشي الطيرُ وزهرُ ال – روضِ ثمَّ الجلنارْ
إنَّ صوتَ الناي يبقى – بعدَ أن يمضي القطارْ
يتهادى في سكون ٍ – فوقَ أعباءِ الديارْ

……………………………………………..

أعطني العُودَ وَمنِّي – تسمعُ الصَّوتَ الشّفيفْ
مِنْ غنائي الكونُ يغدُو – كلُّ ما فيهِ لطيفْ
إنَّني رمزُ نقاءٍ – إنَّني دومًا شريفْ
لم تُغيِّرني خطوبٌ – في ربيع ٍ أو خريفْ
إنَّني رُغمَ جراحي – في لظى النارِ أسيرْ
حاملٌ آمالَ شعبي- ولهُ نعمَ النَّصيرْ
حاملٌ مشكاة َ نور ٍ – عُنفواني كالنّسُورْ
ليَ عزمٌ يتحدَّى – كلَّ أهوالِ الدُّهُورْ
لمْ تُنَكِّسْني المَآسي – والرَّزايا والشُّرُورْ
كم تسلّقتُ الرَّوابي – كلَّ قمَّاتِ الصُّخُورْ
لم يُقيِّدْني مكانٌ .. أو زمانٌ للنّذورْ
وتضَمَّخْتُ بطهر ٍ وَتعمَّدْتُ بنورْ
وَمَسَاري كانَ مَيْمُو – نًا .. ولكم طالَ المسيرْ

أعطني النَّايَ وَغنِّ – في الغنا نلقى العزاءْ
هُوَ سحرٌ وَدواءٌ – هُوَ للرُّوح ِ شفاءْ

العُمرُ طالَ وكم خطبٍ نُقارعُهُ – والظلمُ مهما عتَا لا بُدَّ ينحسرُ
إنَّ الحياةَ بهذي الأرضِ مَهزلة ٌ – والجَهْبَذُ الحُرُّ طولَ الدَّهرِ يفتقرُ
فكلُّ لغز ٍ وَمَهْمَا طالَ طلسمُهُ – لا بُدَّ يُكشفُ بينَ الناسِ ينتشرُ
تُبدي الحياةُ لنا ما نحنُ نجهلهُ – يبدُو لنا كلُّ ما قد كانَ يستترُ
والخيِّرُونَ بهذي الأرضِ ما فتئُوا – الحقُّ ديدَنُهُمْ والأنوارُ والطُّهُرُ
وَعاشقُ الرّوحِ فوقَ الشَّمسِ مَوطنُهُ – وَعاشقُ الجسمِ تحتَ الأرضِ يندثرُ

أعطني النّايَ وَغنِّ – فالغنا نبعُ السُّرُورْ
إنَّ صوتَ النّاي يبقى – لم تُدنّسهُ الشُّرُورْ
قد قطعتُ العمرَ ركضًا – وتسلّقتُ الصخورْ
وَفرشتُ الدربَ عطرًا – وسَلامًا وَحُبُورْ
قد شربتُ الطّهرَ صرفًا – في كؤُوس ٍ من أثيرْ
وَتضمَّختُ بعطر ٍ … وتعَمَّدْتُ بنورْ

أعطني النايَ وَغنِّي – وَانْسَ ألوانَ العَذابْ
نحنُ في الدنيا سُطورٌ – حظنا كان اغترابْ
فاغتمْ ما قد تبقَّى – لأوَيْقاتٍ عِذابْ
هذه الأيامُ تمضي – إنَّها مثلُ السَّحَابْ

أعطِني العُودَ وَمِنِّي – إستَمِعْ لحنَ الخُلودْ
إنَّ صوتي عُلوِيٌّ – ساحرٌ كلَّ الوجُودْ

أعطني العودَ فإنِّي … بغنائي سأجُودْ
فيهِ أطيافُ التمَنِّي – كلُّ أنغام ِ السُّعُودْ
إنَّ صوتَ العودِ يبقى – بعدَ أن يغفو الوُجودْ
كلُّ مجهولٍ سيأتي – ما مضى ليسَ يعُودْ

كم جلستُ العصرَ وحدي … بعدَ كدٍّ وَتعَبْ
حوليَ الأطيارُ تشدُو – بينَ جفناتِ العِنبْ
وَعناقيدُ الدَّوالي – لونُهَا مثلُ الذهَبْ
ناسيًا يومًا عصيبًا – كانَ همًّا وَوَصَبْ
عازفًا ألحانَ روحي – طاويًا سفرَ الغضَبْ

أعطني النايَ وَغنِّ – فأنا لحنٌ كئيبْ
إنَّني طيرٌ أسيرٌ – فوقَ أوطاني غريبْ
إنَّ صوتَ النايِ يعلو – رغمَ قيدٍ وَرقيبْ
وأنينُ النّاي يبقى – بعدَ أن يأتي المغيبْ

أنا في الكونِ أسيرٌ – لستُ أدري ما المَصيرْ
وبروحي وَضميري – إنَّني مثلُ الطيورْ
ليتني أسطيعُ طيرًا مثلَ أسرابِ النّسورْ
سابحًا مثلَ الأثيرِ — فوقَ كون ٍ من شرُورْ

أعطني النايَ وَغنِّ – فالغنا يشجي الفصاحْ
إنَّ صوتَ النايِ يبقى – بعدَ أن تشفى الجراحْ
ننشُدُ الأحلامَ دومًا – كلَّ ليلٍ وصباحْ
عمرنا يجري سريعًا – مثلما تجري الرياحْ
لم نُحقّقْ كلَّ حلم ٍ – ليس منهُ من براحْ
عيشنا ما كان سهلا – لم يكن شهدا وَراحْ
كانَ كدّا مُستمرًّا – ونضالا وكفاحْ
فانطلاقي لا انهاءٌ – في الفيافي والبطاحْ
ومساري مثل نجم – طول دهر ما استراحْ

أعطني النايَ وَغنِّ – فالغنا يحيي السلامْ
إنَّ أشواقي تسامَتْ – إنَّ روحي في اضطرامْ
وبصوتِ النَّاي صَحْوٌ – منعهُ كان حرامْ
إنَّ صوتَ النَّاي يبقى – بعدَ أن يُمحَى الكلامْ

أنا للسِّلمِ أتيتُ – نخبَ مجدٍ قد شربتُ
لم أكنْ يومًا أثيمًا – لم أخُنْ عهدًا قطعتُ
في طريقِ الخير دومًا – للهُدَى إنِّي مشيتُ
قد خبرتُ الدَّهرَ طفلا – وَمنَ النورِ انتَشيْتُ
ونثرتُ الوردَ دومًا – وشقاءً قد حصدتُ
أنا جُرحٍ يتلظّى – بالأسَى إنِّي اكتوَيتُ
وَتحَدَّيْتُ الرَّزايا – والاعادي ما رهبتُ
حاضِنٌ آمالَ شعبي – للفِدَا إنِّي مَضَيْتُ

أعطِني النَّايَ وَعنِّ – إنَّني فجرُ الشُّعُوبْ
وَبألحاني تجلَّتْ – كلُّ ألوانِ الطيُوبْ
إنَّ صوتَ النَّاي يحلو – بعدَ أن تصفُو القلوبْ
كلُّ سرٍّ سوفَ يبدُو – والاماني قد تؤُوبْ

أنا قربانٌ لحَقٍّ – قد قطعتُ العُمرَ رَكضَا
وأريجي فاحَ دومًا – يملأ الجوَّ وَأرضَا
وحياتي لكفاح – نابذا حقدًا وَبغضَا
ما رضيتُ الذلَّ يومًا – غيرُنا في الذلِّ يرضَى
غيرُنا باعَ ضميرًا – وَهوَ بالأقذارِ يحظَى
كم أناس ولِجمعِ الْ – مالِ يزدادُون خفضَا
فهُمُ للأكلِ دومًا – وَبجمعِ المالِ مَرضَى
قد خبرتُ الكونَ طفلا – إنَّ عودي كانَ غضَّا
كم تجرَّعتُ المآسي – ما ألاقي كانَ فرضَا
وانطلاقي لِسُمُوٍّ .. أشعِلُ الحُسَّادَ غيضَا
لستُ أدري ما مصيري – وَمتى عُمريَ يُقضَى

أعطِني النَّايَ وَغنِّ – أطلِقِ الصَّوتَ الأسيرْ
فلهُ الأزهارُ ترنُو – والسَّواقي والصُّخورْ
أطلقِ اللحنَ شجيًّا – يملأ الكونَ الكبيرْ
إنَّ عصرَ الخيرِ ولَّى – ولقد ماتَ الضَّميرْ
أعطِني العودَ وَغنِّ – أيُّهَا الشَادي الأمينْ
إنَّ صوتَ العودِ أحلى – – مِن صدَى النَّاي الحزينْ
فيهِ تهذيبٌ وَفنٌّ … وَسُمُوٌّ للفطينْ
يُنعشُ الاحلامَ والآ – مالَ والحُبَّ الدَّفينْ
فيهِ أنغامُ خلودٍ – كلُّ أشواقِ السنينْ

أعطني العودَ وغنِّ – أطلقِ الصَّوتَ الأصيلْ
فالغنا أحلى الأماني – للذي باتَ نحيلْ
إنَّني ذبتُ هيامًا – إنَّني صَبٌّ عليلْ
فالغنا يُنعشُ روحي – وأرى الكونَ جميلْ

أعطني العودَ وغنِّ – فالغنا نورٌ ونارْ
إنَّ صوتَ النَّاي يشجي – كلَّ قلبٍ في انكسارْ
فيهِ أطيافُ حنان ٍ – وترانيمُ هَزارْ
إنَّ قلبي في نزيفٍ – إنَّ روحي في انحسارْ
أعطني النَّايَ وَغنِّي – قبلَ هجري للدّيارْ
قبلَ أن أرحلَ جسمًا – أتلاشَى كالبُخارْ
ثمَّ يُطوَى سِفرُ عُمري – كلُّ شيىءٍ في اندِثارْ

أينَ الملوكُ ذوو التيجانِ من ظلموا – الأرضُ دانتْ لهُمْ والبدوُ والحَضَرُ
كانت قصورُهمُ بالعزِّ وارفة ً – تقامُ عندهُمُ الحفلاتُ والسَّمَرُ
البرُّ والبحرُ والأقطارُ قد خضعَتْ – لحُكمِهِمْ وَبعَهدِ الرَّبِّ قد كفرُوا
شادُوا القصورَوعاشُوا العُمرَ في رَغدٍ – واليومَ لم يبقَ من آثارِهِمْ أثرُ
أتى ملاكُ الرّدَى في حينِ غفلتِهِمْ – وَبلقعًا أصبحُوا تحتَ الثرَى طُمِرُوا
لا لم يُخلّدْ على وجهِ الثرى أحدٌ – ماتَ الملوكُ وتحت الأرضِ قد قُبِرُوا
من عهدِ آدمَ حتى اليوم كم جثثٍ – تحتَ الثرَى تشهدُ الأزمانُ والعُصُرُ

أعطني النّايَ وَغنِّ أطلقِ الصَّوتَ الأصيلْ
فالغنا أحلى الأماني – ينعشُ القلبَ العليلْ
في الغنا كلُّ عزاءٍ – يُبعدُ الهَمَّ الثقيلْ
قد قطعنا العُمرَ ركضًا – لا تُجارينا الوُعولْ
عُمرُنا يبقى قصيرًا – سوفَ ترثينا الطلولْ
عيشُنا مثلُ سَرابٍ – بعدَ حينٍ سيزولْ
في غدٍ مهما ارتفعنا – سوفُ يطوينا الأفولْ

أعطني النّايَ وَغنِّ – أيُّهَا الشَّادي الصَّبُوحْ
فالغنا يُطربُ قلبًا – عاشقًا صَبًّا سَمُوحْ
إنَّ أزهارَ جناني – دائمًا تبقى تفوحْ
وَبُنودُ الفجرِ تعلو – فوقَ أحلامي تلوحْ

أعطِني النَّايَ وَغنِّي – فالغنا سرُّ البقاءْ
إنَّ دنيا الناسِ وَهمٌ – كلُّ ما فيهَا هَبَاءْ
أنا مِن نور ٍ أتيتُ – لستُ مِنْ طينٍ وَماءْ

أعطني النايَ وَغنِّ – وانْسَ ما قالوا وَقيلْ
قد مضى العُمرُ سريعًا – لمْ أضيِّعْهُ السَّبيلْ
ما لأزهارِ الأقاحي – فوقَ أكفاني تميلْ
إنَّها ترثي فتاهَا – بنحيبٍ وَعَويلْ
والصَّبا تخطو وئيدًا – تلثمُ الجسمَ النَّحيلْ
والصَّبايا الغيدُ تبكي .. كلُّ أزهارِ الجليلْ
فوقَ أكفاني وُرُودٌ – واقحُوانٌ وخَميلْ
إنَّ روحي في سماءٍ – أنا في الأرضِ قتيلْ

خبِّري يا ريحُ عنّي – كلَّ أزهارِ الوطنْ
إنَّني أفدِي ثرَاها – رغمَ أهوالِ المِحَنْ
إنَّ روحي كشذاهَا – هيَ لي أحلى كفنْ
وبلادي هي نبضي – لم يُعادلهَا ثمَنْ

أعطني النايَ وَغنِّ – في سُمُوٍّ وانتشاءْ
واغتنِمْ أيامَ سعدٍ – .. وَحُبورٍ وَهناءْ
إنَّما العيشُ كحلم ٍ – ليسَ في الأرضِ بقاءْ
لا تقُلْ : بيدينا – هكذا شاءَ القضاءْ
كلُّ أمر ٍ سوفَ يُقضَى – وَإذا ما الرَّبُّ شاءْ

مَعدني الطّهرِ سيبقى – أنا نورٌ وضياءْ
لستُ أرضَى الأرضَ دارًا – إنَّ بيتي في السَّماءْ

أعطني النايَ وَغنِّ – إنَّني صَبٌّ كئيبْ
إنّني في الارضِ أحيا – دائمًا مثلَ الغريبْ
إنَّ روحي في سُمٌوٍّ – فوقَ كون ٍ من نحيبْ
جسدي إن غابَ حقًّا – إنَّ روحي لا تغيبْ

الخيِّرُونَ بهذي الارضِ كم صبَرُوا- خاضوا التَّجاربَ عندَ اللهِ ما خسرُوا
إيمانُهُمْ هزَّ أطوادًا لقدْ خشَعَتْ- مِنْ خشيةِ الرَّبِّ.. كم تُروَى لهُمْ سِيَرُ
الطّهرُ واكبَهُمْ والنُّورُ عمَّدَهُمْ – أندادُهُمْ دائمًا طولَ المدَى كُثُرُ
اللهُ يحرُسُهُمْ لا زلّتْ بهمْ قدَمٌ – ولا عضامٌ لهُمْ في الضّيقِ تنكسرُ
الربُّ ناصِرُهُمْ في كلِّ مُعتركٍ مهما يُعانوا فإنَّ البغيِ ينحصرُ
أمَّا الذي نهجُهُ الآثامُ يسلكُهَا – بالكُفرِ والعُهرِ والأرجاسِ ينتحرُ
المؤمنونَ جنانُ الخُلدِ مسكنُهُمْ – أمَّا جهنَّمُ بالكفّارِ تستعرُ
المؤمنونَ صراطُ الربِّ دَيدَنُهُمْ – الأرضُ فيهِمْ لكمْ تزهُو وتزدهرُ
إنِّي بموكبهِمْ واللهُ بارَكني – وأينما سرتُ حولي النّورُ ينتشرُ

( شعر : الدكتور حاتم جوعيه – المغار – الجليل )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة