الأدب/النصوص كوسيلة للعلاج النفسيّ:

د. محمود ابو فنه

تاريخ النشر: 19/04/23 | 15:19

تسهم القراءة في تحقيق الشخصيّة المتلقّي المتكاملة في أبعادها المختلفة: العقل والتفكير، الروح والقلب والإحساس، الإرادة والإبداع!
والأدب نوعٌ من أنواع الفنون، ودور الفنّ كما يراه سقراط:
“يجب أن يكون لخدمة الأخلاق والجمال، ويجب أن يؤدّيَ إلى الخير لا إلى اللذّة الحسّيّة”.
فالأدب، كما ذكرنا، يمكن أن يكون وسيلة علاجيّة يُسهم في إحداث التوازن النفسيّ لدى المتلقّي!
وفي كتابه الشهير “التحليل النفسيّ للحكايات الشعبيّة” (ترجمة: طلال حرب) يؤكّد برونو بتلهايم على دور الحكايات الشعبيّة في تسلية المتلقّي وإمتاعه، وفي كونها تنير للمتلقّي ذاته، وتؤمّن نموَّ شخصيته (م. ن: 31)، بل قد تستطيع تلك الحكايات أن تغيّر شخصيّته، وتطهّر نفسه، وتحرّره من عواطفه ومشاعره السلبيّة كما حدث للملك شهريار في حكايات “ألف ليلة وليلة”.
فالملك شهريار، بعد خيانة زوجته له (وخيانة زوجة أخيه)، طغى عليه الحقد والكراهيّة، وفَقَد الثقةَ بالنساء، فقرّر الانتقام من بنات حواء.
ولتحقيق هذه الرغبة الجنونيّة الحمقاء، صار يتزوّج كلّ ليلة فتاة عذراء، ثمّ يقتلها عند الفجر كي لا تكون لها فرصة لتخونه!
وهنا تظهر شهرزاد بنت الوزير التي قرّرت الزواج من الملك وأن تضحّي وتخاطر بحياتها علّها تنقذ بنات جنسها من طغيان هذا الملك الذي يعاني من عقدة الكراهيّة للنساء بعد أن اكتوى بنار الخيانة الزوجيّة.
أمّا الوسيلة التي لجأت إليها شهرزاد فكانت أن تروي كلّ ليلة، وعلى امتداد ألف ليلة وليلة، حكاية مشوّقة ممتعة للملك الذي أُعجِب كثيرًا بتلك الحكاية، فكان كلّ ليلة يؤجّل قتل شهرزاد ليستمع إلى تتمّة الحكاية التي كانت شهرزاد “تقطعها عند لحظة حاسمة، مع الفجر، في الليلة التالية.” (ن. م: 121)
بفضل سرد تلك الحكايات الأخّاذة، وخلال ثلاث سنوات تقريبًا، نجحت شهرزاد في تحرير الملك من “انهياره العميق” وتمّ ترميم شخصيّته المتفكّكة وعلاجه من عقدته القاتلة!
وكانت النهاية سعيدة حقّقت فيها شهرزاد بحكاياتها “الخلاص” للملك، فقد أصبحت شخصيّته سويّة متكاملة تحرّرت من الحقد والكراهية للنساء، وعرفت قيمة الحب المتبادل للمرأة الوفيّة الحكيمة!
ويستعين بتلهايم في تحليله بمفاهيم مستمدّة من علم النفس؛ فالملك الحاقد على النساء – في أعقاب الخيانة الزوجيّة – أصبح خاضعًا بصورة مطلقة للميول العدوانيّة وللنزوات والرغبات المكبوتة المتمثّلة بما يُعرف ب- (الهو)، وجاءت شهرزاد التي تخضع ل – (الأنا) الواقعيّ العارف الحكيم، والمتسلّحة ب – (الأنا الأعلى) – القيم والمثل العليا – المتمثّلة في استعدادها للتضحية بحياتها لإنقاذ الآخرين.
لا غرابة، إذن، أن تزداد في العقود الأخيرة الدراسات والأبحاث والمساقات حول موضوع العلاج بالنصوص!

المراجع:
– بتلهايم، برونو – التحليل النفسيّ للحكايات الشعبيّة. ترجمة: طلال حرب. دار المروج للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1985.
– בטלהיים, ברונו. קיסמן של אגדות ותרומתן להתפתחותו הנפשית של הילד. תרגם: נ’ שליימן. רשפים, ת”א 1980.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة