أحمد جبريل الفلسطيني الهوية والسوري النهج… تأييد بالمطلق لنظام الأسد-أحمد حازم

تاريخ النشر: 08/07/21 | 16:00

توفي القائد الفلسطيني أحمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــ القيادة العامة، أمس الأربعاء في العاصمة السورية دمشق بعد صراع مع المرض. يقولون “أذكروا محاسن موتاكم” وأن “الميت” لا تجوز عليه إلاّ الرحمة، ولذلك نقول “الله يرحمه”. لكن هذا المتوفي ليس شخصاً عادياً، فبعد الرحمة عليه لا بد من تحليل مواقفه السياسية كونه ينتمي للقيادات الفلسطينية المعروفة.
لقد عرفت الراحل عن قرب وجمعتني به لقاءات في بيروت وبراغ والعاصمة الأثيوبية أديس أبابا ولذلك أستطيع القول انه شخصية جدلية كانت موضع اهتمام فلسطيني وعربي ودولي. كان الراحل، وإن اختلفت معه في السياسة، هو أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية ، وهو قامة تاريخية بكل المقاييس، وقائداً عسكرياً فذاً ويتمتع بشخصية لديها حضور لافت على جميع الأصعدة.
التاريخ الفلسطيني سجل للراحل جبريل مواقف إيجابية وأخرى سلبية على الصعيد الفلسطيني. قي معركة الكرامة عام 1968 كان له الدور الأهم في الإنتصار على المعتدي الإسرائيلي، خلال الغزو الإسرائيلي على لبنان عام 1982 كانت قوات جبريل في مقدمة القوات الفلسطينية التي أبدت بلاءً رائعا أمام المحتل الإسرائيلي. و”قامت الجبهة الشعبية – القيادة العامة” بعمليات عدّة ضد الاحتلال الإسرائيلي أبرزها “عملية الطائرات الشراعية” الشهيرة عام 1987.
لقد أشرف جبريل على إعداد وتنفيذ صفقتين لتبادل الأسرى مع إسرائيل بعد عمليات أسر لجنود من جيش الاحتلال، وهما عملية النورس عام 1979، حيث أطلق بموجبها سراح 76 أسيرًا فلسطينيًا مقابل أطلاق سراح جندي أسرته الجبهة، وعملية الجليل عام 1985، والتي أطلق بموجبها سراح 1150 أسيرًا فدائيًا (فلسطينيًا وعربيًا وأجنبيًا) من بينهم الشيخ أحمد ياسين، والمقاتل الياباني كوزو أوكاموتو، مقابل ثلاثة جنود من جيش الاحتلال.
أحمد جبريل كان من حلفاء النظام السوري وشارك إلى جانب القوات الموالية له في حرب المخيمات الفلسطينية في لبنان، ولا سيما إبادة مخيم تل الزعتر عام 1976. صحيح أن جبريل عارض التسوية السياسية مع إسرائيل وكان من مناهضي اتفاقية أوسلو، لكنه وقف مع النظام السوري بدون تردد ضد الفلسطينيين، مما أدى إلى انتشار الحقد عليه في الشارع الفلسطيني في المخيمات وخصوصا في مخيم اليرموك في سوريا.
كانت العلاقة بينه وبين الراحل ياسر عرفات علاقة سيئة، لأنه لم يكن موافقاً على نهج عرفات، والراحل أبو عمار لم يكن أيضاً راضيا عن ارتماء جبريل في الحضن السوري. أبو عمار وبعد خروجه من بيروت عام 1982 رفض انتقال المقاومة إلى سوريا بعد أن رتب جبريل لهذا الأمر، لأنه كان يرفض أن يكون القرار الفلسطيني بيد حافظ الأسد.
كان جبريل مناوئاً للنهج الشيوعي ولم تكن له علاقات جيدة مع الدول الإشتراكية، ولم يرسل أي أحد من طلبته للدراسة في تلك الدول. خلال زيارة رسمية له لتشيكوسلوفاكيا سأله عضو لجنة مركزية في الحزب الشيوعي التشيكي عن الحزب الشيوعي الفلسطيني. فأجابه بكل صراحة: “لم أسمع به مطلقا، إسألوني عن حزب أو تنظيم فلسطيني فاعل”.
وأذكر أني قمت مع ثلاثة صحفيين ألمان بزيارة لأديس أبابا بدعوة رسمية، في الثمانينات وصدفة نزلنا في الفندق الذي كان ينزل فيه جبريل مع إثنين آخرين من قيادة الجبهة. وقتها أخبرني صديقي أبو جابر عضو وفد الجبهة، بأن الرئيس الأثيوبي أرسل وزير الخارجية لمقابلة أحمد جبريل فرقض جبريل قائلاً:” أنا جئت لمقابلة الرئيس وليس الوزير، وإذا لا توجد مقابلة نغادر”.
نعم، كان عنيداً في مواقفه، لكنه كان ملكاً أكثر من الملك فيما يتعلق بسوريا. كان نظام الأسد بالنسبة له يعتبر خطاً أحمر ممنوع الاقتراب منه حتى لو كان على حساب الشعب الفلسطيني. خلافه مع أبو عمار كان يتركز في كيفية العمل. الراحل ياسر عرفات كان يؤمن بالمفاوضات والتسويات ويعتبرها طريقاً للحصول على الحق الفلسطيني، بينما الراحل جبريل كان يؤمن بأن انتزاع الحقوق من إسرائيل يكون بالمقاومة والسلاح وأن المعركة مع اسرائيل ليست قابلة للمساومات”.
يوم أمس الأربعاء أخبرني صديق لي مقرب جداً من الراحل، أنه خلال مفاوضات المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وحركة حماس التي جرت في بيروت قبل حوالي سنتين ومن بعدها ذهبوا إلى القاهرة للتوقيع أوصى الراحل أحمد جبريل ابنه خالد الذي كان مشاركاً فيها أن يوقع باسم ” شاهد ماشفش حاجة”.
وإذا كان الشاهد “ماشفش حاجة” فإن التاريخ الفلسطيني رأى كل حاجة ليس من أحمد جبريل فقط بل ومن غيره أيضاً، وسيظل التاريخ محتقظاً بأسماء من أساؤوا للشعب الفلسطيني ومن ألحقوا إهانة به وبقضيته، وبأسماء من رفعوا راية فلسطين عالياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة