دعوة لمعرض يسوف هوخمان- السبت في جفعات حبيبه

تاريخ النشر: 06/03/18 | 16:32

الكاميرا بيدي يوسف هوخمان هي أداة سلاح وهي الحاجب، والتصوير، وفق تعريف أريئيلة أزولاي، هو أداة مدنية لتشخيص مواقع الأذى والعنف. متسلحًا بعدسة الكاميرا، راكم هوخمان الأدلة وجمع معطيات عن عالم تسوده بالمظالم والتشويهات، الحرمان والحروب. هوخمان، الذي وُلد في الأرجنتين، جلب معه من هناك ذلك التيقظ الداخلي لانعدام العدل، والشك الطبيعي بالسطلة والجهاز، والحذر التلقائي من السلطة السياسية وأوامر الحراسة والتأهب الدائم المتواصل. هوخمان هو واحد من أولئك الذي يمسكون بالكاميرا بغية منع الانفلات من مجال العين، كي لا يسمح لانعدام العدل بالاختفاء والتلاشي إلى متاهات النسيان. من منظور الواقع اليوميّ في البلاد والعالم، الكاميرا هي أداة سلاح سياسيّ، التي تضيء الزوايا المظلمة، تُجمّد الأحداث، وتطرح تفسيرات وتُنبت الوعي.
جزء كبير من أعمال هوخمان الفوتوغرافية أنجز عندما كان عضوًا في كيبوتس (هرئيل، جعاش)، وبعض معارضه الأهم كانت في إطار مجموعة “المشترك كيبوتس” التي نشطت في الأعوام 1977-1990. لكن حقل رؤية كاميرته تجاوز الساحة الكيبوتسية وتطلع إلى المجتمع كله. كان هوخمان، مثل يعقوب شوفر، زمليه في المجموعة، من أوائل من صورا مدن التطوير وأحياء الفقر، وأشارا إلى الفروقات في المجتمع الإسرائيليّ. على عكس الصورة الانعزالية للحركة الكيبوتسية، عمل هوخمان وشوفر، ضمن نشاطاتهما في مجموعة “المشترك كيبوتس” على توسيع المنظور ليشمل مناطق لم تحظ بالاهتمام وتم إقصاؤها خارج الجدار، أمكان لم تمتدحها الكاميرا إليها، بل كشفت عن الألم وعن الجرح.
جماعة “المشترك كيبوتس” اقترحوا أنموذجًا جديدًا لعمل الفنّان في مجتمع الكيبوتسات: ليس “فنّان-كيبوتس” الذي يخدم الكولكتيڤ، ويصنع زينة العيد ويزركش غرفة الطعام، بل فنّان يتمعن في المجتمع الذي يعيش فيه ويعكس ذلك بعيون ناقدة. للوهلة الأولى وكأننا هنا أمام إنقلاب ليس سهلًا: بدل تلك الشخصية الإيجابية الداعمة، التي تتماثل كليًا مع الكيان الكيبوتسي، نمت هنا دالة جديدة لم يتوقع أحد ظهورها، المشاهد الناقد، الذي يتفاعل ويحث الجميع. على غرار الفكرة التي صاغها تيودور أدورنو، أحد مبلوري الفكر الفلسفي الاجتماعي لمدرسة فراكنفورت في ستينيات القرن الماضي، فإن غاية الفن في المجتمع ليس المصادقة على الموجود وتمجيده، بل التحدي وإعادة النظر فيه كل مرة من جديد.
الخلفية التاريخية التي أدت إلى ظهر جماعة “المشترك كيبوتس” هي الانقلاب السياسي عام 1977، صعود حزب الليكود للحكم والشعور بأن الأسس المتينة المألوفة قد تزعزعت. لكن تلك النظرة اتي رصدت التغييرات الخارجية، تابعت أيضًا التغييرات الداخلية ووثّقت الشروخ العميقة داخل الأيديولوجية الاشتراكية. حيث انشغل أعضاء “الكيبوتس مشترك” بقضايا مثل “الأساطير المتلاشية” (حاييم مئور)، و”التحجر والركود” (يوڤال دنيئلي)، والقراءة الماراتونية لمؤلفات كارل ماركس أثناء خلع الملابس (يعقوب حيفتس)، حتى تعرية الجسد كله – وكل ذلك استهدف أمرًا واحدًا: التراجع الأخلاقي للأيديولوجية الاشتراكية وفقدان قيم العدالة الاجتماعية والمساواة. لقد أتاحت حساسية هوخمان للقيم المبدئية للثورة، وحقوق الإنسان، والنضالات الطبقية وإسماع صوت المهمشين، أتاحت له جسر الفجوات بين المجتمع الكيبوتسي الذي اضطر إلى إعادة تعريف ذاته من جديد وأولئك الذين ما زالوا ينتظرون التعريف الجديد. لكن هوخمان، عمل دائمًا، ومن خلال تلك النظرة الإنسانية الواسعة، على إبراز الأهم، الذي لا يمكن المساومة عليه: الحروب الغير الضرورية، والموتى والضحايا.

طالي تمير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة