اه يا يافا

تاريخ النشر: 09/01/14 | 7:44

يافا مدينة السحر والجمال والبرتقال الحزين، وعاصمة الساحل الفلسطيني الغافية على البحر المتوسط، وعروس الكنعانيين الضاربة جذورهم في عمق التاريخ.. يافا كعبة الشعر والأدب، ومنارة الفكر والإبداع، ومنهل الثقافة والصحافة.

يافا المدينة التاريخية العريقة، التي تعيش مع حجارة بيوتها القديمة والعتيقة المزروعة في خبايا الروح وسويداء القلب، التي اشتهرت وعرفت كـ "مدرج الميناء" و"برج الساعة" و"الفنار" و"مسجد حسن بك " و"العجمي" و"المنشية".

يافا مدينة الصيادين التي تصغي لحوريات البحر، ويفوح عطر بياراتها ورائحة بحرها وشذا برتقالها وليمونها.

يافا مدينة المشردين والمهجرين والنازحين، الذين هتفت لهم فيروز وانشد لعيونهم مطرب الجبل وديع الصافي.

يافا مدينة الإشعاع والنور ومركز النشاط الثقافي الإبداعي والمسرحي والفني، التي تعلّم وتخرّج من مدارسها خيرة المثقفين والمبدعين الفلسطينيين، وفي طليعتهم شهيد القضية غسان كنفاني الذي ما زال يدق جدران الخزان..!

يافا بلد الأدباء والصحفيين والشعراء والمفكرين ومهد الراحلين "إبراهيم أبو لغد" و"هشام شرابي"، وملهمة فرسان القلم وعشاق الشعر الذين طالما غنّوا وتغنّوا فيها، ومنهم الشاعر الرقيق الناعم وهفهاف الجرس "جميل دحلان"، الذي قال فيها:

يافا الحبيبه.. أي أرض مثلها من سحرها الفتان بدع بياني

أشتاق رؤياها الدار وهي بعيدة لا الأهل فيها.. لا ولا خلّاّني

ما زال في يافا الحبيبه منزلي خاوٍ.. رميم مصدع الأركان

فأهيم في الذكرى وقلبي متعب أصبو إلى وطني بكل حناني

لا أرتضي وطناً فإني عائد في موكب للسلم. بالإيمان

يافا، العراقة والأصالة والحضارة والتاريخ الكنعاني، التي نزح منها سارق النار، ويذكرها مهجروها في منفاهم القسري، لم تعد كما كانت سابقاً ملاذاً وعنواناً ومحجاً ومهبطاً وهوية وانتماءً وقصيدة وأغنية وهتافاً. فقد غادرها الشعراء والمثقفون وغاب قمرها الحزين وأفلت بياراتها، وخبا نور برتقالها وليمونها الأخضر، وصمتت عنادلها وبلابلها وكفت عن الشدو والغناء. كما فقدت طابعها التاريخي والمكاني والحضاري ومعناها الروحي في واقع المأساة والتراجيديا الفلسطينية فـ "تعبرنت" وتحولت إلى بارات ومقاهٍ وأوكار لمتعاطي الخمور والحشيش والمخدرات.

فأين يا يافا المنصات الأدبية والحلقات الثقافية والروابط الفكرية والوشائج الحضارية..؟!

أين المسارح والنوادي التي كانت إشعاعاً معرفياً لبث الوعي وتصدير العقول وصقل المواهب وإنتاج الكلمة المضيئة والثقافة المتنورة ؟!

آه يا يافا..! نبكي عليك وعلى ما آلت الأوضاع الاجتماعية فيك، في زمن الفقر والقهر والعهر. إن القلب ليجزع ويتمزق، والعين تبكي وتدمع لواقعك المأساوي البائس الذي يثير الحزن والشجن والشكوى.

وأخيراً، سنبقى نحبك يا يافا ونظل نحِنُ لماضيك ومينائك الجميل وآثارك الباقية، التي تصرخ أنا عربية فلسطينية كنعانية، وإننا هنا باقون ومنزرعون، فلتشربوا البحر..!

تعليق واحد

  1. رائع جميل جدا كلمه حق كلام كبير ومعبر ومصور للماضي وللحاضر. وفي. الواقع وضعها اليوم اصعب مما وصفت. المسارح قلبت لمسارح حرب عصابات ونوادي اصبحت نوادي ليليه للانحراف ورائحه البحر وعطرها تبدل بروائح الخمور وروائح الموت. البيوت عربيه الاصل تبدل اصحابها برجال الاعمال واصحاب المال. وما تبقى منها ان قلوبنا تتلوع لرؤيتها لسوء وضعها ومنع اصحابها من ترميمها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة