“تعدو الذئابُ على من لا كلابَ له”

تاريخ النشر: 04/11/16 | 3:12

جولة مع بيت الشعر: تعدو الذئابُ على من لا كلابَ له *** وتتّقي صَولة المستنفِرِ الحامي

ثمة اختلاف في كلمات البيت، نحو:
?تعدو الذئاب على من لا كلاب له *** وتتقي صولة المستأسد الضاري

إن الذئاب ترى من لا كلاب له … وتتقي حَوزة المستـثْـفِر الحامي

تعدو الذئاب على من لا كلاب له … وتتقي مربِض المستأسد الضاري

المعنى باختصار أن الذئاب تهاجم من لا حماية له ولا ناصر، بينما هي تحاذر ولا تدنو ممن له حماية وصولة وسند. هناك مثل مشابه: “ذل من لا سيف له” أو “ذلّ من لا ناصر له”.
وثمة قول آخر: “قد يُتوقَّى السيف وهو مغمد”.
من هو القائل؟ نسب البيت غالبًا للنابغة الذبياني، لكن (ديوان النابغة)- تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم لم يضمّ هذا البيت في قصيدته التي مطلعها: قالت بنو عامر: خالوا بني أسَد *** يا بؤسَ للجهلِ ضرّارًا لأقوام وإنما أشار المحقق في الحاشية إلى أن البيت ورد فقط في نسخة الشِّنْقيطي المحفوظة بدار الكتب المصرية (ص 84)، ولم يردْ في نسخ أخرى.من المصادر التي نسبت البيت للنابغة : (لسان العرب) (مادة “ثفر”)، وكذلك في (الحماسة) للبحتري، ص 167. أما الجاحظ فنسبه لجرير، ولم أقع على هذا البيت في ديوانه. (انظر الإشارة للمصدر أدناه!)

وهناك من نسبه للزِّبْرِقان بن بدر، منهم أبو هلال العسكري في (جمهرة الأمثال)- المثل “الشجاع موقى”.وكذلك في (العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين) للفاسي، ص 345.أما ابن سلاّم الجُمَحي في (طبقات فحول الشعراء)- تحقيق عبد السلام هارون، ج1، ص 57 فيجمع بين القولين:”فمن رواه للنابغة قال:تعدو الذئاب على من لا كلاب له *** وتتقي مربِضَ المُـسْـتَـثْـفِر الحامي [……] ومن رواه للزِّبرِقان بدر قال:إن الذئاب ترى من لا كلاب له *** وتحتمي مربض المستثفر الحاميويُروى (وتتقي)، وهذا في قوله:أبلغْ سَراةَ بني عوفٍ مُغَلْغَلَـة …”
لنأت إلى روايات وردت واستُشهد فيها بالبيت، واشُتهر.وبَدءًا فمعظمها تدور حول الشاعر عمر بن أبي ربيعة ومغازلاته للنساء، إما لامرأة أبي الأسود الدُّؤَلي، أو لغيرها، وكيف أنه يرتدع أمام القوة أو أمام من يستطيع زجره سواء أكان أخاها أم زوجها أم بعض محارمها.

الرواية الأولى في الاستشهاد بالبيت:* يحكى أنَّ عمر بن أبي ربيعة بينما هو يطوف إذ بصر بامرأة في الطواف فأعجبته، فكلمها فنفرت، وقالت: إليك عني، فإني في حرم الله وفي موضع عظيم الحرمة!
فلما ألح عليها وشغلها عن الطواف ذهبت إلى بعض محارمها، فقالت له: احضر معي تريني المناسك! فجاء معها، فلما رآه عمر تباعد عنها.تمثلت المرأة حينئذ بهذا البيت. (فبلغ المنصور خبرها فقال: وددت لو لم تبق بنت في خدرها إلاّ سمعته).اليوسي- (زهر الأكم في الأمثال والحكم)، ج3، ص 108.

ترد القصة نفسها برواية هيثم بن عَديّ- مع الإشارة إلى أن “بعض محارمها” هو أخوها في (الأغاني) لأبي الفرج الأصبهاني، ج1، ص 87-88.غير أن (الأغاني) أورد رواية أخرى مختلفة- جرت بين عمر بن أبي ربيعة وبين أبي الأسود الدؤلي هي:
“عمر يتعرض لامرأة أبي الأسود الدؤلي في الطواف: حج أبو الأسود الدؤلي ومعه امرأته، وكانت جميلة، فبينا هي تطوف بالبيت إذ عرض لها عمر بن أبي ربيعة، فأتت أبا الأسود فأخبرته، فأتاه أبو الأسود فعاتبه، فقال له عمر: ما فعلت شيئًا. فلما عادت إلى المسجد عاد فكلمها، فأخبرت أبا الأسود، فأتاه في المسجد وهو مع قوم جالس فقال له:
وإني ليُثنيني عن الجهل والخَنا … وعن شتم أقوام خلائقُ أربع ُ
حياءٌ وإسلام وبُقيا وأنني … كريم، ومثلي قد يضرُّ وينفع
فشتّانَ ما بيني وبينك إنني … على كل حال أسـتقيم وتظلع

فقال له عمر: لست أعود يا عمّ لكلامها بعد هذا اليوم. ثم إنه عاود فكلمها، فأتت أبا الأسود فأخبرته، فجاء إليه فقال له:
أنت الفتى وابن الفتى وأخو الفتى … وسيدنا لولا خلائق أربع
نُكولٌ عن الجُلّى وقربٌ من الخَنا … وبخلٌ عن الجدوى وأنك تُبَّع
(معنى تُبّع- تتبع كثيرًا وتلحق النساء).ثم خرجت وخرج معها أبو الأسود مشتملاً على سيف، فلما رآهما عمر أعرض عنها، فتمثل أبو الأسود: تعدو الذئاب على من لا كلاب له … وتتقي صولة المستأسد الحامي(الأغاني، ج 1، ص 159)
هذه الرواية هي لمولى زياد، ولم يذكر أبو الفرج الأصفهاني فيها اسم الشاعر صاحب البيت كما فعل في الرواية الأولى، وإنما قال “فتمثّل أبو الأسود”، وهنا نلاحظ أن الدؤلي هو الذي يذكر البيت، وليست المرأة.

رواية أخرى:ورد في كتاب (الحيوان) للجاحظ ما يلي:” وقال محمد بن إبراهيم: قدمت امرأة إلى مكة، وكانت ذات جمال وعفاف وبراعة وشارة، فأعجبت ابن أبي ربيعة، فأرسل إليها، فخافت شعره، فلما أرادت الطواف قالت لأخيها: اخرج معي، فخرج معها، وعرض لها عمر، فلما رأى أخاها أعرض عنها، فأنشدت قول جرير:تعدو الذئاب على من لا كلاب له … وتتقي حوزة المستأسد الضاري”
نلاحظ هنا أن الشاعر في هذه الرواية هو جرير وليس النابغة، وأن المرأة هي التي أنشدت البيت.(الحيوان ج 2،ص 83 تحقيق عبد السلام هارون)
أما الخبر في (عيون الأخبار 4/107) لابن قتيبة، فيرويه محمد بن علي، قال:”حججت فرأيت امرأة من كَلب شريفة قد حجّت، فرآها عمر بن أبي ربيعة، فجعل يكلمها ويتبعها كل يوم، فقالت لزوجها ذات يوم:
إني أحب أن أتوكأ عليك إذا رحت إلى المسجد، فراحت متوكئة على زوجها، فلما أبصرها عمر ولى، فقالت: على رِسْلك يا فتى:تعدو الذئاب على من لا كلاب له … وتتقي مربِضَ المستأسد الضاري”
هنا الرواية عن عمر، ومرافق المرأة الكلْبية هو زوجها، وهي التي تنشد البيت لعمر، وفي هذه الرواية لا يذكر ابن قتيبة اسم الشاعر.
لاحظنا اختلاف الروايات في قراءة البيت، وفي قائله، وكذلك في الرواية التي نُسجت حوله، ومهما يكن فإنها جميعًا تتفق أنه لا بد من التصدي لمن يعتدي، وإلا فإن الضعيف يهون ويُهان، وأن الناس تحسب حساب القوي.
وصدق الشاعر ابن بُراقة الهمْداني الذي يقول:متى تجمعِ القلبَ الذكيَّ وصارمًا *** وأنفا حَمِيًّا تجتنبْك المظالم

أ.د فاروق مواسي

faroqmwasee

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة