تأملات في قصائد مروان مخُّول

تاريخ النشر: 05/12/13 | 6:11

قصيدة (اله الثورة): تشكل قصيدة (إله الثورة) مشهدين متداخلين متناقضين موزعين على دلالة الحضور ودلالة الغياب ؛ حضور واقع مرفوض، وغياب ماض منشود. ويرصد المشهدان معالم العصر التقني أو التكنولوجي الذي شوهته السياسة، فعلى الرغم أننا نعيش في عصر تقني رقمي إلا أننا نفتقر إلى مقومات الوجود الإنساني، نفتقر إلى الحرية والكرامة والمحبة والتسامح العقائدي…فقد أثقل العصر التقني كاهلنا وهدد حياتنا بأسلحته الفتاكة، وسلب منا فطرة الإنسان وأشاع فينا الطائفية والمذهبية وكراهية العرق…فلا غرابة أن العلامة السيميائية الرئيسة في القصيدة هي مناجاة الشاعر للإله كي يخلصه من هذا الواقع ويعيده إلى فطرة الإنسان وبُدائية الحياة التي تخلو من الحدود السياسية المصطنعة ومن الصراعات الطائفية والمذهبية ومن والحروب المؤسسة على مصالح اقتصادية، وتتسامى عن تزوير النص الديني الذي أصبح صهوة يمتطيها أدعياء الدين لقتل الأبرياء، ويتجلى وهج المناجاة في رغبة صادقة لعودة العلاقة الفطرية بين الله والإنسان وبخاصة بعد انتشار ثقافة " أوصياء الله على الأرض " الذين يرسمون خريطة الحلال والحرام وفق مصالحهم ونزواتهم. والشاعر يتمنى العودة إلى ماض يضمن للإنسان إنسانيته..ويفضل حياة الغاب على حياة عصرية تقنية موبوءة بشرور أشد فتكا من مما عرفناه عن حياة الغابة وقوانينها.

إن استهلال القصيدة بقوله: (لم أعُدْ أريدُ سلامًا) ينسجم مع رؤية الشاعر للعصر التقني الذي شوهته السياسة ؛ فهو لا يرفض السلام المنشود بل يرفض سلاما مزعوما… يرفض سلاما يفرضه القوي الغاصب…يرفض سلاما قائما على تزوير التاريخ والجغرافيا..يرفض سلاما يضمن الحياة لدولة ويحرص على إجهاض الدولة الأخرى في مهدها ولهذا جاء رفضه الثاني بقوله: (ولا وطنا يعيش في دولتين).

ويصور الشاعر رغبة الإنسان للعودة إلى فطرته حيث عذرية الكون وبراءة الطبيعية كي تعود إلينا إنسانيتنا وتتطهر نفوسنا وتصفو قلوبنا ؛ لان الإنسان كلما ابتعد عن الطبيعة زادت معاناته، كما يتجلى في قوله:

هَبْ لي بلادًا ملاذًا؛

ناقةً وحبّتَيْ تمرٍ تكفيانِنِي – بعيدًا

عن التّكنولوجيا – يا إلهي! كي أعيشَ لا لأحيا

واللافت أن العودة إلى الوراء أو إلى الحياة الصحراوية الجافة الخشنة التي تقتصر على الكفاف يراها الشاعر أنها عودة إلى مجد الإنسان وحريته وكرامته وآدميته كما في قوله:

إلهي! أَعِنّي على عَليائي في الحضيضِ المُرِّ كي

أصعدَ نحوَ مجدي من جديد.

ويُضمر قول الشاعر سؤالا وجوديا: أيهما أفضل حياة عصرية مثقلة بالمعاناة أم حياة بدائية مفعمة بالبراءة والفطرة ؟ وتبقى الإجابة سجالا بين النص والمتلقي.

ويشير الشاعر إلى نوازع الشر الكامنة في الإنسان الذي حول نعمة الله إلى محنة ونقمة كما في مناجاته في قوله:

واحرِقِ الپِتْرولَ، كي تُوقِفَ الزّحفَ نحْوي، الهي..

وارى أن شاعرنا قد تأثر في هذه القصيدة بقصيدة الغاب لجبران خليل جبران وبخاصة في تفضيل حياة الغاب على حياة المدينة التي تكبلها قيود الآلة والمادة وتخلو من الروح الإنسانية والبراءة… يقول شاعرنا:

ففي الغابِ ما ليسَ فينا؛

يأكلُ الوحشُ وحشًا إنْ جاعَ لا وحشَيْنِ

لا دينَ فيهم ويحيَونَ في سِلمٍ كما ترى، أمْ ترى اللّيثَ

يَقتلُ من أجلِ مذهبِهِ الطّائفيِّ ظبيًا، يا إلهي!؟

ويحلنا هذا إلى جبران في قوله:

ليس في الغابات دينٌ

لا ولا الكفر القبيحْ

فاذا البلبل غنى

لم يقلْ هذا الصحيحْ

إنَّ دين الناس يأْتي

مثل ظلٍّ و يروحْ

…..

ليس في الغابات حزنٌ

لا و لا فيها الهمومْ

فإذا هبّ نسيمٌ

لم تجىءْ معه السمومْ

………………………………………………

قصيدة (عربي في مطار بن غوريون):

ويجسد الحوار في قصيدة (عربي في مطار بن غوريون) مفارقة مؤلمة بين تاريخ حافل بالأمجاد والعزة والكرامة وواقع سياسي قائم على أنقاض ذلك التاريخ. فالشاعر في حواره مع المجندة يستل من جيوب التاريخ أصالة الفلسطيني ويكشف لها عن جذوره الراسخة في أرض مغتصبة فيستدعي حضارة الغساسنة في مرتفعات الجولان حينما اتخذ الغساسنة منطقة (الجابية )عاصمة لهم بعد عاصمتهم في بصرى الشام كما في قوله: (من غساسنةِ الجَولان أصلُ فروسيّتي- قلتُ). ويأتي السطر التالي من القصيدة ليضاعف من حدة المفارقة حينما يقول الشاعر:

جارُ مومِسٍ من أريحا؛

تلك الّتي وشَتْ إلى يوشع بالطّريقِ إلى الضِّفّة الغربيّة

يوم احتلّها فاحتلّها التّاريخُ من بعدهِ

في الصّفحةِ الأولى.

وفي هذا استدعاء لشخصية رحاب الزانية أو الخائنة التي أسهمت في سقوط مدينة أريحا بأيدي اليهود كما تذكر بعض المصادر… فالفلسطيني ينتمي إلى تاريخ مفعم بالأصالة والعراقة.. والمجندة التي جاءت من شتات العالم تنتمي إلى كيان قائم على الغدر والخيانة والاغتصاب. ويتابع الشاعر التناص التاريخي في القصيدة مستحضرا الشخصيات التاريخية ويمتص المواقف والأحداث من ذاكرة التاريخ ويصهرهما في سياق سياسي معاصر. ويحرص الشاعر على الجمع بين الأماكن التاريخية الموغلة في التاريخ والأماكن التي تشكل الجغرافيا المعاصرة بهدف التأكيد على وحدة التاريخ وديمومته على الرغم من حرص الآخر على تزوير التاريخ وطمس معالمه.

قصيدة (من سيرة الأسير):

وفي قصيدة (من سيرة الأسير) يرصد الشاعر تفاصيل معركة الأمعاء الخاوية التي اصطلح عليها الإعلاميون..ويربط بين إضراب الأسرى الي يهدف إلى انتزاع الحقوق الإنسانية من السجان، ومسيرة النضال الوطني التي تهدف إلى انتزاع الحق السياسي في دولة مستقلة. ويستدعي في سياق هذا الربط مزاعم توراتية حول الوعد الإلهي لليهود، وما يُسمى وعد بلفور الذي وصفه الشاعر بمندوب السماء على سبيل السخرية المرة في قوله:

كنّا نحاولُ أن نُعيدَ حياتَنا نحوَ الحياةِ

وأن نعمِّرَ دولةً للكلِّ،

لا وعدٌ إلهيٌّ يشرّعها كما زَعَموا

ولا بَلفورُ، مندوبُ السّماءِ، لكي

يَفُضَّ المسألة

والهدف من هذا الاستدعاء في سياق سيرة الأسرى هو التأكيد على أن قضية الأسرى هي قضية أرض وقضية إنسان… قضية وطنية تطلب وطنا استباحه السجان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة