غابة الموْت

تاريخ النشر: 01/09/16 | 4:12

تَلمّستْ بخطواتٍ ثقيلةٍ جسدَها العالق في وحلِ المستنقعِ لِئَلاَّ تسْقُطَ مُغْشِية عليْها فكانت تحاول بِصعوبة بالغة أن تسْتقصي المكانَ مِن حولهِا بحركةٍ مِن رقبتها النّحيلة المكدودةِ، لا شيءَ هُنَا غيْر خوف المكانِ، والصمت الرهيبُ يلْتفُّ على خِناق الغابة، ويكْتُمُ أنْفَاسَها بمارد العَدمِ، تشْرئبُّ برأسِها الصّغير بِحركةٍ يائسةٍ، تسْتطلعُ الصّمْتَ القاهر من عينين واسِعَتين ومُنهكتين، تَدور في الأُفقِ المُنْهَمرِ عَن أنوارِ مُشعْشَعةٍ، تَتَنزّلُ القمر عن عَرْشِها لِملْكةِ الشروق الصَّمُوتِة الزّاحفِة رويداً رويداً حتّى الغَوْصِ وراءِ حاجزِ غابة المَوْت، زمجرة النمور تهتزّ أصدائَها في أعماقِ الغابة حوْلِ جيفة حيوانٍ غريب نشفتْ عروقَه مِن كثرةِ المفترسين، يُجاوبُ أصداءَ النمور عنْ بُعْدٍ ثُغَاءِ قَطيعٍ مَهْزومٍ من الشوادن، داهَمته العتمة، وأرادَ أن يهجع من خطوه اليوميّ.
استندتْ عَلى طرف الغابة ولمْ تسعْها الحركةُ، مدّتْ رقبتها على جذع شجرة واقعة في المستنقع لتبْتردَ وتنسمَ زخات رذاذ آتية، داهمَها وجعُ المَخَاض يُنذِر بالطّلْقِ، واستقرّ كسكّين حادّ يقْطَعُ الحِجابِ الحاجزِ، ارْتَجف جسدها في تماوجٍ، ثمّ ارتعش كلَّ جسدها النحيلِ، فاحتوى إطار المقلتين مسافة المكان والزمان في وقت واحد، وزحفتْ العتمة، وزادَها ألم المَخَاضِ، تصلبت قليلاً، بدأ شبْحٌ باسق العَدَمِ آتياً يبكي من بؤُبؤُ المقلتين، أغلقتْ الضعيفة عينيها لتطويَ العَدَمَ في آخرِ قطْرةٍ واستسلمتْ للغروب تماما عَلى صوت غرغرة حادّة عبّتها غابة الموْتِ في بطنها

عطا الله شاهين

3talla7shaheen

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة